من دمشق إلى غزة..اختبارات واشنطن في مرحلة إعادة تشكيل التوازنات

من دمشق إلى غزة..اختبارات واشنطن في مرحلة إعادة تشكيل التوازنات


في لحظة تتجه فيها الأنظار إلى تداعيات الحرب على غزة، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنطقة باستقبال الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في خطوة فسّرها كثيرون بأنها محاولة لإعادة إدماج سوريا في النظام الأمني الجديد للشرق الأوسط. ويرى كامران بُخاري، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأمريكية، أن هذه الزيارة، رغم رمزيتها، تختزل رؤية واشنطن الجديدة القائمة على تحميل القوى المحلية مسؤولية أكبر في حفظ الاستقرار، في ظل رغبة أمريكية في تقليص أعباء الانخراط المباشر.وقال الكاتب في مقاله بموقع “جيوبولتيكال فيوتشرز”، إن الشرق الأوسط يعيش لحظة إعادة تشكيل شاملة بفعل حرب غزة وتداخل الأزمات الإقليمية من سوريا إلى البحر الأحمر. وأضاف أن واشنطن باتت مقتنعة بأن أي توازن جديد لا يمكن أن يستقر ما لم تُحسم المسألة السورية سياسياً وأمنياً، ذلك أن سوريا في قلب الصراع الإقليمي بين إيران، وتركيا، وإسرائيل، وتشكل نقطة ارتكاز لتنافس القوى الكبرى.قال الكاتب إن استقبال الشرع في البيت الأبيض لم يكن خطوة بروتوكولية فقط، بل رسالة أمريكية بأن دمشق ستُعامل مجدداً دولة محورية في هندسة الأمن الإقليمي. وتابع أن واشنطن تعتقد أن استقرار سوريا يشكل شرطاً أساسياً لاحتواء النفوذ الإيراني وتخفيف الاعتماد على الوجود العسكري الأميركي المباشر في المنطقة. وأوضح الكاتب أن إعادة تأهيل سوريا تأتي أيضاً في سياق مقاربة أمريكية أوسع تقوم على إدماج الخصوم في منظومة التوازن بدل عزلهم، ما دام ذلك يخفف العبء عن واشنطن، ويعيد توزيع المسؤوليات على القوى الإقليمية.ويرى الكاتب أن الصراع في غزة يشكل التحدي الأكثر حساسية للإدارة الأمريكية، لأنه يختبر قدرة واشنطن على الجمع بين دعم إسرائيل، وإدارة تبعات الحرب الإقليمية المتسارعة. وأضاف أن الانشغال العالمي بغزة لا يجب أن يحجب حقيقة أن تطبيع العلاقة مع سوريا، هو محاولة لتعويض الفجوات التي أحدثتها سنوات الفوضى الإقليمية. وتابع الكاتب أن واشنطن تسعى إلى منع انفجار جبهات إضافية يمكن أن تربك خطتها لإعادة توزيع النفوذ، ولهذا كان لا بد من إعادة فتح القناة السورية.وقال الكاتب إن دولاً في المنطقة تراقب التحول الأمريكي بقلق وحسابات دقيقة، فكل دولة تدرك أن أي تغيير في وضع سوريا سينعكس مباشرة على مصالحها. وأوضح الكاتب أن واشنطن تراهن على تخفيف التوترات، لكن نجاح هذا الرهان سيعتمد على قدرة الإدارة على موازنة قوتين كبيرتين، إسرائيل التي تخوض حرباً مفتوحة في غزة، وإيران التي تستخدم سوريا عمقاً استراتيجياً وأمنياً. 
واختتم الكاتب تحليله بالقول إن مستقبل الشرق الأوسط سيتحدد من خلال مسارين متوازيين،
 إدارة ما بعد حرب غزة، وإعادة إدماج سوريا في النظام السياسي والأمني للمنطقة. ورأى الكاتب أن واشنطن تحاول رسم هندسة جديدة للشرق الأوسط تعتمد على الفاعلين المحليين بدل التدخل المباشر. غير أن نجاح هذه المقاربة سيبقى مرهوناً بقدرة الولايات المتحدة على ضبط علاقات القوى الإقليمية ومنع انزلاقها إلى صراعات جديدة.