محمد بن راشد: نسعى لتوفير أفضل نوعيات الحياة للمواطن والمقيم والزائر
يُعد بمثابة شهادة على القوة الدائمة لتقنيات الرسوم المتحركة التقليدية
The Imaginary: تفاصيل دافئة وصيغة لونية بديعة ذات تفاصيل دقيقة
عُرض أخيراً على منصة نتفليكس الفيلم المنتظر من Studio Ponoc، الذي يحمل عنوان The Imaginary؛ الفيلم الثالث للاستديو الذي يعتبره بعضهم فرعاً لاستديوهات غيبلسيي، لأن تأسيس الاستديو كان نتيجة لتقاعد هاياو ميازاكي عام 2013. أراد يوشياكي نيشيمورا، المنتج السابق في استديوهات غيبلي، إكمال هذه المسيرة الفنية، وأول أفلام "بونوك" كان Mary and the Witch's Flower عام 2015، إذ وضع "بونوك" بسرعة في مكانة مرموقة في عالم أفلام الرسوم المتحركة.
الفيلم الجديد The Imaginary يضع "بونوك" اليوم في مكانة مميزة ومختلفة، فقد اعتبره النقاد بمثابة شهادة على القوة الدائمة لتقنيات الرسوم المتحركة التقليدية المرسومة يدوياً - كما هو الحال في استديوهات غيبلي - في الوقت الذي بدأت تطغى فيه التقنيات الحديثة ذات الجودة الأدنى فنياً، والأسرع إنتاجياً.
يُعد The Imaginary بمثابة شهادة على القوة الدائمة لتقنيات الرسوم المتحركة التقليدية. أخرج الفيلم يوشيوكي موموسي (Yoshiyuki Momose)، وبُنيت قصته اقتباساً من رواية الغرافيك الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه من كتابة AF Harrold ورسوم Emily Gravett.
تدور القصة حول رودجر، الصديق المُتخيّل لفتاة صغيرة تدعى أماندا. عمر رودجر في الحياة هو ثلاثة أشهر وثلاثة أسابيع وثلاثة أيام، لكنه بعقله بعمر أماندا التي تخيلته بعد وفاة والدها ليشاركها اللعب. يعيش الاثنان مغامرات خيالية يومية، حتى يأتيهما الشرير الذي يأكل الأصدقاء المتخيلين. رودجر مهدد بالنسيان والاختفاء من العالم، كما يُنسى جميع الأصدقاء المتخيلين. ومع وجوده الشخصي مع أماندا، يواجه خطر أن يبتلعه الرجل الشرير. وبهذا، تفقد أماندا خيالها. قبل أن يختفي عليه أن يفعل شيئاً مهمّاً من أجل أماندا، ومن أجل نضوجها.يقدم الفيلم تجربة رائعة حول البلوغ والتصالح مع انتهاء فترة الطفولة وما يترافق معها من غربة في العالم الواقعي بعد الانتهاء من الخيال الجامح للأطفال، كما يعطي أفكاراً مريحة حول عالم الأصدقاء المتخيلين، بما يسمح للأطفال بتجاوز هذه المرحلة من دون شعور بالذنب.
عالم اللعب المُتخيّل وانقطاعه في بعض اللحظات لإضفاء بعض التعديلات على اللعبة، يذكّر برواية الأطفال الكلاسيكية "مومو" لميخائيل إنده، الذي قدم فيها مشاهدَ طويلة تصف هذا النوع من اللعب، وتدخل أشرار غرباء لسرقته.
ما يميز الفيلم أكثر هو الرسوم والأنيميشن. لم يقتبس استديو بونوك رسومات إيميلي غرافيت الشهيرة، ذات الألوان الرمادية والباهتة. على العكس، صنع الاستديو تجربة بصرية مختلفة لا يمكن معها إعادة الفضل إلى إيميلي غرافيت، بل إلى فريق العمل والمخرج.
تتخيل أماندا المغامرات، ويتحول كل شيء إلى عالم مختلف بسرعة شديدة. تقارب سرعة التخيل وبمرات عديدة جداً تتخللها انزلاقات إلى الواقع بسبب مقاطعة أحد ما للعب، أو اعتراض رودجر على شيء ما. الانسيابية بين هذه المشاهد الكثيرة جداً والمتنوعة في النصف ساعة الأولى من الفيلم، هي تجربة بصرية مذهلة تخطف الأعين غير القادرة على ملاحقة كل هذا السحر والتنوع المقدم بخفة شديدة. وما يجعل التجربة أفضل، هو الاهتمام بأدق التفاصيل الظاهرة وربطها بالقصة، وليست مجرد تزيين. وأكثر من ذلك، يقدم العمل العديد من المخلوقات الخيالية بأشكال متنوعة ومبتكرة من دون أي كسل. العشرات من الشخصيات الخيالية المختلفة ليست شيئاً نراه كل يوم في أفلام الأنيميشن.
الأسلوب الفني لفيلم The Imaginary كما يتضح لأي مشاهد، هو أسلوب استديوهات غيبلي التي تعد الأفضل على الإطلاق في عالم الأنيميشن اليوم بعد انهيار المستوى الفني لـ"ديزني". فريق عمل "بونوك" كان في الأصل يعمل لصالح غيبلي، ويتبع أسلوب الرسم والتلوين اليدوي الكلاسيكي نفسه.مع ذلك، امتلك "بونوك" لمسته الخاصة هذه المرة، وهي الغبار البرّاق الذهبي السحري، الذي رأيناه لأول مرة في فيلم "بيتر بان" في عام 1953 (وهو العام الذي ولد فيه مخرج فيلم The Imaginary). الغبار السحري تقنية فنية قديمة لـ"ديزني" رأيناها مع تينكر بيل، وتحول ثياب سندريلا وغيرها. إعادة هذه التقنية واستخدامها في الفيلم أضاف مزيداً من البهجة والإضاءة الساحرة على العوالم الخيالية، والإضاءة واللمعان عموماً يظهران بوضوح في الفيلم ليبدو الخيال برّاقاً. وبجانب ذلك، استطاع المخرج إدخال شخصية عديمة اللون ودخانية من دون أن تكون نشازاً فنياً، إنما نشاز في العالم الجميل للخيال وتمثل الخيال الشرير.
التزام العمل بالرسوم المتحركة التقليدية في عصر تهيمن عليه الرسوم المتحركة الحاسوبية، يعد اختيار استديو بونوك لاستخدام تقنيات الرسم اليدوي منعشاً وجريئاً. لا يكرّم هذا النهج أنماط الرسوم المتحركة الكلاسيكية فحسب، بل يضفي أيضاً على الفيلم التفاصيل الدافئة والصيغة اللونية البديعة ذات التفاصيل الدقيقة، التي غالباً ما تكون مفقودة في الأعمال المقدمة رقمياً. استعان الاستديو بتقنية CG بنسبة قليلة فقط، جعلت الصورة حيوية ومنعشة بصرياً.حظي فيلم The Imaginary بقبول النقاد، فنال الثناء على روعته البصرية وعمقه العاطفي. وقد سلط المراجعون الضوء على قدرة الفيلم على استحضار شعور بالحنين مع تقديم سرد جديد وجذاب. وقد حظيت الرسوم المتحركة المرسومة يدوياً، على وجه الخصوص، بالثناء على براعتها الفنية وكفاءتها التقنية. على موقع Rotten Tomatoes، حظي بتقييمات عالية للموافقة، فأشاد النقاد بقدرته على الموازنة بين الخيال والوزن العاطفي.