«سوبر جارودا شيلد»:

هل أصبحت إندونيسيا حليفة للولايات المتحدة...؟

هل أصبحت إندونيسيا حليفة للولايات المتحدة...؟

-- يعتقد 60 بالمائة من الإندونيسيين أن بلادهم يجب أن تنضم إلى آخرين للحد من نفوذ الصين في آسيا
-- من عام إلى آخر، تكتسب جارودا شيلد أهمية متزايدة مع تفاقم التنافس الصيني الأمريكي
-- في حالة اندلاع حرب بين بكين وواشنطن، يقول 84 بالمائة أن إندونيسيا يجب أن تظل محايدة
-- يُرسم قوس يمتد من اليابان إلى الهند إلى إندونيسيا ويشبه إلى حد كبير خط احتواء الصين


   تنظم إندونيسيا مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة منذ خمسة عشر عامًا. لكن هذا العام، الحدث الذي أطلق عليه اسم “سوبر جارودا شيلد” نما بشكل كبير الى درجة أنه يشبه خط احتواء الصين. ما الذي يجب أن نفهمه عن الاستراتيجية الإندونيسية، التي تميزت منذ عام 1961 بعدم الانحياز؟

في 14 أغسطس، انتهت مناورة عسكرية مشتركة سنوية استمرت أسبوعين بين الجيشين الأمريكي والإندونيسي تسمى “جارودا شيلد” أو “درع جارودا”، سميت على اسم الشعار الوطني للأرخبيل *. تم افتتاحها عام 2007، وتقام في إندونيسيا.
   هذا العام، أطلق على التمرين اسم “سوبر جارودا شيلد” لعدة أسباب: عدد الجنود المشتركين “أكثر من 2000 لكل من البلدين”، ومشاركة جيوش أخرى “البحرية، والقوة الجوية وكذلك قوات مشاة البحرية الأمريكية الأسطورية **”، ومشاركة دول أخرى: أستراليا واليابان وسنغافورة، التي أرسلت قوات، وتسع دول أخرى: كندا وكوريا الجنوبية وفرنسا والهند وماليزيا وبابوا غينيا الجديدة والمملكة المتحدة وتيمور ليشتي ونيوزيلندا، التي أرسلت مراقبين.

   بدأت المناورات في الأول من أغسطس، قبل يوم واحد من وصول نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان. وقبل أسبوع، كان الجنرال مارك ميلي، رئيس أركان الجيش الامريكي، يمرّ بجاكرتا كجزء من جولة في المحيطين الهندي والهادئ ***، ليزور نظيره الإندونيسي، الجنرال أنديكا بيركاسا. وقال ميلي حينها، إن عدوانية الجيش الصيني في ازدياد في تفاعله مع الطائرات والسفن العسكرية، ليس فقط الأمريكية **** ولكن أيضًا من دول آسيوية أخرى. “اندونيسيا لها أهمية استراتيجية حاسمة في المنطقة، وكانت دائما شريكا رئيسيا للولايات المتحدة”، أكد رئيس الأركان.

  تعود الزيارة السابقة لقائد القوات المسلحة الأمريكية لإندونيسيا إلى عام 2008. وفي نهاية هذه الزيارة، أعلن أنديكا بدوره للصحافة أن إندونيسيا تجد الصين “عدوانية بعض الشيء” على المستوى البحري فيما يتعلق بمسألة نزاع بحري بين البلدين. وفعلا، تعتبر بكين بحر الصين الجنوبي جزءً من مياهها الإقليمية، وهو ما لا تعترف به أي دولة أخرى.

   تقع جزر ناتونا الإندونيسية في الجزء الجنوبي من هذا البحر، وبالتالي فهي مهددة بشكل مباشر من قبل المطالب الصينية. ولأول مرة هذا العام، بالإضافة إلى الأماكن المعتادة، تم تنظيم جارودا شيلد في جزر في مقاطعة جزر رياو الإندونيسية، والتي تضم جزر ناتونا.
   معظم الدول التي شاركت في “سوبر جارودا شيلد”-أستراليا وكندا وكوريا الجنوبية وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة وسنغافورة ونيوزيلندا -هي دول حليفة للولايات المتحدة. وهذه ليست حالة إندونيسيا، التي كانت أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز عام 1961. ويعود هذا التموضع إلى بداية الحرب الباردة.

   عام 1948، بعد ثلاث سنوات من إعلان استقلالها في 17 أغسطس 1945 “مما جعلها أول دولة تعلن استقلالها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية”، حيث اشتبكت مع الهولنديين، الذين استقروا مجددا فيما يعتبرونه دائما مستعمرتهم، وأعلن نائب الرئيس حتا الصيغة التالية: “التجديف بين ثعابين».

   ومع ذلك، في نهاية عام 1948، احتل الهولنديون يوجياكرتا واعتقلوا الحكومة الإندونيسية، التي استقرت هناك، وأدانت الأمم المتحدة، وكذلك الكونجرس الأمريكي، العدوان. طلبت الأمم المتحدة من الهولنديين إطلاق سراح الحكومة الإندونيسية. ومارست الولايات المتحدة ضغوطًا على هولندا وهددت بوقف مساعدتها بموجب خطة مارشال. وافق الهولنديون على عقد مؤتمر في لاهاي. وفي 27 ديسمبر 1949، نقلوا رسمياً السيادة على مستعمرتهم السابقة إلى الإندونيسيين، باستثناء غينيا الغربية الجديدة، والتي تم الاتفاق على مناقشتها لاحقًا.

الحياد في الحرب،
 والحد  من نفوذ الصين
   سيختلف موقف الولايات المتحدة تجاه إندونيسيا من وقت لآخر، لكن دافعها سيكون دائمًا الدفاع عن مصالحها الخاصة. عندما عادت هولندا إلى مستعمرتها السابقة بعد إعلان الاستقلال الإندونيسي عام 1945، ظلت الولايات المتحدة على الحياد في الصراع الناشئ. ومع ذلك، في بداية عام 1949، دفعها السخط الدولي من العدوان الهولندي، وكذلك الخوف من انحياز إندونيسيا للمعسكر الشيوعي، إلى الضغط على هولندا للتفاوض مع الإندونيسيين.

    ولكن، عندما رأت أن إندونيسيا بدت وكأنها تنحدر إلى المعسكر الاشتراكي، دعمت واشنطن في تكتم التمردات الانفصالية في 1957 و1958. ثم عندما، عام 1961، شرعت إندونيسيا في حملة عسكرية لاستعادة غرب غينيا الجديدة، التي كانت لا تزال تحت الإدارة الهولندية، عرضت الولايات المتحدة وساطتها لحلّ الصراع.
 لم يكن امام هولندا اي خيار سوى قبول نقل إدارة الإقليم إلى الأمم المتحدة، والتي بدورها ستنقلها إلى الإندونيسيين.

   يكشف رفع السرية عن وثائق عام 2017 التي تغطي الفترة من 1963 إلى 1966، الدعم الأمريكي للمذابح المناهضة للشيوعية في الفترة من 1965 إلى 1966، والتي خلفت أكثر من 500 ألف قتيل.
 وكشف رفع السرية السابق عام 2006، أن واشنطن فشلت في منع غزو إندونيسيا عام 1975 لتيمور الشرقية التي لا تزال مستعمرة برتغالية. وعام 1999، فرضت الولايات المتحدة حظرًا على تصدير الأسلحة إلى إندونيسيا، متهمة الجيش الإندونيسي بالمشاركة في أعمال العنف بعد التصويت الساحق للتيموريين -ما يقرب من 80 بالمائة -لصالح الانفصال عن إندونيسيا. وتم رفع الحظر عام 2005، وفي العام التالي، تم تنفيذ أول جارودا شيلد.

   من عام إلى آخر، تكتسب جارودا شيلد أهمية متزايدة مع تفاقم التنافس الصيني الأمريكي.
تحتل إندونيسيا موقعًا رئيسيًا في طرق التجارة التي تربط المحيطين الهندي والهادئ. من جانبها، أقرت جاكرتا أخيرًا علنًا بالتهديد الذي تشكله المطالب الصينية ببحر الصين الجنوبي.
 وبالنسبة لموقع الأخبار الالكتروني اسيا تايمز، ومقره هونغ كونغ، تقترب إندونيسيا من الولايات المتحدة. من جانبها، تعتبر الصين سوبر جارودا شيلد تهديدًا للمنطقة.

 والواضح، هو أن المشاركين الآسيويين في التمرين يرسمون قوسًا يمتد من اليابان إلى الهند إلى إندونيسيا ويشبه إلى حد كبير خط احتواء الصين.
   ووفق مركز الأبحاث الأسترالي معهد لوي، يعتقد 60 بالمائة من الإندونيسيين أن بلادهم يجب أن تنضم إلى آخرين للحد من نفوذ الصين في آسيا. لكن في حالة اندلاع حرب بين الصين والولايات المتحدة، يقول 84 بالمائة أن إندونيسيا يجب أن تظل محايدة.
ومع ذلك، في مقطع فيديو من ساوث تشاينا مورننغ بوست، يعتقد الخبير الأمني الإندونيسي يوهانس سليمان، أنه إذا زادت التوترات بين البلدين، فإن إندونيسيا ستفضل الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، التي يُنظر إليها على أنها أقل تهديدًا من الصين... للحياد حدود.
* جارودا هي فاهانا أو مركبة فيشنو.

** سلاح مشاة البحرية الأمريكي هو فرع مستقل عن الجيوش الأخرى. وقائدها، وهو جنرال من فئة أربع نجوم، يتساوى مع قادة الجيش والبحرية والقوات الجوية. وهذه الهيئة حاضرة بشكل عام في التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج ولها علاقة خاصة بوزارة الخارجية، التي تحرس سفاراتها من قبل مشاة البحرية.
*** للحصول على أصل التعبير” المحيطين الهندي والهادي”، اقرأ هذا المقال في مجلة الدبلوماسي.

**** تم تجميع حوالي 375 ألف عسكري ومدني أمريكي تحت قيادة الولايات المتحدة للمحيطين الهندي والهادي، ومقرها في هاواي. تغطي قيادة الولايات المتحدة للمحيطين الهندي والهادي منطقة من الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى الحدود الغربية للهند
- أستاذ وباحث في إدارة ما بين الثقافات ضمن فريق “الإدارة والمجتمع”. منذ عام 2003، مجال أبحاثه هو إندونيسيا.