منصور بن زايد: المتحف يعكس رؤية الإمارات نحو تعزيز الثقافة والسلام والتعايش
Cunk on Earth: ديان مورغان تقدم مسلسلا وثائقيا ساخرا
تحاور فيلومينا كونك ضيفها آشلي جاكسون، بروفيسور التاريخ العسكري في كلية كينغز لندن، وتتطرق إلى موضوع السلاح النووي. اليوم، بعد أن زال هذا الخطر، تتحدث كونك عنه بارتياح، إلى أن يصحح لها الضيف خطأها البسيط: الأسلحة النووية لا تزال موجودة، وفي ازدياد، والأهم أنها تستطيع إحداث دمار كوني مرعب. أمام هول هذا الخبر وأعين المشاهدين، تصاب كونك بواحدة من الصدمات التي تسبق انهيار عالم أحدنا، ولا تخرج منها إلا بعد أن ينتقل الحديث -مع خبير التاريخ العسكري- إلى موضوعٍ أكثر بهجة، كفرقة آبّا السويدية.
ليس هذا الظهور الأول لشخصية كونك، المقدمة التلفزيونية التي لا تسعفها سرعة بديهتها أو درايتها المحدودة بأي موضوعٍ تعمل عليه، إذ سبق ولعبت مورغان هذا الدور في عدة أعمال، ذات سياق بريطاني، قبل أن تقرر التفرّغ للتعليق على مسألة بحجم الحضارة البشرية دفعة واحدة وتأريخها، في تعاون بين "بي بي سي" ومنصة نتفليكس.
على امتداد خمس حلقات، تنطلق كونك من الكهوف التي سجّلت الرسوم الأولى للبشرية، حتى تصل إلى يومنا الراهن، وتمر خلال هذه الرحلة على موضوعات مثل الفن والإيمان والحروب والتكنولوجيا، وتعمل على مقاربتها بعدة تكنيكات كوميدية.
وما الجديد في ذلك؟ من المفهوم أن يُطرَح هذا السؤال، وخصوصاً حين نذكر عدد الأعمال التي تنتمي إلى نوع الوثائقيات الساخرة بشكل عام، أو أعمال مثل Da Ali G Show بشكل خاص، لما فيها من تشابه مع هذا العمل الجديد. وبهذه الطريقة، فإن كونك، التي تدرس تطورنا، لا تخترع أي عجلة ربما، إن صح التعبير، لأن شكل التجديد والاختلاف الذي يقدمه لا يتطلب ذلك كما سنرى.
تاريخياً، لعب بعض "الحمقى" في الفنون والأدب أدواراً تميّزهم، مثل بهاليل شكسبير الذين كانت أدوارهم تتعدى كسر الطابع التراجيدي، وتحظى شخصياتهم بمساحتها للتفلسف أحياناً، بينما حظيت شخصيات مثل شفيك، جندي ياروسلاف هاشيك، بعملٍ مخصص لها، من شأنه أن يترك القراء في حالة شك دائمة بالبطل، وتساؤل دائم عمّا إذا كان واحدة من الشخصيات الأكثر غباءً أو ذكاءً في الأدب.
وبكلمات شكسبير نفسه، فإن حماقة كونك ليست مجرد حماقة صرفة، فهي تهدف إلى إحداث الصدمة أو الضحك عبر التضاد مع شخصيات مرموقة مثل الأكاديميين والأكاديميات، كما نجد حين تصل إلى تفسير مدرستين فلسفيتين بالخطأ بعد أن تقترح وجود أنابيب تنظم عمل الدماغ، أو مثلما تفعل حين تحاول فهم الكوجيتو الديكارتي. كذلك إن الجانب حاد الذكاء الذي نشعر به من دون أن نتأكد من وجوده مع شخصيات كهذه يظهر في مواضع أخرى، مثل الوصف الذي تقدمه للفرويدية، أو حين تشير إلى تطور حقوق المرأة في القرن العشرين.
وكما ذكرنا، قد يكون The Ali G Show البرنامج الأول الذي يخطر إلى الذهن بفعل تشابهات عدة، إلا أن هذه المقارنات ذاتها توضح لنا ما يميّز Cunk on Earth. ففي حالة البرنامج الأول، كان أحد منابع الإضحاك يتمحور حول تفاجؤ الضيوف وارتباكهم حين يدركون أن ما وافقوا على إجرائه لن يكون مجرد مقابلة تلفزيونية أخرى، فيما يقترب من كونه "مقلباً" بالدرجة الأولى. أما هنا، فمن المهم أن نشير إلى أن الضيوف يعرفون مسبقاً بأنهم ماضون مع كونك في مقابلة "ساخرة". وبذلك، تنتقل الغرابة التي تولد الكوميديا من تعابير الوجه إلى الإجابات نفسها، فالاستعداد لمقابلة مقدمة تلفزيونية بهذه الخصائص الفريدة شيء، ومحاولة إيجاد إجابات لأسئلتها شيء آخر كلياً.
سيلاحظ المشاهد أن التاريخ الذي تقدمه كونك أوروبي/أميركي في مواضع عدة، رغم سخريتها في البرنامج من هذه المغالطة عند كتبة التاريخ غير الأحمق، والواقع أن هذه النقطة قد لا تتعلق بالتحضير للبرنامج، بقدر ما تتعلق بإصدارات التاريخ الصارم التي تقع بين أيدينا عادةً، ويمكن الاعتقاد أن مقاربته بطرق مختلفة، كانت لتنتج حلقات أكثر تنوعاً. ومثل أي عمل كوميدي قد نشاهده، لا يمكن أن نتوقع أن كل النكات تتساوى في جودتها أو قدرتها على كسر توقعاتنا، رغم أن معظمها تنجح في إثارة ضحكنا ضمن خمس حلقات يصل طول الواحدة منها إلى نصف ساعة تقريباً.
مع ذلك، علينا تذكر أن محاولةً بحجم كتابة تاريخ أحمق للبشرية جمعاء ليس أمراً سهلاً. والواقع أن ثمة حاجة لمحاولات كهذه، فمقابل كل اللحظات المفصلية التي نجحنا عندها في الاستمرار والتقدم، والاختراعات التي تجعل من يومنا هذا قابلاً للتحمل، ثمة لحظات أخرى بدا عندها أننا نخاطر بكل شيء (وقد يقال إننا نعيش بعضها اليوم، كما تقول ساعة يوم القيامة في جامعة شيكاغو على الأقل) واختراعات تهدد وجودنا أو تجعل منه أكثر تعقيداً ورتابةً في أحسن الأحوال، وقد يكون تفحص هذه السيرورة بطريقة ساخرة وسيلة جيدة للتفكير بها وبما حملته جدياً.