يحافظ الموسم الثاني على جاذبية الموسم الأول، وايقاعه السريع وأحداثه المتلاحقة

Squid Game 2.. عمل يحمل قصة مختلفة، ومزاجاً أكثر فلسفية وإنسانية

Squid Game 2.. عمل يحمل قصة مختلفة، ومزاجاً أكثر فلسفية وإنسانية

أحدث مسلسل Squid Game (لعبة الحبّار)، نجاحاً ودوياً هائلين عند عرضه في سبتمبر 2021، وسرعان ما تحول إلى ظاهرة ثقافية، فصدرت أعمال تسعى لمحاكاته، بجدية أو سخرية، كما صُنعت نتفليكس منه برنامج "واقعي"، وأصبحت بعض معالمه، مثل أقنعة الحراس، أو الدمية المزودة بالكاميرا، أو الألعاب التي يعرضها، أيقونات وألعاب أطفال منتشرة في كثير من بلاد العالم، وفوق ذلك ساهم المسلسل في الدعاية لكوريا الجنوبية والتعريف بثقافتها ولغتها بشكل غير مسبوق.

ولإن صناعة الدراما والميديا تؤمن بضرورة حلب بقرة النجاح حتى آخر قطرة، كان من الطبيعي أن يتوقع المشاهدون موسماً ثانياً وثالثاً من Squid Game، وبالفعل بدأت منصة نتفليكس في عرض الموسم الثاني نهاية ديسمبر الماضي،على أن يعرض الجزء الثالث في يونيو 2025.

ثلاثة أهداف للعودة!
عادة ما تكون المواسم اللاحقة مجرد اجتراراً للصيغة الأولى الناجحة، كما في مسلسل "اللعبة" المصري، أو مسلسل La Casa de papel الإسباني، وأحياناً يكون الموسم اللاحق بهدف استكمال خطوط درامية تُركت مفتوحة، وإغلاق الحكاية، ولكن قليلاً ما يكون الموسم اللاحق عملاً مختلفاً في فكرته وحبكته. 
ويبدو أن صناع Squid Game، بقيادة مؤلف ومخرج المسلسل هوانج دونج-وك (لاحظ أن اسم العائلة يقال أولا في كوريا)، حاولوا تحقيق الأهداف الثلاثة: تكرار الحبكة التشويقية التي تعتمد على مواصلة الألعاب القاتلة حتى آخر لاعب،و تطوير وتوضيح بعض الأحداث والشخصيات التي أهملت في الموسم الأول، وأخيراً صنع عمل يحمل قصة مختلفة، ومزاجاً أكثر فلسفية وإنسانية.

يبدأ الموسم الثاني من حيث انتهى الأول، ببطل الجزء الأول سيونج جي- هون ( لي جونج- جي)، في المطار، يتخذ قراره بعدم السفر إلى أميركا، والعودة إلى العاصمة الكورية سيول، حيث جرت أحداث الموسم الأول، ليبحث عن "صاحب اللعبة" ليفهم منه ما الذي يمكن أن يدفع شخصاً ما لتصميم وتنظيم هذه اللعبة/ الجريمة التي تسببت في مقتل المئات؟، هذا هو السؤال الأول الذي يشغل بال المسلسل وبطله. 

أسئلة غير منطقية
عندما تبدأ أحداث الموسم الثاني يكون قد مر 3 سنوات على بداية أحداث الموسم الأول، (إذ يقوم منظموا اللعبة بتجنيد لاعبين وحراس جدد، ونفهم من الحوار أنهم ينظمون دورة جديدة من الألعاب كل 3 سنوات).
تعاني هذه المقدمة من عدم منطقية، فأين ذهب ما يزيد عن عامين بين نهاية أحداث الموسم الأول وبداية الثاني؟، ولماذ اللعبة كل 3 سنوات؟ وكيف مر مقتل هؤلاء المئات دون أن يعرف أحد أو يتساءل عن أين ذهب هؤلاء؟، كيف لم يخبر أي شخص منهم أحد معارفه بأنه سيشارك في اللعبة؟ وأين الشرطة.
في الحقيقة، يظهر في بداية الحلقات الشرطي هوانج جون- هو (وي ها- جون) بعد أن نجا من الرصاصة والسقوط من الجبل في الموسم الأول، وبعد أن يفشل في اقناع روساءه بوجود اللعبة، يسعى بشكل شخصي للبحث عن منظميها وموقعهم، ويشير الموسم الثاني إلى أن الشرطة لم تزل مقصرة ولا تصدق جون- هو.
بغض النظر عن منطقية المقدمة، نحن نعرف أنها مجرد تكأة للربط بين الأحداث، كما نعلم أن الحكاية، كلها، خيال في خيال، وأن ما يمتعنا في هذا العمل، وما شابهه، هو هذا الخيال.
نعلم أيضا أن "اللعبة" هي استعارة للحياة نفسها، حيث يتصارع الناس حتى الموت من أجل المال أو الحياة الكريمة، أو لمجرد البقاء على قيد الحياة، حيث يقاتلون وينتصرون ويهزمون ويواصلون القتال من جديد، وحيث يطلقون العنان لغرائزهم الأساسية.
الفارق بين اللعب والحياة أن لا أحد يموت حقاً في اللعب، هناك دائماً فرص انتصار جديدة تأتي مع كل مباراة أو جولة جديدة، لكن اللعبة التي اعتمد عليها Squid Game هي عكس ذلك: من يخطىء مرة واحدة يٌقتل على الفور دون أن يحصل على فرصة ثانية، لا في اللعبة ولا في أي مكان آخر.
الرهان هنا أكبر من أي لعبة عرفها البشر، وبالتالي هي أكثر تشويقاً وإثارة وأكثر درامية، ولكن ما الذي يمكن أن يدفع المرء إلى المشاركة في مثل هذه اللعبة؟ هذا هو السؤال الثاني الذي يحاول المسلسل الإجابة عليه.

