«الاستقلال المؤجل».. «معًا من أجل كاتالونيا» يعمق أزمة الحكومة الإسبانية
اعتبر خبراء في الشأنين الإسباني والأوروبي أن إعلان الزعيم الكاتالوني كارلس بويغديمونت فكَّ تحالف حزبه “معًا من أجل كاتالونيا” مع الحكومة الاشتراكية برئاسة بيدرو سانشيز، يمثل أخطر أزمة سياسية تواجه مدريد منذ إعادة انتخاب سانشيز عام 2023، وقد يفتح الباب أمام شللٍ تشريعي أو حتى انتخاباتٍ مبكرة خلال عام 2026.
ففي مؤتمرٍ صحفي عقده في مدينة بيربينيان جنوب فرنسا، أعلن بويغديمونت، الذي يعيش في المنفى منذ أحداث الانفصال عام 2017، أن قيادة حزبه قررت رسميًا سحب دعمها للحكومة المركزية، متهمًا سانشيز بعدم تنفيذ قانون العفو الذي أُقرّ لصالح القادة الكاتالونيين المتابعين قضائيًا.
وقال بويغديمونت إن حزبه “لن يستمر في دعم حكومة لا تساعد كاتالونيا”، معلنًا انتقال الحزب إلى صفوف المعارضة واستشارة قواعده في الخطوات المقبلة.
فقدان الغالبية البرلمانية
وبحال صادقت القواعد الحزبية على القرار، فإن الحكومة الإسبانية ستفقد أغلبيتها البرلمانية الضيقة، إذ يعتمد سانشيز في تمرير القوانين على أصوات سبعة نواب من حزب “معًا من أجل كاتالونيا”، إلى جانب دعم أحزابٍ إقليمية صغيرة أخرى.
ومع انسحاب هذا الدعم، يخسر سانشيز الغالبية البرلمانية التي مكّنته من تمرير ميزانية 2025 وعددٍ من التشريعات الاجتماعية والاقتصادية الحساسة.
واعتبر باحث سياسي فرنسي أن هذا الانسحاب يجعل الحكومة “قادرة على البقاء شكليًا، لكنها غير قادرة على الحكم فعليًا”، وهو ما أكده بويغديمونت حين قال إن سانشيز “سيحتفظ بالمناصب، لكن لن يكون قادرًا على الحكم أو تمرير الموازنة».
وتعود جذور الأزمة إلى الاتفاق السياسي الذي أبرمه سانشيز عام 2023 مع الأحزاب الكاتالونية، والذي تضمَّن إصدار قانون عفوٍ عام عن القادة الانفصاليين الملاحقين منذ محاولة الانفصال عام 2017.لكن بويغديمونت يؤكد أن الحكومة لم تنفذ فعليًا بنود العفو، ما أبقاه هو وعددًا من القيادات في المنفى دون تسوية قانونية.هذا “التباطؤ المقصود”، كما وصفه، شكّل نقطة الانفجار في العلاقة بين الطرفين، خصوصًا مع شعور الكاتالونيين بأن مدريد تسعى إلى “شراء الوقت” دون تقديم تنازلاتٍ حقيقية.
أزمة ثقة لا مجرد خلاف سياسي
بدوره، قال الدكتور بنوا برستراندي، الخبير في التاريخ السياسي الإسباني لـ”إرم نيوز” إن “ما نراه اليوم هو انهيار الثقة بين سانشيز وبويغديمونت أكثر مما هو خلاف على نصوصٍ قانونية.. بويغديمونت يشعر بأن الحكومة استغلّت أصوات حزبه لضمان بقائها، دون الالتزام بروح الاتفاق المتعلق بالعفو والإصلاح الدستوري».وأضاف برستراندي أن “سانشيز الآن أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما التنازل أكثر لكاتالونيا بما يثير غضب اليمين، أو المجازفة بحلّ البرلمان والعودة إلى صناديق الاقتراع».ورأى أن “انسحاب حزب بويغديمونت ليس مجرد خلاف سياسي حول القوانين، بل هو رسالة ضغطٍ قوية لسانشيز لإعادة فتح ملف استقلال كاتالونيا من بوابة الحوار السياسي».وأوضح بأن “الحزب يدرك أن الحكومة ضعيفة، ويحاول استغلال اللحظة لانتزاع تنازلاتٍ مالية ودستورية، لكن في المقابل، فإن المضي في هذا المسار قد يدفع سانشيز نحو مخاطرةٍ انتخابية مبكرة إذا فقد السيطرة التشريعية داخل البرلمان».من جانبه، قال الدكتور هوبرت بيرس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مونبلييه، والباحث في مركز الدراسات السياسية والاجتماعية المتخصص في سياسة إسبانيا لـ”إرم نيوز”، إن ما يحدث “يعبّر عن أزمةٍ عميقة في إدارة التعددية الإسبانية».وأوضح أن “فكرة أن حزبًا إقليميًا صغيرًا يملك القدرة على إسقاط الحكومة المركزية تُظهر هشاشة النظام السياسي الإسباني بعد عقدٍ من الانقسامات”، مشيرا إلى أن “استمرار الأزمة سيؤثر على استقرار البلاد المالي وعلاقاتها داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة».
نحو انتخابات مبكرة
مع فقدان سانشيز لأغلبيته، يتوقع محللون أن يلجأ إلى إعادة ترتيب التحالفات أو إلى انتخاباتٍ مبكرة في ربيع 2026، في حال فشل في تمرير ميزانية العام الجديد.
لكن سيناريو الانتخابات قد يحمل مخاطر لليسار الإسباني، خصوصًا مع تصاعد قوة اليمين المحافظ وحزب “فوكس” المتطرف في استطلاعات الرأي.كما أن انسحاب بويغديمونت لا يمثل مجرد خلافٍ عابر، بل إعادة خلطٍ للأوراق السياسية في مدريد، تُعيد طرح سؤال الوحدة الإسبانية على الطاولة، وتضع سانشيز أمام اختبار البقاء السياسي الأصعب منذ توليه الحكم.وأشار بيرس إلى أن هذا التطور يعيد إلى الأذهان أزمات الحكومات الأقلية السابقة في مدريد، التي انتهت غالبًا بحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخاباتٍ مبكرة، وهو سيناريو لا يُستبعد أن يتكرر في الأشهر المقبلة.