مدّ الجبهات بمئات آلاف المقاتلين.. بوتين يسعى إلى حرب أوسع

مدّ الجبهات بمئات آلاف المقاتلين.. بوتين يسعى إلى حرب أوسع

«هذه التعديلات مكتوبة لحرب كبيرة وتعبئة عامة. ورائحة هذه الحرب الكبيرة يمكن فعلاً شمها”، كما قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما أندريه كارتابولوف الأسبوع الماضي، بينما كان البرلمان الروسي يسارع إلى اعتماد قانون جديد.
 
بوتين ارتكب الكثير من الأخطاء القاتلة
يوضح مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مركز كارنيغي ببرلين ألكسندر غابويف أن التشريع الذي يمكّن الكرملين من إرسال مئات الآلاف من الرجال إلى القتال يكشف حقيقة مؤسفة: بعيداً من البحث عن مخرج من حربه الكارثية في أوكرانيا، يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحرب أكبر.
كتب غابويف في صحيفة “فايننشال تايمز” أنه يفهم رغبة كثر في أوكرانيا والغرب في الاعتقاد بأن رئيس روسيا محاصر. يقوم الجيش الأوكراني تدريجياً باستعادة السيطرة على الأراضي التي احتلها الروس وأظهر أنه قادر على ضرب عمق أراضي العدو وحتى الكرملين نفسه. ويتصاعد ضغط العقوبات على روسيا. في الوقت الحالي، لا يزال الغرب موحداً في مساعدة كييف، وتدعم تدفقات الأسلحة والأموال الحديثة المجهود الحربي الأوكراني. ويضيف التمرد الذي شنه زعيم مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوجين والصراعات الواضحة بين كبار القادة العسكريين الروس آمالاً إضافية بأن آلة الحرب في الكرملين ستنهار.
 
ليست هذه نظرة بوتين
من المرجح أن تبدو الأمور مختلفة تماماً بالنسبة إلى الكرملين الذي يعتقد أنه قادر على تحمل حرب طويلة. يُتوقع أن يسجل الاقتصاد الروسي نمواً متواضعاً هذه السنة، ويرجع الفضل على الأغلب إلى المصانع العسكرية التي تعمل على مدار الساعة. تأتي المكونات الحساسة مثل الرقائق الدقيقة اللازمة للصناعة الدفاعية من الصين ومصادر أخرى. بالرغم من العقوبات، لا يزال صندوق حرب الكرملين يفيض بالنقود وذلك بفضل أرباح الطاقة المفاجئة السنة الماضية وأيضاً قدرة مصدري السلع الروسية على التكيف مع عثورهم على عملاء جدد وتسوية المدفوعات في معظم الأحيان باليوان. إذا أصبحت ضغوط الموازنة أكثر حدة فسيكون بإمكان البنك المركزي الروسي خفض قيمة الروبل بشكل أكبر مما يسهّل دفع رواتب الجنود والعاملين في صناعة الدفاع وقوات الأمن الداخلي التي تُبقي النخبة الروسية والجمهور في حالة قمع.
 
حسابات موسكو
عندما يتعلق الأمر بالحرب نفسها، يبدو أن الكرملين لا يزال غير منزعج من الهجوم المضاد الأوكراني. حتى لو أحرزت كييف المزيد من التقدم، فقد يتجاهلها الكرملين باعتبارها مؤقتة. يعتمد بوتين على حقيقة أن القوة البشرية الروسية التي يمكن حشدها هي أكبر بثلاث إلى أربع مرات من القوة البشرية في أوكرانيا، والمهمة الملحة الوحيدة هي القدرة على الاستفادة من هذا المورد حين يشاء: حشد المزيد من الرجال وتسليحهم وتدريبهم وإرسالهم للقتال. هذا هو بالضبط الغرض من القانون الجديد الذي ينبغي أن يساعد الكرملين على تجنب أي تعبئة رسمية أخرى.
من الآن فصاعداً، تابع الكاتب، يمكن للحكومة إرسال تبليغات هادئة للالتحاق بالخدمة العسكرية إلى أكبر عدد من الرجال تراه ضرورياً. سيتم رفع الحد الأقصى لسن الخدمة الإلزامية من 27 إلى 30 عاماً، ويمكن رفعه مرة أخرى في المستقبل. بمجرد إصدار إشعار إلكتروني، سيتم إغلاق حدود روسيا على الفور أمام المتلقي، من أجل منع هجرة جماعية للرجال في سن التجنيد مثل تلك التي شهدتها روسيا في الخريف الماضي. كما تم تشديد العقوبات على رفض الخدمة. من المفترض أن تساعد هذه التحركات، بجانب استثمارات الدولة الهائلة في توسيع إنتاج الأسلحة، الرئيس الروسي في بناء جيش أكبر وأفضل تجهيزاً.
 
تكتيك موازٍ
حسب غابويف، يكمن التكتيك الموازي في خنق الاقتصاد الأوكراني. مدركاً أن الموازنة الأوكرانية تعتمد على خط إنعاش يقدمه حلفاؤها الغربيون، يريد الكرملين حرمان كييف من جميع مصادر الدخل. لذلك لم تنسحب موسكو فقط من اتفاق الحبوب الذي مكن الصادرات الزراعية الأوكرانية من اجتياز البحر الأسود، بل شنت أيضاً ضربات جوية مكثفة على الموانئ الأوكرانية لتدمير أي احتمال لإحياء الاتفاق. المنطق نفسه يدعم الضربات الجوية الروسية ضد البنية التحتية المدنية: فهي تهدف إلى جعل المدن الأوكرانية غير صالحة للسكن ومنع جهود إعادة الإعمار.
 
هذا ما على الغرب التفكير به
يأمل الكرملين أن تؤدي إعادة البناء السريعة للجيش الروسي والتدمير التدريجي للاقتصاد والقوات المسلحة الأوكرانية إلى تزايد الإحباط الغربي وتراجع الدعم لكييف. من أجل تسريع هذه العملية وكسر إرادة الغرب، تستخدم موسكو التهديدات بالتصعيد، من ضمنها توسيع الصراع نحو أراضي الناتو عبر بيلاروسيا بمساعدة مرتزقة فاغنر المتمركزين هناك.
لقد ارتكب بوتين الكثير من الأخطاء القاتلة. لكن طالما أنه في سدة المسؤولية، يرى الكاتب أن موسكو ستكرس مواردها الهائلة لتحقيق هوسه بتدمير أوكرانيا وإخضاعها. بينما يفكر القادة الغربيون في سياسات دعم أوكرانيا للعام الثالث من هذه الحرب البشعة، يجب على أي استراتيجية طويلة الأمد أن تأخذ هذا الواقع في الاعتبار.