هل بات السلام قريبا؟.. انسحاب المقاتلين الأكراد يفتح «بوابة التسوية» مع أنقرة

هل بات السلام قريبا؟.. انسحاب المقاتلين الأكراد يفتح «بوابة التسوية» مع أنقرة


أثار إعلان حزب العمال الكردستاني المسلح سحب مقاتليه من تركيا ردود فعل ونقاشات سياسية واسعة، في مبادرة تستهدف دفع عملية السلام الجارية مع أنقرة. وقوبلت الخطوة بترحيب من قبل الحكومة التركية، عبر بيانات رسمية تؤيد قرار الحزب الذي يقاتل تركيا منذ أكثر من 40 عاماً، بينما تنوعت توقعات السياسيين المستقلين وتقييمهم للخطوة وما سيتبعها من خطوات في الفترة القادمة.
جاء ذلك بعد أن أعلن حزب العمال الكردستاني يوم أمس الأول الأحد سحب جميع قواته من الأراضي التركية إلى شمال العراق، في خطوة من جانبه تستهدف دعم عملية السلام مع الحكومة التركية عبر منع أي تصادم عسكري “غير مرغوب فيه».
ونظم الحزب مؤتمراً صحفياً عند سفح جبل قنديل في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، والملاصق للحدود الإيرانية، والذي يشكل المعقل الرئيس الذي تنطلق عملياته العسكرية منه ويتعرض لهجمات القوات التركية.
ونُشرت تفاصيل إعلان سحب القوات والمؤتمر الصحفي المرافق لها، عبر وكالة أنباء “فرات” التابعة لحزب العمال، وشهد قراءة بيان باللغتين التركية والكردية، ودعوة السلطات التركية إلى “اتّخاذ الخطوات القانونية اللازمة فوراً لدفع عملية السلام والمجتمع الديمقراطي».
أوجلان مفتاح السلام
عكست خطوة سحب مقاتلي حزب العمال من تركيا، مكانة زعيمه التاريخي عبدالله أوجلان، بعدما أكد صبري أوك، عضو المجلس التنفيذي لحزب العمال الكردستاني، والذي ألقى النسخة التركية من البيان، أن الخطوة تأتي “استنادا إلى القرارات الصادرة عن المؤتمر 12 للحزب وبموافقة الزعيم عبد الله أوجلان».
ومن شأن ربط العملية بتوجيه أوجلان، أن يزيد من الضغوط على أنقرة لإرسال لجنة السلام التي تضم ممثلين عن البرلمان التركي إلى سجنه في جزيرة “إيمرالي” في غرب تركيا، والاستماع له، بعدما أبدت غالبية الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم رفض تلك الخطوة في الفترة القريبة الماضية.
خطوة مقابل خطوة
بدت مبادرة حزب العمال الكردستاني بسحب قواته من تركيا أشبه بخطوة جديدة في عملية السلام التي انطلقت قبل عام بدعوة للسلام من أنقرة وقوبلت باستجابة من أوجلان، ومن ثم تبعتها خطوات متبادلة بين الطرفين.
فقد قال أوك الذي كان يتحدث بحضور أكثر من 20 مقاتلاً ومقاتلة من الحزب، يمثلون جزءاً من القوات المنسحبة لخارج تركيا، إن عملية الانسحاب ستستمر تدريجياً، مشيراً إلى أن ذلك مرتبط بالتزام أنقرة بمسار العملية السلمية.
وتشبه الخطوة الجديدة للحزب، ما أقدم عليه في تموز-يوليو الماضي، عندما ألقت مجموعة صغيرة من مقاتليه سلاحهم داخل موقد نار في مراسم جرت في السليمانية أيضاً، وبدت خطوة رمزية تتزامن مع موافقة الحزب على نداء زعيمه بالحل وإلقاء السلاح التي أطلقها في شباط-فبراير الماضي.
ليس انسحاباً عسكرياً
وصف المحلل السياسي التركي، علي أسمر، خطوة الانسحاب بأنها “أقرب إلى إجراء وقائي يهدف إلى تجميد المواجهة، وإعادة التموضع في مناطق أكثر أماناً في شمال العراق تمهيداً لمرحلة تفاوضية محتملة، لا إلى انسحاب عسكري كامل بالمعنى التقليدي».
وقال أسمر لـ “إرم نيوز”: إن “الخطوة تُشير كذلك إلى إدراك متبادل بين الطرفين (أنقرة وحزب العمال) بأن الصراع الممتد منذ أربعة عقود لم يعد قابلاً للاستمرار ضمن أدواته القديمة، وأن البيئة الإقليمية الجديدة خصوصاً في سوريا والعراق تفرض مقاربة مختلفة».
وأوضح أن “تمسّك قوات سوريا الديمقراطية بسلاحها، واستمرار الوجود الأمريكي المحدود شرق الفرات، وعودة الاتصالات بين أنقرة ودمشق، كلها عوامل جعلت من الضروري ضبط المشهد الكردي داخل تركيا قبل الانتقال إلى أي تسوية أوسع».
وأضاف أسمر أن حزب العمال الكردستاني يقرأ “في هذا الانسحاب فرصة لإعادة بناء صورته كطرف قادر على الالتزام والانضباط، تمهيداً لدور سياسي لاحق، سواء عبر حزب شرعي داخل تركيا أو عبر واجهة كردية معتدلة تتولى الحوار».
