محمد بن راشد: نسعى لتوفير أفضل نوعيات الحياة للمواطن والمقيم والزائر
أول مركز لزراعة الأعضاء المتعددة في دولة الإمارات
مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي ينفذ أول زراعة مزدوجة لقلب ورئتين في دولة الإمارات
نجح مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، جزء من مجموعة M42، بتنفيذ أول عملية من نوعها على الإطلاق في دولة الإمارات لزراعة مزدوجة لقلب ورئتين، مرسخاً التزامه بتطوير الرعاية الطبية. وأُجريت هذه الجراحة المعقدة على سيدة إماراتية تبلغ من العمر 56 عاماً بعد معاناتها من ارتفاع ضغط الدم الرئوي، الحالة الصحية التي تهدد الحياة وتحدث نتيجة ارتفاع ضغط الدم في الشريان الرئوي، الأمر الذي يعيق التدفق الحيوي للدم من القلب إلى الرئتين.
واستطاعت مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي تحقيق هذا الإنجاز بدعم من دائرة الصحة – أبوظبي، وهو ما يُمثل انعكاساً للجهود الرامية إلى ترسيخ مكانة أبوظبي كوجهة رائدة للرعاية الصحية عالمياً بفضل الإمكانات التي تتمتع بها في مجال زراعة الأعضاء من خلال بنيتها التحتية المتطورة، والكفاءات الصحية التي تتميز بالخبرة والمعرفة، والمنشآت الصحية المتقدمة عالمياً التي تحتضنها.
ومع نجاحه بتنفيذ هذا الإجراء المبتكر، أضاف مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي إنجازاً آخر ضمن ابتكاراته العلاجية التي تحيي آمال المرضى المصابين بحالات معقدة تهدد حياتهم في دولة الإمارات، ورسخ مكانته كالمركز الوحيد لزراعة الأعضاء المتعددة في الدولة. ومنذ تأسيسه في عام 2017، أجرى المستشفى أكثر من 700 عملية زراعة تشمل 47 زراعة رئة، و23 قلبا. ويواصل المستشفى تقديم الرعاية لأكثر الحالات تعقيداً، واضعاً رعاية عالمية المستوى في متناول جميع سكان المنطقة.
وبدأت الرحلة العلاجية للمريضة في عام 2004 في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تشخيص إصابتها بخلل في الحاجز الأذيني، بسبب مشكلة خلقية في القلب. ومع إهمال العلاج بمرور السنين، ازداد الضغط في قلبها بما قاد لمضاعفات تمثلت بارتفاع في ضغط الدم الرئوي. وبعد خضوعها للعديد من الخطط العلاجية ضمن مستشفيات مختلفة حول العالم، أُحيلت المريضة إلى مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي في شهر مارس من عام 2022 وكانت حالتها في ذاك الوقت متدهورة بشكل كبير، مع فقدان كبير في الوزن تجاوز 30 كليو غراما.
وحول حالة المريضة، أوضح الدكتور فادي حامد استشاري أمراض الرئة والمدير الطبي لبرنامج زراعة الرئة في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: “حرصنا على مراقبة حالة المريضة لتقييم استجابة جسمها للعديد من استراتيجيات ومنهجيات الرعاية الموجهة للتعامل مع مرضها، إلا أنها لم تظهر أي استجابة بالأدوية الاعتيادية. ومع استمرار التدهور، تم تشكيل فريق رعاية متعدد التخصصات خصيصاً لها ليشرع أفراده في العمل على تقييم حالتها ودراستها بشكل أكثر دقة».
وبعد تقييم شامل لحالتها، قرر فريق الرعاية المتعدد التخصصات ضرورة خضوعها لتدخل جراحي معقد، ليس فقط لحاجتها لزراعة رئة، بل أيضاً بسبب التضخم الشديد في قلبها الناجم عن الضغط المستمر عليه.
وأوضح الدكتور ميتش باديوالا استشاري جراحة القلب والصدر بمعهد القلب والأوعية الدموية والصدرية في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: “في التاريخ الطبي المعاصر، تعتبر زراعة الرئة الخيار العملي المتاح لارتفاع ضغط الدم الرئوي. إلا أن حالة المريضة كانت صعبة للغاية نتيجة تضخم قلبها بشكل كبير مع صغر تجويف صدرها، الأمر الذي استدعى إجراء زراعة مزدوجة لقلب ورئتين. وفي الحقيقة، ربما لم تكن لتعاني المريضة من هذا التدهور الشديد في حالتها الصحية لو جرى علاج هذا الاضطراب الخلقي الذي أصيبت به في عام 2004 بشكل مبكر أكثر».
وبحلول شهر فبراير، توقفت حالتها عن الاستجابة للعلاج لتبدأ معاناتها من ازدياد احتباس السوائل، بما فاقم من ارتفاع الضغط لديها، وعرضها لصعوبات كبيرة في التنفس، حتى وصل الأمر لاحتمال وفاتها في غضون أشهر معدودة في حال لم تتلق التدخل العلاجي المناسب. وتم إدخال المريضة بشكل مباشر لوحدة العناية المركزة لتجهيزها لعملية الزراعة.
