مخرج يمزج الكوميديا بالرعب

Scream... النظر إلى صورة غير مكتملة

Scream... النظر إلى صورة غير مكتملة

بدماء أكثر وكوميديا أقل، عاد المخرجان مات بيتينيلّي أولبن وتايلر غيليت، بجزء جديد من فيلم Scream. مجدداً، اتضح أن تناول الجزء الأخير الصادر عام 2023، بمعزل عن الأجزاء الأخرى، كان بمثابة النظر إلى صورة غير مكتملة، فلا يمكن الحديث عنه من دون الرجوع إلى الأعمال الأولى ومخرجها ويس كارفن، الذي مهد مع انطلاق السلسلة عام 1996 لشكل مختلف من أفلام الرعب والذبح (Slasher؛ نوع أفلام يعتمد على مطاردة قاتل مضطرب عقلياً).
 
باتت السلسلة جزءاً بعد جزء تتوغل في عالم العنف والجريمة، بعد أن اخترقت صرخة مدوية الهدوء الذي يهيمن على الضواحي الأميركية، خصوصاً بلدة وودسبرو التي تدور فيها أحداث الأجزاء الخمسة الأولى من السلسلة. وما يفاقم المناخ الكابوسي في الفيلم، هو أن شخصياته على دراية واسعة بأفلام الرعب، وكيفية تصرّف أبطالها وضحاياها، ذلك لكونهم شاهدوا كثيراً منها، أي أن هذه السلسلة واعية بكينونتها السينمائية.
 
اعتمد كارفن، الملقب بمايسترو الخوف، على تفكيك حبكات أفلام الرعب الشهيرة، عبر تصريح الشخصيات عن قوانين هذه الأفلام، وفضْح الكليشيهات المعتمدة فيها، وإعادة صياغتها. هذا التفكيك أضاف نفحة ساخرة على السلسلة، فنراه يمزج الكوميديا بالرعب، ليخرج بعمل ذي خصوصية بين أفلام هذا النوع.
استندت السلسلة في أجزائها الأولى على فيلم Halloween (صدر عام 1978، من إخراج جون كاربينتر وإنتاج مصطفى العقّاد). يعتبر بعضهم أن Halloween هو أول فيلم Slasher، لكنه لم يلتزم بالقالب كما هو، بل خرق قواعده، خصوصاً على صعيد الشخصيات، فلم يلجأ إلى مفهوم الناجية الأخيرة (Final Girl) المعتمد في أفلام السلاشر، بل ذهب إلى إنقاذ عدة شخصيات معاً، وجعل المشاهد يرتبط بعلاقة مع الشخصيات الناجية خلال السلسلة، حتى يفقدهم واحداً تلو الآخر.
 
أضاف بيتينيلي وغيليت رؤيتهما الخاصة على السلسلة؛ إذ تخلّيا عن الشخصية الرئيسية، سيدني بروسكت (نيف كامبل)، التي عاش معها محبو سلسلة الصرخة نحو خمسة عشر عاماً، واستبدلاها بسامانثا (ميليسا باريرا). ظهرت سيدني ضيفة في الجزء الخامس، وسلمت سامانثا لقب الفتاة الأخيرة، ووضعتها في مواجهة قاتل مقنع جديد، هو Ghost Face.
 
إلى نيويورك، تنتقل شخصيات الجزء الجديد من Scream. وفي زحام هذه المدينة، يظهر مجدداً المجرم بقناعه المألوف، ويبدأ بملاحقة سامانثا وأختها وأصدقائهما. بشكل تلقائي، يميل المشاهد لمحاولة توقع الفاعل، وكلما اتجهت أصابع الاتهام نحو شخصية، لا يتوانى صناع العمل عن قتلها. لكن، بشكل أو بآخر، يعلم المشاهد أن المجرم في كل جزء يرتبط بمجرم الجزء السابق، وهو ضمن الدائرة المقربة من سامانثا، فخيانة الأصدقاء والانتقام هما محور أساسي لحبكة العمل (Plot Twist).
 
