نافذة مشرعة

هل ذنب الرأسمالية جزئيًا أن اندلعت الحرب في أوكرانيا؟

هل ذنب الرأسمالية جزئيًا أن اندلعت الحرب في أوكرانيا؟


تقدم الكتل المتعارضة اليوم نماذج محددة من الرأسمالية. كما حدث أثناء انهيار عام 1929، قبل عشر سنوات من اندلاع الحرب العالمية الثانية. إن المقارنة التاريخية مقلقة دائمًا. بعد حوالي عشر سنوات من واحدة من أكثر الأزمتين الماليتين تدميراً للرأسمالية الحديثة، بدأ صراع رهيب في أوروبا، ويهدد بجر العالم كله إلى الفوضى. حتى الآن، من الواضح أن الحرب في أوكرانيا لا تزال ذات نظام مختلف تمامًا عن الحرب العالمية الثانية، لكن صدام الأيديولوجيات يبدو جوهريًا.
في نظرنا، إذا لم يتم رسم مثل هذه المقارنة بين عواقب عامي 1929 و2008 كثيرًا، فذلك لأنه للوهلة الأولى لا معنى له: تظل الأزمات المالية الكبرى والحروب قبل كل شيء من أعراض مشاكل هيكلية أعمق في المجتمعات، وهي كلها حركات تكتونية تخلق تصدّعات على السطح.
في نهاية القرن التاسع عشر، حدث اضطراب كبير في الرأسمالية. وحتى ذلك الحين، عاشت البشرية حياة هشة. كان المعروض من السلع خاضعًا لتقلبات الطقس، ولم يشكل الطلب بشكل عام مشكلة. تغير هذا مع الطريقة العلمية للإنتاج في الزراعة والتصنيع، والتي أدخلت أشياء مثل الأسمدة والآلات القوية أولاً في الولايات المتحدة، التي كانت رائدة التكنولوجيا، ثم في أماكن أخرى، وكان هناك الكثير من السلع لعدد محدود من الأشخاص القادرين على شرائها.

صراعات أيديولوجية
أدى هذا الوضع إلى زعزعة استقرار الرأسمالية بشكل أساسي، وخلق أوضاعا كان فيها المقرضون مثقلين بالديون بينما لم يسدّد المنتجون، الذين لم يتمكنوا من العثور على عدد كافٍ من الزبائن، ديونهم.
   شهدت الولايات المتحدة منذئذ العديد من حالات الذعر المالي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حتى أزمة عام 1929 التي كانت الأكثر إثارة. ووفق ما يُعرف بالنظرية الفرنسية للتعديل، كان العرض الزائد للسلع في قلب المشكلة.
ويمكن القول أن الحرب العالمية الثانية كانت معركة هائلة بين أربعة نماذج صناعية قدّم كل منها حلّه الخاص لهذا العرض الزائد:
• كان الحل البريطاني هو محاولة إعادة تأسيس الاقتصاد الإمبراطوري قبل الحرب العالمية الأولى الذي كان يركز على بريطانيا ، بما في ذلك فرض تعريفات جمركية عالية خارج الإمبراطورية لحماية نفسها.
• في أوائل العشرينات من القرن الماضي ، بعد الثورة الروسية بوقت قصير، عرض البريطانيون ، الذين لعبت أوكرانيا وروسيا دور منتجي الحبوب بالنسبة لهم ، على السوفيات إمكانية إعادة دمج هذه الرؤية للنظام التجاري الجشع. تم رفض هذا الاقتراح في النهاية خلال المناقشة التي تلت ذلك في روسيا. ومع ذلك، أدى الجدل جزئيًا إلى نموذج الاشتراكية للزعيم السوفياتي جوزيف ستالين في "دولة واحدة" (على عكس وجهة نظر كارل ماركس بأن الشيوعية تتطلب ثورة عالمية). النظام الستاليني هو في الواقع نظام الاقتصاد المخطط حيث يتم تنظيم العرض والطلب على السلع الصناعية من قبل الدولة.
• في ألمانيا ، طور القوميون الاشتراكيون نموذجًا مختلفًا : اقتصاد شبه مخطط ، رأسمالي أساسًا ، ولكن تم تأميم الصناعات الرئيسية ، وكذلك النقابات العمالية.
• جاء البديل الآخر من الولايات المتحدة ، مع الصفقة الجديدة.  يجمع هذا النموذج بين الخدمات العامة المؤممة والدفاع والتعليم وأنظمة المعاشات التقاعدية واقتصاد مؤسساتي مخطط تديره تكتلات كبرى، ولكن جميعها مبنية على حقوق الملكية الخاصة. هناك العديد من أوجه التشابه مع النموذج الألماني، رغم أن النموذج الأمريكي يقوم في النهاية على الديمقراطية.
عام 1939، دخلت هذه الأنظمة الأربعة المختلفة الحرب. فازت النسخة الرابعة. لقد تم تكييفها إلى حد ما في السنوات التي تلت ذلك، لكن يمكننا القول أن هذا الانتصار تُرجم، إلى حد كبير، في العولمة. هذه العولمة موضع تنازع الآن، وتقع في قلب الصراع الأيديولوجي المكافئ اليوم.