مزيد من الأسئلة
يعرف جي- هون الإجابة، بما أنه شارك في اللعبة من قبل وكان لديه أسبابه كما استمع إلى أسباب اللاعبين الآخرين، ولكنه لم يكن يعرف الثمن. عندما خرج من اللعبة، بعد حصوله على الجائزة الكبرى، أدرك أن هذا المال لا يستحق أرواح مئات الضحايا الأبرياء الذين أريقت دمائهم في سبيل هذه الأموال الملوثة، إنه يريد أن يوقف اللعبة حتى لو أنفق كل ما كسبه، وحتى لو فقد حياته في سبيل ذلك.
هذه هي الفرضية التي ينطلق منها الموسم الثاني، هدفها تبرير الأحداث، ولكنها فرضت على العمل أن ينفق مساحات كبيرة في محاولات الإجابة على هذه الأسئلة، وبما أن اللعبة استعارة للحياة، فقد امتدت الأسئلة ومحاولات الإجابة عليها من اللعبة إلى العالم: ما الذي يدفع الناس إلى التقاتل وسحق بعضهم البعض؟، هل العيب في ظروفهم السيئة، أم "النظام" الذي يزين لهم ذلك ويدفعهم إليه؟، أم أن العيب في الطبيعة البشرية نفسها؟.
تثقل هذه الأسئلة على الموسم الثاني، بما يعني أنها تعطيه ثقلاً لم يكن للموسم الأول، من ناحية، ولكنها تجعل مزاجه أكثر كآبة وتشاؤماً، لقد ظهر الموسم الأول في عز أزمة وباء "كورونا"، الذي هدد حياة الملايين، وها هو الموسم الثاني يأتي في عز حروب إبادة طاحنة، بصورها الوحشية وأسئلتها العبثية، وهو ما يمكن أن نلمس أثره في هذه الأجساد الممزقة والدماء المتناثرة عبر حلقات الموسم السبع.

شخصيات جديدة وخطوط أكثر
في الموسم الجديد تتسع قماشة بعض الشخصيات التي كانت ثانوية في الموسم الأول، على رأسها شخصية مدير اللعبة الذي يطلق عليه  Front Man،والتي يؤديها لي بيونج- هون ( وهو ممثل شهير في كوريا، ومعروف لعشاق سلسلة أفلام The Terminator، حيث ظهر في أحدها أمام أرنولد شوارزنجر، كروبوت آلي قاتل).
في Squid Game يؤدي بيونج- هون دور مدير اللعبة ببراعة شديدة، إذ يتسم بالقسوة المطلقة كما تقتضي وظيفته، ولكن في الوقت نفسه هو معجب بأفكار هذا البطل الذي تخلى عن الثروة لإنقاذ الناس من اللعبة، وتظل تصرفاته غامضة الدوافع والأهداف إلى النهاية.
أيضا عاد إلى الحلقات مجدداً شخصية "البائع الجوال"، الذي يجند اللاعبين في محطات المترو، حيث يمارس أيضا بعض الألعاب الأخرى التي تكشف طمع الناس وعدم رضاهم.
الشخصية الثالثة التي عادت بقوة وحضور أكبر أيضاً، هي الشرطي الشاب الذي يبحث عن أخيه المختفي، ووجود هذه الشخصية تحديداً ساهم في تنوع المشاهد بين ما يدور داخل مقر اللعبة، وما يدور في العالم الخارجي.

مزيد من الألعاب
بالطبع لا طعم لـ Squid Game دون الألعاب نفسها، وفي الموسم الثاني تتواصل الألعاب أيضاً، متقاطعة مع الخطوط الدرامية المضافة، بعضها قديم مثل "ضوء أخضر، ضوء أحمر"، وبعضها جديد مثل "ستة أقدام" التي تقتضي ربط أقدام كل فريق بينما يلعب كل منهم أحد الألعاب التقليدية، أو لعبة "المزج"، التي تشبه الكراسي الموسيقية مع الفارق أن الكراسي هي غرف صغيرة يفترض أن تستقبل كل منها عدد محدد من اللاعبين في كل مرة تتوقف فيها الموسيقى.
تتسم الألعاب هذه المرة بضخامة الإنتاج، بجانب احتفاظها بالتناقض التقليدي بين كونها ألعاب أطفال مدرسية ولكن النتيجة دموية.
هناك إضافات أخرى، لعل أهمها وجود إمكانية التوقف عن اللعب، وتوزيع المبلغ المالي الذي تم كسبه على اللاعبين، في حالة اختيار الأغلبية لذلك من خلال تصويت بين اللونين الأحمر والأزرق، يذكر باختيار القرص الأحمر أو الأزرق في سلسلة أفلام  The Matrix.
هناك تأثر آخر بفكرة الماتريكس نفسها، حيث تشبه اللعبة ومصممها ومحاولة البطل اختراقها وكسرها محاولات نيو (كيانو ريفز) لاختراق الماتريكس.
بشكل عام يحافظ الموسم الثاني من Squid Game على جاذبية الموسم الأول، وايقاعه السريع وأحداثه المتلاحقة، وقد نجح في إحياء "حمى" المسلسل من جديد، كما يمكن أن نشاهد على الانترنت ومواقع التواصل وحتى موقع منصة نتفليكس نفسه، التي أضافت لعبة تفاعلية على شاكلة ألعاب المسلسل.
وبما أن الموسم الأول ينتهي بشكل مفاجئ تاركاً الكثير من التشويق وعلامات الاستفهام، فغالباً سيظل المشاهدون ينتظرون الموسم الثالث على أحر من الجمر!.