تفسيرات متباينة
قوبلت خطوة حزب العمال الكردستاني بتفسيرات متباينة إلى حد ما بين الأوساط الرسمية والشعبية، حيث رحب الحزب الحاكم بها بينما اعتبرها آخرون متناقضة مع قرار الحزب بحل نفسه وإلقاء سلاحه.
وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر تشليك، إن خطوة سحب المقاتلين تمثل “تقدما مهماً يتماشى مع الهدف الرئيس المتمثل في بناء تركيا خالية من الإرهاب».وأضاف تشيليك في منشور على منصة “إكس”، أن الإطار الإيجابي الذي حددته لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية (لجنة السلام البرلمانية) سيتضح مع استمرار عملية نزع السلاح.كما حذر تشليك من محاولات الاستفزاز والتخريب السياسي والاستخباراتي من قبل “القوى التي تقف وراء السياسات الفوضوية في المناطق المجاورة”، مؤكدا أن الحكومة التركية تنفذ خارطة الطريق بثبات رغم تلك المحاولات.
تناقض
انتقد السياسي التركي، سافجي سايان، خطوة حزب العمال الكردستاني، وقال عبر حسابه في “إكس”: “إذا كنتم حقًا ستُلقون سلاحكم، فلماذا تُغادرون تركيا؟ لماذا يُغادر الناس الذين وُلدوا في هذه الأراضي؟
وأضاف سايان وهو عضو معروف في الحزب الحاكم وترشح سابقاً للبرلمان عنه: “إن إلقاء السلاح يعني الاستسلام، والمساءلة أمام العدالة، والتصالح مع المجتمع.. إن كان هناك ندم حقيقي، فسيمر عبر محاكم الجمهورية التركية، وليس خارج حدودها».
ووصف سايان خطوة الانسحاب بأنها ليست بريئة، وقال إنها تبدو أشبه بتموضع جديد وتكتيك جديد على حد قوله، قبل أن يختتم انتقاداته بالقول: “لن يأتي السلام من وراء الحدود، بل من داخل هذه الأراضي، تحت حكم الأمة وفي ظل العدالة. على من يلقي سلاحه ألا يفرّ؛ بل عليه أن يواجه شعبنا والعدالة. حينها فقط يمكننا أن نتحدث حقًا عن السلام في جبال وسهول هذا البلد».
فترة انتقالية
رد الصحفي التركي، يلدراي أوغور، على الانتقادات التي طالت حزب العمال الكردستاني، والتي تستند لكونه لايزال يحتفظ بالسلاح وينقل مقاتليه بدلاً من إلقاء سلاحهم كما أعلن الحزب في وقتٍ سابق ضمن مسار عملية السلام.
وقال أوغور في تحليلات قدمها لعدد من محطات التلفزة ومنصات الأخبار التركية، “لا بد من وجود تنظيم قانوني لأعضاء حزب العمال الكردستاني لإلقاء أسلحتهم. فمن دون تنظيم قانوني، لن تكون هناك لحظة استسلام لمقاتلي الحزب داخل الحدود.
وأوضح أوغور: “تُثار انتقادات وتعليقات مثل “لماذا لا يزال مقاتلو حزب العمال يحملون أسلحةً؟ ألم يحرقوها؟”، أحرقوا أسلحتهم، لكن لم يُسنّ قانون بعد. أين تريدونهم أن يقضوا هذه الفترة الانتقالية؟ إنهم ينتظرون في معسكراتهم، ولا وجود لعمل مسلح من قبلهم».
تسلسل عملية السلام
بدأت عملية السلام الجديدة في الـ22 من أكتوبر- تشرين الأول الماضي 2024، بدعوة من السياسي التركي البارز، ورئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، إلى عملية سلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني المسلح، تتضمن حضور أوجلان للبرلمان ودعوته حزبه إلى إلقاء السلاح.
ووجدت دعوة بهتشلي استجابة من أوجلان الذي أطلق في الـ27 من فبراير-شباط الماضي من سجنه في جزيرة “إيمرالي”، القابع فيه منذ 26 عامًا دعوة تحت عنوان “نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي».
وتضمنت دعوة أوجلان، حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء أسلحته بهدف تحقيق السلام والتضامن بين الأكراد والأتراك، وإنهاء النزاع المسلح الذي استمر أكثر من 40 عاما، وحل المشكلة الكردية.
وجرت بعدها بضع خطوات في مبادرة السلام التي تطلق عليها أنقرة اسم “تركيا خالية من الإرهاب”، بينها خطوة رمزية لمقاتلين من حزب العمال الكردستاني جرت في يوليو-تموز الماضي، ألقى فيها عدد من المقاتلين أسلحتهم داخل موقع نار في محافظة السليمانية شمالي العراق.وتقول أنقرة إن عملية السلام التي تسميها (تركيا خالية من الإرهاب) تتسم بالحساسية، وتتضمن مسارين منفصلين: الأول يتعلق بحل حزب العمال الكردستاني وإلقاء مقاتليه للسلاح مع تحديد قوانين للتعامل مع المقاتلين والقادة ومن منهم سيعود لتركيا ومن منهم سيحصل على عفو أو سيحاكم.
ويتعلق المسار الثاني بتعزيز الديمقراطية في تركيا بحيث تحقق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، بمن فيهم الأكراد، عبر سن تشريعات جديدة وحتى إقرار دستور جديد بالكامل.