نافذة مشرعة

أمريكا ما بعد أمريكا...!

أمريكا ما بعد أمريكا...!


    متأثرا، وبإيقاع بطيء، بدأ جو بايدن قراءة كلمته أمام جمهور مؤلف من الصحفيين المعتمدين لدى البيت الأبيض.
   الرجل العجوز الذي، قبل بضعة أشهر، خلط أمام الكاميرات بين حفيدته وابنه بو، الذي رحل عن الدنيا منذ عدة سنوات، لاح، مساء 26 أغسطس، ضائعًا ومحمومًا أكثر من أي وقت مضى.
   «سنلاحقكم وستدفّعون الثمن”، قال. تتعارض دلالات الانتقام مع لغة جسده، ولكن خصوصا مع اللحظة، فهي مهينة جدًا لأمريكا. في خطابه، حاول الرئيس 46 للولايات المتحدة، مرارًا وتكرارًا، الاختباء وراء نصيحة المسؤولين العسكريين لتبرير التخلي النهائي عن مطار باغرام، والذي كان من الممكن أن يكون بمثابة مركز بديل لكابول، أو شرح رفض التعزيزات، إلى ما أكثر من 6000 جندي تم نشرهم للإخلاء. في تلك الأمسية الصيفية الحزينة، تمسك بقراره احترام موعد 31 أغسطس لإتمام الانسحاب الأمريكي. وفي الحقيقة، كان يريد أن يضع هذه الكارثة وراء ظهره في أسرع وقت ممكن، والتي يمكن القول إنها الأكثر شهرة وحضورا اعلاميا -وبالتالي الأسوأ -في تاريخ بلاده.
   طبعا، في الأيام التالية قتلت طائرات أمريكية  دون طيار بعض منظمي الهجمات المزدوجة التي وقعت في 26 أغسطس بالقرب من مطار كابول وأودت بحياة 13 جنديًا أمريكيًا وجنديين بريطانيين وعشرات الأفغان المدنيين. نعم، طبعا ... إلا اأن الكلمة الرئاسية فقدت تأثيرها.
   «سنلاحقكم وستدفّعون الثمن”، التي يفترض ان تردد في قلوب الأمريكيين صدى خطاب جورج دبليو بوش مساء 11 سبتمبر 2001 هذه، سقطت في الفراغ.
    لقد مات بعض الإيمان بأمريكا في أغسطس، وفي كابول.
   من الواضح أن بايدن ليس مسؤولاً عن الكارثة الأفغانية ككل، لكن هذه الكارثة غير المسبوقة للقوة الأمريكية هي إنجازه وتحمل توقيعه. ويتحمّل أنتوني بلينكين، وزير الخارجية، وجاك سوليفان، مستشار الأمن القومي، نصيبهما من المسؤولية في الكارثة الحالية، وبقسط لا يستهان به. غير ان جو بايدن هو من أراد هذا الانسحاب السريع من أفغانستان، انسحاب متسرّع لم يكن ضروريا أدى إلى انتصار طالبان الخاطف.
    مشلولون أمام شاشاتهم، عاش الأمريكيون، أحداث الأسابيع القليلة الماضية كإهانة واساءة للعلم عشية احتفالات الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر... “كل ذلك من أجل ذاك ...”، نسمع في كل مكان.
    أمريكا، التي أصيبت بصدمة جراء الهجوم على الكابيتول هيل في يناير الماضي، لا تصدق ان قوتها العسكرية، القوة التي يقال إنه لا نظير لها في تاريخ البشرية، قد هزمها “قرويون مزارعون مسلحون ببنادق الكلاشينكوف، ويركبون درجات نارية».
    قد لا يكون هذا هو سقوط القسطنطينية، الا ان صدمة سقوط كابول ستستمر في اجتياح المجتمع الأمريكي والعالم لفترة طويلة قادمة. وأولئك الذين يقولون إن الولايات المتحدة ستتعافى كما تعافت من سقوط سايغون عام 1975، مخطئون. ليس فقط لأن دخول الجيش الشعبي الفيتنامي مدينة سايغون حدث بعد عامين من الانسحاب الأمريكي من فيتنام، مما جنّب الجمهور مشاهد الكوارث المماثلة لتلك المعروضة اليوم، وبالتالي الصدمة. ان السياق العام مختلف جدا.