الجزء الأخير بمثابة إعادة ضخ دماء جديدة في عروق السلسلة، حتى إنه لم يخرج من عباءة كارفن، ولعل الجديد الذي قدمه الجزء السادس، هو عمق شخصية سامانثا التي يتضح أنها ابنة القاتل المتسلسل بيلي، المجرم الأول في أول أجزاء السلسلة. تعيش سامانثا صراعاً يضعها في منتصف الطريق بين شخصيتي البطل والبطل المضاد، ولا سيما أن طيف والدها لا يزال يلاحقها ويحرضها على القتل، ما يوقع المشاهد في التباس، ويظن أن سامانثا نفسها تعاني من اضطراب نفسي يجعلها تلعب شخصية البطل والبطل المضاد.
 
يتجدد حضور شخصية غيل ويذرز (كورتني كوكس)، الصحافية المولعة بكشف هوية Ghost Face. حققت غيل شهرة ونجاحا جراء متابعتها هذا النوع من التحقيقات، فهي من الشخصيات التي نجت من الجرائم منذ الجزء الأول، ويمكن أن تنال على هذا صفة الفتاة الأخيرة بجدارة، ولا سيما أن جاذبية شخصيتها اتضحت بشكل أكبر مع غياب سيدني بروسكت التي استحوذت ببطولتها على الأضواء.
ثنائية الخير والشر من الأفكار التي يجدر تأملها في الفيلم. سلسلة Scream، بشكل عام، لم تقدم أبطالاً خيرين يقابلهم مجرمون أشرار، بل هناك قاتل يهدد تجمعاً بشرياً، بينما يدافع البطل عن وجوده والمقربين منه. لكن القاتل المتخفي بقناع، لديه دوافع لا يمكن إغفالها، وتشكل محركاً رئيسياً لأعمال العنف التي يُقدِم عليها، وعلى الأغلب، الدافع هو الانتقام من البطل جراء خطأ ارتكبه بنفسه أو شخص قريب منه.
 
أسس كارفن من خلال الأفلام السابقة لتحليل دوافع المجرم في أفلام القتلة المتسلسلين فتناول، على لسان شخصياته، دوافع القتل لدى شخصية نورمان بيتس في فيلم هيتشكوك الشهير Psycho الصادر عام 1960، وفريدي كروغر بطل فيلم كارفن A Nightmare on Elm Street الصادر عام 1984، إلا أن الكشف عن هوية القاتل ودوافعه في الجزء الأخير ينم عن افتقار الفيلم إلى المنطقية، فمن البديهي البحث عن معلومة كتلك التي لجأ صناع العمل إلى إخفائها لإضفاء عنصر المفاجأة.
 
من الموضوعات التي شغلت كارفن في السلسلة، هي محاكاة روح العصر، سريع التغير والتبدل، فيشير في الجزء الأول على لسان شخصياته، إلى توجه جيل الألفية الثالثة نحو العنف، وازدياد إقبالهم على أفلام الرعب. يحاول بطريقة أو بأخرى رصد ظواهر العنف الجديدة وعلاقتها بالسينما، وتحليل انجذاب الناس نحو الشخصية الشريرة، ومن ثم أتى الإنترنت والبث المباشر واتخذ العنف شكلاً جديداً، كما أضيف للقاتل دافع جديد وهو الرغبة في التميز، فإن لم تستطع أن تكون بطلاً، بإمكانك أن تكون عدو البطل (Antagonist)، وستتمتع بالجاذبية والجماهيرية عينها. في الجزء الأخير، اقترنت روح العصر بالتوجه الجديد في السينما الأميركية نحو مراعاة الصوابية السياسية؛ إذ علت شعارات التضامن مع الأقليات مع وجود شخصيات ببشرات ملونة، وأخرى مثلية. 
وظف صناع العمل كل الجوانب التقنية في خدمة الرعب، فلجؤوا إلى التنويع بين اللقطات القريبة جداً واللقطات الواسعة ذات العمق (لقطة يكثر استخدامها في أفلام القتلة المتسلسلين)،
 
 التي تبث شعوراً بالخوف لما فيها من ترقب لظهور القاتل في خلفية الكادر. حركات الكاميرا تتبعية وسريعة، كما أن التنويع في وجهة الرؤية (Point of view) بين القاتل والضحية، أعطى فرصة للمشاهد بتمثّل شخصيات الفيلم، 
واعتبار خلاصها مقروناً بخلاصه، إضافة إلى تكثيف اللقطات الذي تعتمده سينما هوليوود ذات الوتيرة السريعة، ولعل Scream الفيلم الأكثر اكتمالاً من ناحية اللغة السينمائية، ضمن هذه السلسلة، لما قدمه من تجربة بصريّة شيّقة.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot