رئيس الدولة ونائباه يعزون خادم الحرمين بوفاة خالد بن محمد ويعزون أمير قطر بوفاة مريم بنت عبدالله
لم تقدر على نزع فتيل الأزمة وإنهاء الحرب التجارية المتبادلة
«قمة بوسان» بين ترامب وشي.. نجاح في تأخير انفجار الألغام وفشل في تفكيكها
تعتبر التّقديرات الدَّوليّة أن “قمة بوسان” التي عُقدت مؤخَّرا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جي بينغ في كوريا الجنوبية، نجحت نسبيًّا في تخفيف حدّة الصّراع الثنائيّ بين القُطبين، دون أن تقدر على نزع فتيل الأزمة وإنهاء الحرب التجارية المتبادلة.
وتمكّنت القمة التي دامت قرابة ساعة وأربعين دقيقة، من التوصل إلى حزمة من التوافقات التجارية على رأسها التوصل إلى اتفاق يقضي بخفض الرّسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية من 57% إلى 47%، مقابل استئناف بكين شراء فول “الصويا” والمنتجات الزراعية الأمريكية بكميات “هائلة”، وضمان استمرار صادرات المعادن النادرة، إلى جانب فرض قيود صارمة على التجارة غير القانونية بمادة “الفنتانيل”، وهي من أكثر المواد المسببة للأزمات داخل الولايات المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ “الفنتانيل” هو مركب اصطناعي ينتَج كيميائيًّا في المخابر، وهو أقوى من مادة “المورفين” بنحو 50 إلى 100 مرة، وعقب تشديد الصين الرقابة عليه وحظره بالكامل من التداول، انتقلت عملية تصنيعه إلى دول أخرى تستخدم المواد الخام الصينية.
وتشير واشنطن إلى أنها تُسجل أكثر من 110 آلاف حالة وفاة سنويا جراء الجرعات الزائدة من “الفنتانيل” والذي بات السبب الأوّل في وفاة الأمريكيين تحت سن الـ45 سنة.
وتختلف قراءات خبراء الاقتصاد السياسي في تحديد هويّة “الفائز” و”الخاسر”، من هذه الجولة التفاوضية، وفي تحديد مجالات المكاسب وميادين الخسارة.
المكاسب الأمريكية
واعتبرت بعض التقديرات القريبة من واشنطن أنّ ترامب تمكّن من تسجيل نقاط سياسية واستثمارية واضحة من هذا الاتفاق، على رأسها تأمين تدفق المعادن النادرة والثمينة على الأسواق الأمريكية وهي المعادن التي باتت عصب الاقتصاد الرقمي والتّكنولوجيات المتطورة الحديثة في الولايات المتحدة، على غرار السيارات الكهربائية واللوحات الرقمية والهواتف الذكية والأقراص الصلبة وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، إضافة إلى العديد من مكونات الصناعات العسكرية على غرار الصواريخ والأقمار الاصطناعية والمناظير الحرارية.
وتحتكر الصين بشكل شبه كامل، منظومة المعادن الثمينة والنادرة من الاستخراج إلى التثمين، ومنه إلى سلاسل التّوريد قبل تصديره إلى كامل دول العالم.
وتشير القراءات ذاتها القريبة من واشنطن إلى أنّ ترامب نجح أيضًا في استئناف صادرات “الصويا” والمنتوجات الزراعية الأخرى للصين، بعد تعليق دام نحو عام، تضرر خلاله بشكل كبير مزارعو هذه المادة، والذين يُعتبرون الخزان الانتخابي لترامب.
ويمثل موعد التجديد النصفي للغرفتين التشريعيتين الأمريكيتين (مجلس النواب والكونغرس) في 2026، كابوسًا انتخابيًّا حقيقيًّا لترامب، الذي يخشى – وفق كثير من المراقبين- سيناريو البطة العرجاء حيث تسيطر الغالبية النيابية البرلمانية على الكونغرس ومجلس النواب، وتمنعه من تحقيق مشاريعه السياسية والاقتصادية محليًّا ودوليًّا.
كما يشكل الوعد الصيني بشراء الغاز والنفط الأمريكيين، إنجازًا اقتصاديًّا يُحسب لترامب، من خلال عدّة اعتبارات، أوّلها توفير مداخيل مالية معتبرة للشركات البترولية الأمريكية الضخمة، وثانيها مزيد من الضغط على روسيا التي وجدت في السوق الصينية بديلًا لنفطها وغازها بعد إغلاق السوق الأوروبية دونهما.
الأرباح الصينية
في المقابل، تشير التقديرات الاقتصادية القريبة من بكين، إلى أنّ الطرف الصيني نجح في تحقيق عدّة إنجازات، على رأسها مزيد من التّغلغل في السوق الأمريكية والسيطرة على منظومة البنية التحتية الرقمية من خلال تصدير المعادن الثمينة والنادرة، ومن بينها أيضًا استبعاد التهديد الأمريكي الذي أطلقه ترامب مؤخرًا بفرض رسوم تعادل نسبة 100% على السلع الصينية.
وتضيف أنّ من أهم الإنجازات المتحققة لصالح الصين المحافظة على الميزان التجاري بين البلدين الذي يعادل 582 مليار دولار، مع أفضلية كبيرة للواردات الصينية إلى أمريكا بـ439 مليار دولار في مقابل صادرات أمريكية لا يتجاوز سقفها 143 مليار دولار.
وتشير إلى أنّ واشنطن تعاني عجزًا تجاريًّا بنحو 300 مليار دولار، ورغم هذا العجز الكبير فإنّ كافة القرارات المعتمدة والتي تصب في الظاهر لصالح واشنطن، عاجزة ليس فقط عن تأمين المساواة في الميزان التجاري بل حتى على التّخفيف من حدّة العجز التجاري.
هدنة اقتصادية هشة
ورغم إعلان ترامب للصحفيين الأمريكيين بأنه يسند للاجتماع علامة 12 - 10 (علامة فوق المعدل)، في إشارة إلى نجاحه في تحقيق كافة التطلعات المعلقة عليه، أمريكيًّا على الأقل. ورغم -أيضًا- إعلان بينغ أنّ الاتفاق مهم ولكنه يحتاج إلى متابعة من قبل أعضاء الحكومتين، فإنّ كثيرًا من المتابعين والمراقبين يرون في الاجتماع مجرّد “هدنة اقتصاديّة هشّة” سرعان ما ستتلوها اختراقات، قد تقوّضها من الأساس.
ووفقًا لإفادات خبراء في الاقتصاد، فإنّ “النجاح في إعلان الهدنة، لا يعني أبدًا تحقيق السّلام”، وتفسير هذه العبارة أنّ القمة أخذت طابعًا تقنيًّا صرفًا ولم تناقش القضايا والمسائل التي تُمثّل لبّ الإشكال الثنائي بين الطرفين.
ولئن كان النأي عن القضايا الخلافية إستراتيجية سياسية وتفاوضية جيدة لتأمين الحدود الدنيا من النجاح، فإنه في المقابل يؤخّر موعد انفجار الألغام ولا يفكّكها أبدًا.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون في هذا السياق أنّ القمة لم تطرح القضايا البنيوية التي فجرت الحرب التجارية بين البلدين منذ 2018، وتتمثل أساسًا في حماية الملكية الفكرية والدعم المالي الذي توفره بكين للشركات الحكومية الصينية، والقيود التكنولوجية، والاحتكار الصيني لسلاسل التوريد للمعادن النادرة والثمينة، والصراع حول تطبيقات التواصل الاجتماعيّ، والعجز التجاري بين البلدين، والذهب الصيني الصلب، وحرب النفوذ في آسيا، والسيادة الخوارزمية.
بينغ يفتح النار على واشنطن
ويشير الخبراء في هذا السياق إلى أنّ الخطوات التي اعتمدها بينغ صبيحة “قمة بوسان”، تثبت حجم البون الشاسع في الرؤى الإستراتيجية بينه وبين ترامب؛ فقد اقترح بينغ أمس الأول السبت، إنشاء هيئة عالمية دولية تُعنى بإدارة الذكاء الاصطناعي وترسخ مكانة الصين بديلًا للولايات المتحدة في مجال التعاون التجاري.
وقال في اجتماع قادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي “وهو منتدى استشاري يضم 21 دولة تمثل نصف التجارة العالمية”، إن منظمة التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي يمكن أن تضبط قواعد الحوكمة وتعزز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفيما ترفض واشنطن كافة الجهود الساعية إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي ضمن الهيئات الإقليمية والدولية، تذهب تصريحات بينغ إلى الطرف النقيض من التصور الامريكي؛ ما يؤكد عجز “قمة بوسان” عن جسر الهوة السحيقة بين الزعيمين.
مفاصل التوتر قائمة
وتشير التقديرات الاقتصادية المطلعة إلى أنّ الصراع الاقتصادي بين بكين وواشنطن، سيتواصل طالما أنّ مفاصل التوتر لا تزال قائمة، وهي أساس الصراع على التكنولوجيا والنّزاع حول المعادن النادرة والثمينة، وحول الذكاء الاصطناعي، وهي ميادين الحرب الاقتصادية بين الطرفين.
في السياق ذاته، يؤكد غياب بعض الملفات الحيوية والحساسة على طاولة “قمة بوسان”، تواضعها من حيث المضمون والنتائج والمخرجات. فغياب ملفي “تايوان” وتطبيق “تيك توك” عن طاولة ترامب وبينغ، يؤكد – وفق المراقبين- أنّ القمة اختارت المواضيع الهادئة والآمنة، وتجنبت الملفات الإستراتيجية التي وإن وُصِفت بأنها وصفة إفشال القمة، فهي في المقابل أيضًا وصفة نجاحها وتحويلها إلى “قمة تاريخية” في حال النجاح في تفكيكها وتسويتها.
فقد اختار الزعيمان، تغييب الملف التايواني، رغم حساسية الموضوع في السياق الراهن، مع الرئيس التايواني الجديد “لاي تشينغ تي” الذي اختار التصعيد السياسي والإعلامي ضدّ بكين، وانخرط في خطوات فردية أثارت حفيظة بكين، تنطلق من البحث عن قبة صاروخية تستنسخ التجربة الإسرائيلية في الشّرق الأوسط، ولا تنتهي عند الاستنجاد بصواريخ هجومية تستحضر التجربة الأوكرانية ضدّ روسيا.كما يكشف استبعاد التداول في ملف تطبيق “تيك توك”، عن استمرار الفجوة بين الطرفين، والفشل في التوصل إلى مسودة اتفاق حول ملكية أصولها في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم ادعاء واشنطن أكثر من مرة موافقة الصين على هذا الأمر.
وتؤكد مصادر سياسية قريبة من بكين، أنّ الأخيرة لا ترفض المقترح الأمريكي حول تطبيق “تيك توك”، ولكنها تنتظر مقابلًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا حقيقيًّا، قد يبدأ من تخفيض ثان للرسوم الجمركية الأمريكية، وقد ينتهي عند تفويضها بالملف التايواني، كما فعلت مع المغرب في ملف الصحراء الغربية.
في المحصلة، من الواضح أنّ الطرفين عينهما محدقة على الهدف القريب لا الأهداف المتوسطة والبعيدة، فترامب عينه على انتخابات التجديد النصفي وهي الانتخابات التي يريد أن ينزل فيها بكل قواه حتى يستبعد سيناريو 2018 حيث سيطر الديمقراطيون على المجالس التشريعية وأصابوا العمل الحكومي بالشلل.
فيما يريد بينغ طمأنة القيادات الكبرى في الحزب الشيوعي بأنه شرع في تنفيذ الخطة الخماسية التي أعلنها خلال اجتماع الحزب في أكتوبر- تشرين الأول الفارط، ولا سيما أنّ رسالة الحزب الشيوعي كانت واضحة جدّا لبينغ، بضرورة الانكباب على الملفات الاقتصادية والاجتماعية، في ظلّ “شيخوخة متسارعة” وبطالة مرتفعة بين الشباب واقتصاد يحقق نجاحات ولكنها تبقى دون انتظارات شرائح واسعة من الشعب الصيني.