منصور بن زايد: المتحف يعكس رؤية الإمارات نحو تعزيز الثقافة والسلام والتعايش
فيلمٌ يعكس واقعاً مؤلماً، وسردٌ هادئ لأزمة خطرة
Pain Hustlers تمثيلٌ محترف يمنح الشخصيات مصداقية
قصة حقيقية تُصبح فيلماً سينمائياً، تبثّه "نتفليكس" منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023: "صيّادو الألم" (Pain Hustlers، أو "تجّار الألم"، بحسب العنوان الفرنسي) لديفيد ييتس، عن كتاب بالعنوان نفسه (له عنوان فرعي: "الجريمة والعقاب في شركة ناشئة للمواد الأفيونية") لإفان هيوز، صادر عام 2022: "القصّة الداخلية" لروّاد أعمال مُبتدئين، سيُحقّقون ملايين الدولارات الأميركية ببيعهم مُسكّنات الألم، وصولاً إلى انهيار مُخطّطهم، ما يضعهم في قلب "مُحاكمة جنائية تاريخية".
تقول القصّة الحقيقية إنّ لجون كابور ثروة صغيرة، يتمكّن من جمعها بعمله في مجال الأدوية، قبل تأسيسه شركة Insys Therapeutics، أوائل العقد الأول من القرن الـ21، وهذا "وقت ازدهار مُسكّنات الألم". حينها، سيُطوّر تركيبة جديدة من دواء "فانْتِنال"، ذي خصائص مُسكِّنة أفيونية، يُعتبر "أقوى المواد الأفيونية في السوق". كابور أميركي هندي الأصل (1942 أو 1943)، موصوف في "ويكيبيديا" (اللغة الإنكليزية) بأنّه "مُجرم أميركي مُدان"، و"مليونير، ورجل أعمال في مجال الأدوية"، و"رئيس تنفيذي سابق لشركة Insys Therapeutics، والمُساهم الأكبر في Akorn، شركة تصنيع أدوية". خريف عام 2017، يُقَبض عليه، وتُوجّه إليه تُهم جنائية عدّة، والتآمر في ارتكاب عمليات احتيال عبر الإنترنت، وجرائم أخرى، يُدان بها كلّها، وتُؤيَّد الإدانات في الاستئناف أيضاً. هذا كلّه وفقاً لـ RICO: قانون اتّحادي في الولايات المتحدة الأميركية، ينصّ على عقوبات جنائية واسعة النطاق، وله جانب يتعلّق بقضايا الدعاوى المدنية على أفعالٍ مرتبطة بأنشطة الجرائم المنظّمة.
لن يحضر كابور شخصياً في "صيّادو الألم"، بل عبر شخصية د. نيل، التي يؤدّيها غارسيا بحِرفية بديعة، كتلك الحِرفية التي يتمتّع بها إيفانز وبلانت أيضاً. الانتقال من حالةٍ (نفسية، اجتماعية، مادية) إلى أخرى، يترافق وبراعة أداء لبلانت في انتقال كهذا، رغم أنّ الحالة الأولى غير ظاهرة كثيراً، لكنّها كافية لفهم ما تعانيه في حياتها اليومية مع ابنتها المُراهِقة فيبي (كلوي كولمان)، بفضل تكثيفٍ درامي. شخصيات كثيرة تظهر، في أدوار معظمها لأناسٍ يعملون في شركة الأدوية، بتسويق الدواء المختَرع فيها، وأطباء، بعضهم معطوبٌ نفسياً ومتأزّم اجتماعياً وعاطفياً، ما يُمكِّن لايزا دْرايك، وفريق النساء اللواتي يعملن معها، من الحصول على المبتغى، عبرهم ومعهم.
د. نيل مُنفضّ عن كلّ تكنولوجيا حديثة (الأنواع كلّها للهواتف الذكية والكمبيوترات المحمولة وغير المحمولة، إلخ.)، وهذا نتاج تنبّه ذكيّ إلى أنّها "نقطة ضعف" يُمكنها أنْ تحطّمه. رغم هذا، تعثر دْرايك على ما سيكون لحظة انعطافٍ خطرٍ في سيرته، فأزمتها الأخلاقية خانقة، وحاجتها إلى تعويض عن ارتكابها جُرماً، بمشاركتها في تسويق "غير مشروع" لأدوية يجب السيطرة عليها، كبيرة وضاغطة. لا أحد غيرها سيُصاب بتلك الأزمة، بمن فيها والدتها جاكي (كاترين أوهارا)، التي تعمل معها أيضاً.
كأي فيلمٍ آخر يتناول مسائل كهذه، يُقدِّم "صيّادو الألم" تفاصيل كثيرة، بعضها علميّ بحت، رغم قلّته. لكنّه يُخفِّف من ثقلها، كي لا تحول دون مُشاهدة سلسة. المثل النقيض كامنٌ في The Big Short (أحد العناوين السينمائية التي يصعب إيجاد ترجمة عربية دقيقة لها، تتلاءم والمقصود الفعلي منها)، لآدم ماكاي (2015)، عن الانهيار الأميركي، المصرفي والمالي، خريف 2008، لامتلائه بكمّ هائل من المعطيات العلمية، المكتوب بعضها على الشاشة، والمُفسَّر بعضها الآخر في حواراتٍ مُشبعة بمفردات متعلّقة بالمصارف و"وول ستريت". هذا غير مانعٍ من متعة مُشاهدة فيلمٍ سينمائي متين الصُنعة، مع ممثلين يعكسون، بالأداء التمثيلي المتفوّق غالباً على الحِرفية المهنية البحتة، حالةً كارثية لكثيرين وكثيرات: كريستيان بايل، وستيف كاريل، وراين غوزلينغ، وبراد بيت، وآخرين.
توليف "صيّادو الألم" (مارك داي) غير سريع وغير ضاغط، لاعتماده سلاسة تركيب المشاهد/اللقطات بتسلسل مبسّط وكاشف، في وقتٍ واحد، خفايا قضية شائكة وخطرة كتلك، فالدواء، المُروَّج له على أساس أنّه "يُكافح" آلام الأمراض السرطانية أساساً، يدفع إلى إدمانه، والإدمان يؤدّي إلى موت أناسٍ. التصوير (جورج ريتشموند) متلائم والرغبة في تقديم مبسّط وكاشف، من دون فذلكات فنية وتقنية.
فيلمٌ يعكس واقعاً مؤلماً، وسردٌ هادئ لأزمة خطرة، وتمثيلٌ محترف يمنح الشخصيات مصداقية.