من الأمس إلى اليوم
لم تكن أزمة عام 2008 مدمرة مثل أزمة عام 1929، لكنها ألحقت أضرارًا جسيمة بالنموذج السائد لاقتصاد رأسمالي يحركه السوق. على مدى عقود، تم تقديم هذا النموذج للناخبين باعتباره وثيق الصلة بمفهوم "الحرية"، أي أولوية الملكية الخاصة المرتبطة بحرية اختيار المستهلك. وأدى هذا النموذج إلى "سوق حرة" تهيمن عليها تكتلات متعددة الجنسيات تتحرك بحرية في جميع أنحاء العالم مع تجنب الضرائب والمسؤوليات على الأفراد والشركات.
   شكل آخر من أشكال الرأسمالية ظهر في نهاية القرن العشرين لم يشارك إلا في عدد قليل من هذه الافتراضات. عادت روسيا إلى الرأسمالية التي تسيطر عليها الدولة بعد مغازلة مدمرة للاقتصاد النيوليبرالي في التسعينات، وأصبح هذا "الحل" أحد أعمدة شعبية الرئيس فلاديمير بوتين وقوته.
   في غضون ذلك، فتحت الصين اقتصادها بحذر منذ أواخر السبعينات لتفادي الانهيار. مستخلصة ربما العبر من تجربة روسيا في التسعينات، فقد كانت أكثر حذرًا، حريصة على أن تبقى نسختها من الرأسمالية تحت وصاية الحزب الشيوعي.

مستقبل الرأسمالية
   هزت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 الاعتقاد بأن للأسواق القدرة على حل المشاكل، وبالتالي قوضت الثقة في السياسيين والديمقراطية نفسها. وعندما تم إنقاذ البنوك بينما يعاني السكان من التقشف، كان من السهل التفكير، في السنوات التي تلت ذلك، أن الصين أو روسيا أو شعبوية غربية ما يمكن أن تمثل المستقبل.
   حتى الآن، بدا كل تيار من الرأسمالية السلطوية وكأنه جزيرة معزولة، لا تتصل إلا أحيانًا بأخرى. ومع ذلك، يمكن للحرب الحالية أن تغيّر قواعد اللعبة إذا تحول الصراع سريعًا إلى حرب بالوكالة بين الديمقراطيات السلطوية والليبرالية. ان الصين وربما الهند -والجمهوريون المؤيدون لترامب في الولايات المتحدة -متضاربون في أحسن الأحوال بشأن الحرب في أوكرانيا، في حين أن بقية العالم ليس كذلك.
   من سيفوز؟ قد تواجه روسيا صعوبات عسكرية في أوكرانيا، لكن هذه المعركة بالوكالة من أجل مستقبل الرأسمالية لن تربحها صواريخ ستينغر.
   الغريب، أن المشكلة تكمن في أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تمكّن من ضمان ألا تكون أزمة عام 2008 مدمرة كما كان يمكن أن تكون. وللقيام بذلك، جمعت الحكومات بين التقشف وخفض أسعار الفائدة إلى الصفر والزيادة الهائلة في المعروض النقدي بفضل سياسات التيسير الكمي.
   والثمن الذي يجب دفعه مقابل هذه السياسات مرتفع اليوم. يستمر التفاوت في التفاقم، ويزيده الارتفاع الأخير في التضخم سوءً. ومرة أخرى، نواجه مشكلة الطلب: إذا لم يكن بمقدور الفاعلين الاقتصاديين شراء السلع والخدمات التي يبيعها المنتجون، فسوف يزداد عدم الاستقرار.
  وهكذا، إذا كانت السلطوية قد تبدو أقل جاذبية الآن بعد أن قام بوتين بتمزيق أوكرانيا، فإن الظروف التي تشجع الشعبوية تزداد قوة.

 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot