«واشنطن تايمز»: حرب أوكرانيا تُربك طموحات كوريا الجنوبية في سباق السلاح

«واشنطن تايمز»: حرب أوكرانيا تُربك طموحات كوريا الجنوبية في سباق السلاح


ذهب تقرير لصحيفة “واشنطن تايمز” إلى أن طموحات كوريا الجنوبية للتحول إلى واحدة من أبرز الدول المصدّرة للسلاح تتعارض مع واقع فرضته الحرب في أوكرانيا، إذ تصرّ العديد من الجيوش الغربية اليوم على أن تكون المعدات الجديدة مُجرَّبة ميدانيًا، وغالبًا في أوكرانيا، قبل الإقدام على شرائها.
وفي معرض سيول الدولي للطيران والدفاع (ADEX)، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ عن “حلم كبير” يتمثل في جعل كوريا “إحدى القوى الأربع الكبرى في صناعة الدفاع”. غير أن تحقيق هذا الهدف يصطدم بسياسة سيول الراسخة منذ عقود بعدم بيع السلاح للدول المنخرطة في نزاعات، فقد امتنعت كوريا الجنوبية حتى الآن من تزويد كييف بالسلاح في حربها المستمرة منذ 3 سنوات ضد روسيا، مفضّلة الإبقاء على علاقاتها مع موسكو.
في المقابل، يزداد ضغط الحلفاء الغربيين، ففي مؤتمر “جمعية الجيش الأمريكي» (AUSA) الشهر الماضي، شدّد مسؤولون عسكريون كبار من دول حلف شمال الأطلسي على أنهم لن يشتروا أسلحة لم تُختبر في ساحات القتال الأوكرانية. وقال اللواء بيتر هارلينغ بويسن، قائد الجيش الملكي الدنماركي: “لن أشتري أي تكنولوجيا جديدة لم تُثبت فعاليتها في أوكرانيا». 
وعبّر رئيس أركان الجيش الفنلندي، الفريق باسي فاليماكي، عن الموقف ذاته، مؤكدًا أن “العروض جميلة، لكن ما يهمّ هو الدليل العملي على أرض المعركة”. أما وزير الدفاع اللاتفي آيفارس بورينش فحذّر من أن بعض أكثر التقنيات وُعِد بها كثيراً لكنها فشلت عند الاستخدام الفعلي في القتال.
هذا الإصرار على إثبات الجدارة القتالية يضع كوريا الجنوبية في مأزق، خصوصاً فيما يتعلق بالأنظمة الحديثة التي تعتمد عليها خطط نمو صادراتها الدفاعية. فبينما تحظى المعدات التقليدية مثل مدفع «K9» ذاتي الحركة ودبابة «K2» بثقة دولية بفضل سمعتها المعروفة، فإن التقنيات الجديدة، خاصة الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع المضاد للطائرات دون طيار، تواجه تحدياً أكبر لإقناع المشترين دون تجربة حرب حقيقية.
يقول يانغ أوك، الباحث في معهد آسان للدراسات السياسية في سيول: “الأسلحة المتطورة مثل الذخائر الجوالة يجب أن تُختبر في الحرب الأوكرانية، أما الدبابات والمدفعية فخصائصها معروفة ولا تحتاج لذلك».

أوكرانيا مختبر الأسلحة الحديثة
جعلت الحرب في أوكرانيا من البلاد مختبراً ضخماً لتجارب الأسلحة الحديثة، وأبرزها الطائرات المسيّرة. فكما كانت حرب فيتنام “حرب المروحيات” والحرب العالمية الثانية “حرب الدبابات”، صارت أوكرانيا “حرب الطائرات دون طيار».
وفي معرض «ADEX» الأخير، خُصّصت مساحات واسعة لتقنيات المسيّرات والدفاع ضدها. فقد عرضت شركة «MBDA» الأوروبية نموذجاً لمنصة “سكاي ووردن” المضادة للطائرات المسيّرة، تضمّ صواريخ مديات متوسطة وأشعة ليزر قادرة على تدمير هيكل الطائرة، إلى جانب أنظمة تشويش وأجهزة استشعار متكاملة تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف.
أما شركة “هيونداي وِيا” الكورية، فعرضت نظاماً فعلياً مضاداً للطائرات المسيّرة يُركّب على المركبات، ويجمع بين تشويش «GPS» ومدفع قنابل عيار 40 ملم وأشعة ليزر قصيرة المدى. لكن ممثلاً عن الشركة أقرّ بأن النظام “لم يُختبر بعد في القتال”، بخلاف نظيره الأوروبي الذي نُشر فعلاً ميدانياً.

بين الطموح والسياسة
ويرى خبراء أن هذا الفارق في الخبرة الميدانية ينعكس مباشرة على ثقة المشترين. يقول الأوكراني أندريه ليسكوفيتش، المكلّف بتأمين معدات للوحدات الأمامية في الجيش الأوكراني: “يجب أن يكون الافتراض الأول عند شراء سلاح جديد أنه لا يعمل كما يُفترض”. وأشار إلى أن بعض الشركات الغربية زوّدت أوكرانيا بمسيّرات ببرامج قديمة أو بروابط بيانات ضعيفة لأنها لم تكن تمتلك فرق تطوير ميدانية في كييف لتعديل منتجاتها بسرعة.
ورغم العقبات، لا تزال صناعة السلاح الكورية في مسار تصاعدي. فبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، احتلت كوريا الجنوبية المرتبة العاشرة عالمياً بين مصدّري السلاح في الفترة 2020-2024، بحصة سوقية بلغت 2.2%، مقابل 5.9% للصين في المرتبة الرابعة.
لكن لتحقيق قفزة إلى “النخبة الرباعية”، تحتاج سيول إلى مزيج من الكمية والسمعة الميدانية. ويبدو أن رفضها تسليح كييف، رغم الزخم الكبير الذي وفرته الحرب لصناعة الدفاع العالمية، قد يحدّ من قدرتها على بيع أنظمة متقدمة تحتاج إلى إثبات فعاليتها في ظروف قتال حقيقية.

معضلة التوازن
أمام كوريا الجنوبية خياران صعبان: إما الحفاظ على سياستها الحيادية التي تحمي علاقاتها الدبلوماسية وتجنّبها التورط في الصراعات، وإما المجازفة بخوض سوق تتطلب “الخبرة القتالية” كشرط للثقة.
ويرى محللون أن بإمكان سيول اعتماد بدائل وسطية، مثل المشاركة في برامج الاختبار المشتركة مع الحلفاء، أو تقديم أنظمة غير فتاكة للاختبار الميداني، أو زيادة المناورات الدولية لتقييم الأداء.
في النهاية، تُظهر الحرب في أوكرانيا أن الطريق إلى القمة في سوق السلاح العالمي لا يمر فقط عبر خطوط الإنتاج، بل أيضاً عبر ساحات المعارك، وهي ساحات ما تزال كوريا الجنوبية حذرة من دخولها.