   اعتقد الأمريكيون أنهم رأوا ديمقراطيتهم تترنّح في بداية العام: هم الذين كانوا يعتقدون أنها أبدية، وأدركوا أنها هشة. لقد اعتقدوا أن بلادهم قد تخلصت من تلك الشياطين القديمة للعنصرية والتمييز العنصري: وأثبتت أعمال الشغب في العام الماضي، ومناخ الحرب شبه الأهلية الذي أعقب وفاة جورج فلويد، وتحصّن مدن كبرى وراء سياجات الخشب، أنهم على خطأ.
   لم تشهد الولايات المتحدة في التاريخ الحديث مثل هذه الانقسامات، سواء كانت ثقافية أو عرقية أو دينية أو سياسية، ومثل هذه الإرادات الاستقلالية في مناطق معينة، وحتى الانفصال في ولايات مختلفة ...
   ناهيك عن وباء كوفيد-19 الذي يستمر في إحداث الفوضى -ما يصل إلى 200 ألف حالة جديدة يوميًا في الأسابيع الأخيرة، وأكثر من 1200 حالة وفاة يوميًا -ولا تداعياته الاقتصادية والاجتماعية التي تسرّع نسق تفقير السكان، وتحويل البلد الى دولة من العالم الثالث.
   بالطبع، اتخذ جو بايدن خطوات مهمة منذ مجيئه إلى البيت الأبيض في محاولة لإنقاذ الاقتصاد وتجديد البنية التحتية. خطوات حازت ما يفوق الترحيب، لكنها كانت ظرفية واستثنائية، لم يتم عمل أي شيء لإحداث تغيير حقيقي، والتصدي للأدواء من الجذور.   لذا، الولايات المتحدة، المنغمسة في مناخ من التفسّخ والاضمحلال العام، لن تتعافى من صور سقوط كابول.
  ستظل بلاد العم سام بالطبع القوة الاولى في العالم لفترة طويلة قادمة، وستستمر آلة هوليوود، من جانبها، لسنوات عديدة في تصدير الأوهام المعاد تدويرها للحلم الأمريكي، لكن هذا الاخير، الذي يحتضر منذ فترة طويلة، قد اختفى جسدا وروحا في أعمال الشغب في مبنى الكابيتول هيل في يناير الماضي، وما تبقى جرفته العاصفة الأفغانية.
   إن كلمة أمريكا، كانت تعني ذات مرة أكثر من اسم بلد... لقد كانت تعكس مثلا أعلى، وكانت مرادفًا للحرية والتحرر، وكانت تحمل أملا للشعوب المظلومة.
   وعندما يعلن جو بايدن، وهو الرئيس الديمقراطي، وبالتالي وريث تقاليد ويلسون، بعد أن تخلى عن شعب في خطر، أن بلاده لن تضحي بدماء أبنائها من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية، علينا أن نواجه الحقائق: انتهت اللعبة، ودخلنا عصر أمريكا ما بعد أمريكا.

باحث مشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية. ألّف عدة كتب عن الأمم المتحدة، نشر مؤخرًا مع آن سيسيل روبرت “من يريد موت الأمم المتحدة؟ “، أحدث منشوراته، “جو المسكين! أمريكا كوفيد-19 كما يراها مطلع».                                                                  


 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot

https://news.asosiasi-emiten.or.id/
https://www.deriheru-navigation.com/
https://stai-barru.ac.id/play/scatter-hitam/
https://blogceta.zaragoza.unam.mx/wp-content/-/buntut77/
https://blogceta.zaragoza.unam.mx/wp-content/app/
https://inlic.org/ojs/scatter-hitam/
scatter hitam
https://www.prosiding.pasca.uniska-kediri.ac.id/tools/sv388/
jurnalprodi.idu.ac.id/public/scatterhitam-1
jurnal.insida.ac.id/tools/sv388
scatter hitam
mahjong scatter hitam
sabung ayam
depo 5k
depo 5000
scatterhitam