تركيبة النظام السياسي تجعل من المستحيل فرض مرشح واحد
ألاعيب سياسية فاشلة لا تنهي الفراغ الرئاسي في لبنان
غالباً ما تكون الأزمات السياسية ثمرة للاستقطاب الشديد أو انعدام الكفاءة أو خليطاً من الاثنين، والمتابع للشأن اللبناني سيدرك ذلك، خاصة بعد إخفاق البرلمان في انتخاب رئيس للمرة الثانية عشرة منذ انتهاء ولاية ميشال عون.
ويسلِّط التصويت الذي أُجري في 14 يونيو (حزيران) الماضي الضوء بقدر أكبر على الكابوس السياسي المستمر الذي يعيشه لبنان، ذاك البلد الصغير المُطل على البحر المتوسط. وسيكون تبديد هذا الكابوس محوريّاً في المستقبل القريب في خضم ما يمكن وصْفَه بالخطوة المتواضعة إلى الأمام في التصويت الأخير، وفق ألكسندر لانغوا، مُحلل السياسة الخارجية مختص بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويقول محلل السياسة الخارجية ألكسندر لانغلوا في مقال بمجلة “ناشيونال إنترست”: بينما أن الخطوة المتواضعة ينبغي أن يُنظر إليها بشيءٍ من الشك، فإن ظهور وزير المالية السابق والمسؤول الكبير الحالي في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور على مسرح الأحداث معادلاً لثقل سليمان فرنجية المدعوم من ميليشيا حزب الله وحركة أمل يمثل لحظةً حاسمة في مسيرة البحث عن رئيس لبناني جديد».
وأسفر التصويت عن 59 صوتاً لأزعور مقابل 51 لفرنجية. وشملت الأصوات المتبقية بطاقات اقتراع فارغة أو أصواتاً محتجة أو أصواتاً لمرشحين أقل ثقلاً، مثل العماد جوزيف عون وزياد بارود، كانوا بمنزلة عائق أمام الوصول إلى عتبة الـ 65 صوتاً الضرورية للفوز في الجولة الثانية.
دعم فريد لـ أزعور
ويتمتع أزعور بدعم فريد من نوعه ومفاجئ من الأحزاب السياسية المسيحية؛ وهي كتلة تصويتية معروفة بانقسامها وتضم كيانات نافذة مثل القوات اللبنانية المناهضة لـ حزب الله، والتيار الوطني الحر المتحالف سابقاً مع حزب الله، وحزب الكتائب المؤيد للإصلاح. ويشكل أصحاب المصلحة هؤلاء، فضلاً عن كثير من أعضاء البرلمان المُستقلين وبعض الأحزاب الصغيرة، العمود الفقري لمجموع الأصوات القيادية لأزعور في البرلمان. وبعد فرز أصوات الدورة الأولة وظهور عدم حصول أي من المرشحية على الغالبية الضرورية، أطاحَ انسحاب المعسكر المؤيد لفرنجية بالنصابِ القانوني، وأدى إلى إنهاء الجلسة.
وقال ألكسندر لانغوا، إن فرنجية محكوم عليه بالفشل عند الأحزاب المسيحية، ويفتقر للواقعية من دون دعم التيار الوطني الحر. في الوقت الحاضر، لا يدعم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ترشيح فرنجية، وسيقتدي به حزبه في هذا الصدد. ولذلك تحاول الأحزاب المسيحية ممارسة ألاعيب سياسية جريئة.
ورجح الكاتب أن الكُتلة المحيطة بأزعور – ولا سيما التيار الوطني الحر – تنظر إلى ترشيحه بوصفه آلية لفرض مفاوضات حقيقية بشأن مرشح توافقي حقيقي للرئاسة. وقال باسيل بعيد تأييده لأزعور: “إذا دُعينا إلى جلسة انتخابية، فيمكننا التصويت لصالح أزعور. لكن، هل ستجعله أصواتنا رئيساً؟ لا. إلا إذا وافق الفريق الآخر عليه”. وتابع قائلاً: “يجب أن نواصل إجراء محادثات مُكثفة للتوصل إلى توافق في الآراء». وشاع في فترة من الفترات أن السياسي البارز والفتى الذهبي لـ التيار الوطني الحر مُرشح للرئاسة، ويعتقد على نطاق واسع أنه الخليفة المنطقي لعون نظراً إلى القوة السياسية التي تمتع بها التيار الوطني الحر قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ومع ذلك، يعي باسيل اللعبة السياسية الجاريّة الآن.
حزب الله وفرنجية
بدلاً من المُخاطرة بترشيح باسيل، استقر رأي حزب الله على المرشح الذي حسبه الحزب أقل إثارةً للجدل، ألا وهو فرنجية. وأدى ذلك إلى إقصاء باسيل في نهاية المطاف، ما أدى إلى تفاقم الصدع في التحالف الذي كان يتشكل منذ العام الماضي، حول دور رئاسة الوزراء والحكومة من دون رئاسة إلى حد كبير.
ويحتمل أن باسيل، في ظل تحركاته الأخيرة، ما زال يستهدف الرئاسة، ولو أن هذا النهج ضرب من الحماقة للأسباب التي ذكرناها آنفاً. ومع ذلك، فدعوته إلى إجراء محادثات وإشاراته التي يرسلها إلى معسكر حزب الله تعبيراً عن مرونته ربما لا تغيب عن الجماعة اللبنانية المُسلحة. في نهاية المطاف، يبدو خطاب باسيل غامضاً في الوقت الحاضر، ويتعين التأكد مما إذا كان لا يزال يسعى وراء الرئاسة أم يحاول أن يؤدي دور صانع الصفقات لتحسين صورته أمام الشعب اللبناني والمجتمع الدولي.
تركيبة النظام السياسي اللبناني
وأخيراً، يقول ألكسندر لانغوا، إن تركيبة النظام السياسي اللبناني تجعل من المستحيل تقريباً على كتلة سياسية واحدة أن تفرض مُرشحاً على الشعب. فهذه مسألة تقتضي حواراً حقيقيّاً إما يسد الفجوة بين الكتلتين السياسيتين الأساسيتين وإما يستقطب المعطلين بهدف تحقيق الوصول إلى 65 صوتاً انتخابياً، ولو أن الخيار اللاحق يعجز عن التعاطي مع مسألة النصاب القانوني.