منصور بن زايد: المتحف يعكس رؤية الإمارات نحو تعزيز الثقافة والسلام والتعايش
تمكّن المسلسل من صياغة مناخ موائم للقصص المقتبسة
Justified .. بناء كلاسيكيّ يترك لكل حلقة ذروةً حابسة للأنفاس
يعود الممثل تيموثي أوليفانت، ليضع رأسه أسفل قبعة الكاوبوي، في إحياء مسلسل Justified: City Primeval، الذي اختتم عرض حلقاته الثماني عبر شبكة FX نهاية شهر أغسطس/آب الماضي. كنّا قد تركنا شخصية ريلان غيفينز عام 2015، عند نهاية المسلسل الأصلي بعد مغادرته مدينة هارلان حيًّا؛ في تحدٍّ لأغنية الكاونتري التي كانت تسدل ستار مواسمه الستّة. تتوسم الأغنية الموت، وتتوعّد أن لا أحد سيغادر هذه البقعة من كنتاكي على قيد الحياة.
نعرف منذ الحلقة الأولى عن غضب ريلان، ونعرف أنه تقصّد إصابة صديق طفولته بويد كراودر برصاصةٍ لن تودي بحياته، على النقيض من الأصل الأدبي. استمرّت الرحلة لـ78 ساعة تلفزيونية، ترفيهيّةٍ بالدرجة الأولى، ضمنت للجمهور ختامًا مُرضيًا وتطوّرًا مدروسًا لأبطاله.
طوال فترة عرضه، تمكّن المسلسل من صياغة مناخ موائم للقصص المقتبسة، وبتمهّلٍ شديد استطاع رسم مضامين شخصيّاته وصراعاتها، مع تغليف حلقاته بقدرٍ كافٍ من مقومات الفُرجة المسليّة؛ مستندًا إلى بناءٍ كلاسيكيّ يترك لكل حلقة ذروةً حابسة للأنفاس، ونهايةً دراميّة تعزّز حضور الشخصيّات لدى الجمهور.
يقترح كلّ ما سبقّ تحذيرات من استنهاض المسلسل من جديد، فخلال العقد الماضي تغيّر الكثير، مثل شكل الحلقة التلفزيونية وزوال حصانة أبطال المسلسل عن الخطر. هناك محدداتٌ لم تعد مرحّبةً بالذكر الأبيض المستقيم الذي يطبّق مفهومه عن العدالة بإرداء المجرمين في موقع الحدث، وتضاءلت صدقيّة مفهوم القتل المبرر بالذات من قوى تطبيق القانون على نطاقٍ واسع.
يخطو المسلسل الجديد إلى ديترويت، ويتجرّد من جميع عناصره سوى المارشال بقبّعته الغربية، مقدمًا أمثولةً على مضي الزمن خارج الشاشة، وإن كان المسلسل الأصلي ممعنًا بتشريح مجتمع الريف بجرميّته وأنظمته البدائية، بما يشتبك مع الحال الاجتماعية والجغرافية، يرتقي المسلسل الجديد إلى بدائيّة المدينة، كما يرد في عنوانه الفرعيّ، حيث للعنف رابط وثيق مع المنتج الثقافي. يهذي العدو الرئيسي بحلم الشهرة كمغنٍّ لم يسمع صوته أحد، ويتمثّل أصلًا لجذوره على طريقة شخصيّة الجوكر، بعد أن عهدناهم ضمن المسلسل الأصلي مدّعيَ نبوّةٍ أو سليلين لعائلاتٍ تمتهن الجريمة، إضافة إلى جنودٍ عائدين من غزو بلدانٍ بعيدة.
ثمّة شرٌ أكبر في المدينة، ما من حضور للمجتمع في فلسفة الجريمة، وللغالبية صفة العابرين، تنطبق هذه الصفة أيضًا على غيفينز وابنته؛ إذ تتعطل إجازتهما ويتورط المارشال في مطاردة قاتل أحد القضاة الفاسدين. تغترب لونيّة المشاهِد عن الألق الريفي وتتوغل بالأسود والأزرق، ينعكس ذلك على هوية المسلسل؛ فتتراجع عنه صفة التسليّة أمام الجدّية والدمويّة المفرطة في بعض اللحظات، مع الإبقاء على حسّ دعابة ريلان اللاذع.
استُمدّت قصة الموسم الجديد من رواية منفصلة لذات المؤلف، واضطلعت الشخصيّة الراسخة من المسلسل بدور البطولة. تحظى شخصيّة المحقق ريموند كروز -الشخصية الرئيسية في الرواية- بظهورٍ شرفيّ، يتحدث فيه مع ريلان عن الغضب وقتل المجرمين المبرر. يجسد المشهد حديثًا للعمل مع نفسه ومع أعمال الروائي في آن. بذلك، يتحاور المسلسل مع ذاته وتكتمل رحلة بناء شخصيّة ريلان. ليس العمل الجديد بمثابة تذرّعٍ عن موضوعته، ولا ينحو لمحاكمة سرديّة الماضي. ينظر الاقتباس الجديد للمارشالية بعينين بعد أن أشاح خلال الإصدار الأصلي عن هيكلية الجهاز وعبئه التاريخي كدوره في مساعدة ملّاك العبيد في إيجاد الفارّين من العبودية.تجلّت بعض مواطن الضعف في بناء القضيّة نظرًا للمقاربة الجدّية، وانحسر قالب البطل الخارق عن ريلان، في الجانب الإيجابي يمسك الممثل أوليفانت بالشخصيّة وكأنه لم يغادرها، إنما تطوّر معها وشكّل مفاعيلها الجديدة كأبٍ وكمارشالٍ تقترب مسيرته المهنية من مغادرة العمل الميداني.
يُحسب لصنّاع المسلسل المجازفة بالعودة، أضف إلى ذلك عدم الاتكاء على بواقي حبكات المسلسل الأصلي، وربما كان أكثر ما يعيب النسخة الحديثة عدم إنجاز شخصيّاتٍ جانبيّة تحمل ما تكفي لإثارة الاهتمام، سلبيةٌ أخرى تتعلق بتفلّت أجواء العمل في محاور جانبية تنشد الحميمية، ومن المنصف رد الأمرين لعامل الزمن المتاح للشخصيّات على الشاشة.
عُرّف المسلسل بأنّه محدود، أي أنّه سيتوقف عند موسم وحيد، لكن بالنظر لقبوله الواسع وسط إعادات الإحياء واشتقاقات الأعمال القديمة التي خابت بمعظمها، يكثر الحديث عن استمراريّة ممكنة. ونشهد فترة ذهبية لنمط الويسترن بثوبه الجديد، فشبكة بارامونت شيّدت إمبراطوريّةً مشتقةً عن مسلسل يلوستون بثلاث مسلسلاتٍ قابلةٍ للزيادة، وسبق أن أعاد الممثل أوليفانت تجسيد دوره الشهير كشريف في الفيلم الختامي لسلسلة ديدود عام 2019 من إنتاج HBO. يحتوي عالم القصّة عناصر ولّادة تكفي لمطاردةٍ جديدة، وبالإمكان اعتبارها نهايةً وافيةً، لكن السحر الذي تحمله الشخصية وقابلية العالم للتوسّع عواملٌ تضعنا في حالة معتادة من التجديد لأعمال تمّت قصتها بينما استمر بناء عوالمها، بين هذه التجارب محاولاتٌ قليلة تستحق رفع القبعة، وJustified أحدها بالتأكيد.