وأكدت الدكتورة نادية المطروشي استشارية جراحة القلب والصدر، على الحاجة للاستعداد بشكل دقيق لمثل هذه الجراحات، وأضافت: “يعتبر مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي أحد المستشفيات القليلة التي تقدم رعاية متعددة التخصصات للحالات الصحية المعقدة. فقد شهدت هذه الحالة تعاوناً مكثفاً بين مختلف الأقسام في المستشفى لإدارة حالة الضغط الحاصل في قلب المريضة من خلال الإبقاء على مستويات مرتفعة من الأوكسجين ضمن وحدة العناية المركزة حتى إيجاد أعضاء مطابقة لها».
وشارك في عملية التخطيط لإجراء الزراعة فريق متعدد التخصصات يضم متخصصين في طب القلب، وقصور القلب، وطب الرئة، وجراحة الصدر، وجراحة القلب، والعناية المركزة للقلب والتخدير القلبي، لوضع خطة مُحكمة لإجراء عملية زراعة مزدوجة لقلب ورئتين.
وأشار الدكتور عثمان أحمد مدير قسم جراحة الصدر، الذي يتمتع بخبرة سابقة في إجراء زراعات مزدوجة لقلب ورئتين في الولايات المتحدة، إلى مدى إلحاح هذه الجراحة في ضوء تدهور حالة المريضة، وأضاف: “كانت المريضة تعاني من مرض القلب والرئة في مراحله الأخيرة. ولو لم نجد الأعضاء المطابقة في الوقت المناسب، لكانت قد فقدت فرصة إجراء هذه الجراحة التي ستغير حياتها. وكان قرار المضي نحو إجراء الزراعة المزدوجة إنجازاً رئيسياً لكل من المريضة وفريق الرعاية المعني بحالتها في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي».
وأضاف الدكتور أحمد: “يعتبر إجراء الزراعة المزدوجة للقلب والرئتين غير شائع أبداً حتى في أضخم مراكز زراعة الأعضاء العالمية. لذلك فإن برنامج الزراعة لدينا فريد من نوعه نظير أوقات الانتظار القصيرة التي يتمتع بها، ووصوله اليسير لأعضاء مواتية للمرضى من حيث الأنسجة والحجم مع بقائها خارج جسم المتلقي لفترات قصيرة، إذ أن طول فترة بقائها بين استئصالها من جسم المتبرع وزرعها لدى المتلقي قد يقود لتدهور نتائج عملية الزراعة بعد إتمامها. وبتوجيه من دائرة الصحة – أبوظبي وبالتعاون مع البرنامج الوطني للتبرع وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية ’حياة‘، يمكننا الحفاظ على هذا الوقت القصير في زراعات القلب والرئة، إذ أتاح لنا ذلك تحقيق معدلات نجاة مرتفعة على مستوى هذه الجراحات المعقدة، الأمر الذي استقطب العديد من المرضى من أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية الذين يحتاجون للخضوع لمثل هذه الجراحات المعقدة، والتي أثبتنا كفاءتنا العالية في تنفيذها».
وأضاف الدكتور راشد عبيد السويدي، المدير التنفيذي لقطاع القوى العامة الصحية في دائرة الصحة – أبوظبي: “لقد استطاعت أبوظبي أن تُعزز إمكاناتها في مجال زراعة الأعضاء من خلال ما تتمتع به من منظومة صحية متميزة وبنية تحتية متقدمة وكفاءات صحية لديها الخبرات اللازمة لتقديم خدمات زراعة الأعضاء وفق أفضل الممارسات العالمية وباستخدام أحداث التقنيات والابتكارات. وتُبرهن مثل هذه الإنجازات على مكانة أبوظبي كوجهة رائدة للرعاية الصحية عالمياً، فقد شهدت الإمارة منذ تأسيس البرنامج الوطني للتبرُّع وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية «حياة» في عام 2017 حتى نهاية العام 2023 ارتفاعاً متواصلاً في عدد عمليات زراعة الأعضاء التي بلغت أكثر من 800 عملية ساهمت جميعها في إنقاذ وتحسين حياة الكثير من المرضى.»
وتولى إجراء الزراعة فريق جراحي يضم أربعة من جراحي القلب والصدر، واثنين من أطباء التخدير في جراحة القلب والصدر، وخمسة من كوادر التمريض المتخصصين في أمراض القلب والصدر، وخبيرين في مجال التروية، واستغرقت العملية أكثر من 8 ساعات نظراً لمدى تعقيد البنية التشريحية. وقاد هذا الفريق الدكتور عثمان أحمد، في حين قام الدكتور ميتش باديوالا بتوصيل المريضة بجهاز مجازة القلب والرئة، وذلك لاستئصال قلبها ورئتيها وزرع الأعضاء الجديدة، والتي بدأت العمل بشكل طبيعي مباشرة.
وبعد الجراحة، حرص فريق الرعاية على مراقبة حالة المريضة عن كثب في الوحدة المذكورة، مع منحها الرعاية الشاملة اللازمة، الأمر الذي شكل عنصراً محورياً في نجاح هذه الزراعة المزدوجة المعقدة. ولاشك أن رحلتها العلاجية التي أوصلتها للتعافي تؤكد على التزام مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي بالرعاية الشخصية متعددة التخصصات، وحرصه على الاستفادة من أحدث التقنيات العلاجية.