من الممكن أن يزدهر إنتاج المواد الأفيونية في بلدان لسد الفراغ

أنجح حملة لمكافحة المخدرات في أفغانستان.. عواقب وخيمة!

أنجح حملة لمكافحة المخدرات في أفغانستان.. عواقب وخيمة!

يبدو أن ثمة انقساماً بين الخبراء بشأن تبعات الحظر الوطني لإنتاج الخشخاش في أفغانستان، بعد “الحرب الأمريكية على المخدرات”، التي شنها الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1971، لأكثر من نصف قرن، والتي لم تكد تؤثر على تجارة الأفيون الأفغانية.
وتقول صحيفة “تلغراف” البريطانية في تحقيق لها إن مزارع أفغانستان تمثل أكثر من 80% من إنتاج الأفيون العالمي. لكن حتى الغزو الأمريكي عام 2001 لم يعطل تدفق المخدرات من الدولة إلى الخارج إلا قليلاً.
 
وفي أبريل (نيسان) من العام الماضي، أصدر القادة الدينيون لحركة طالبان مرسوماً يحظر زراعة الخشخاش في شتى أنحاء أفغانستان. وبعد مرور 12 شهراً على تنفيذ هذا الحظر، وصفه الخبراء بأنه “أنجح جهود ساعية إلى مكافحة المخدرات في تاريخ البشرية».
فقد تراجع إنتاج الخشخاش الأفغاني تراجعاً شديداً بنسبة 80% تقريباً العام الماضي، إذ تنقل رجال إنفاذ القانون من مزرعة إلى أخرى يتلفون المحاصيل وينزلون العقاب بالمخالفين.
 
وتراجعت زراعة الخشخاش في إقليم هلمند الذي أنتج في فترة من الفترات أربعة أخماس الخشخاش في أفغانستان كلها، وكان مركزاً للعمليات البريطانية خلال الفترة بين عامي 2001 و2015، إلى نحو 2500 فدان العام الجاري بعد أن بلغت المساحة المزروعة 320 ألف فدان العام الماضي، بحسب تقديرات مستندة إلى صور الأقمار الاصطناعية.
ويحذر الخبراء من العواقب الوخيمة وغير المتوقعة إذا استمر الحظر على إنتاج الخشخاش، وهي العواقب التي يمكن أن تتجاوز حدود أفغانستان، حسب الصحيفة البريطانية.
 
فمن الممكن أن يزدهر إنتاج المواد الأفيونية في بلدان مثل ميانمار والمكسيك لسد الفراغ الذي أحدثته طالبان، وستترتب على ذلك آثار تطال طرق الاتجار بالمخدرات والعصابات وسلاسل التوريد.
 
ومن الممكن أن يضطر المزارعون الأفغان الذين يعولون على تجارة الخشخاش إلى مغادرة الدولة، مما سيقوض الاقتصاد المحلي بقدر أكبر ويفاقم ضغوط الهجرة غير النظامية على بقاع كبيرة من أوروبا وآسيا وأمريكا.
ونقلت “تلغراف” عن هاري شابيرو، الخبير المقيم في المملكة المتحدة والذي تمتد خبرته إلى 45 عاماً في مجال المخدرات ومدير مؤسسة DrugsWise، قوله: “أعتقد أن مصدر القلق سيتمثل فيما إذا تراجعت إمدادات الهيرويين بقدر كبير – ولن نعلم ذلك يقيناً حتى العام المقبل – فستضخ كميات كبيرة من الفينتانيل في الأسواق.
 وإذا كانت هناك كميات كبيرة من الفينتانيل في الأسواق، أو أي مواد شبيهة لها، فالأرجح أن تترتب على ذلك زيادة أعداد الوفيات بدلاً من حلقة الإدمان الأطول أمداً.
 
 فالناس يدمنون الهيرويين بعد أيام قليلة. لكن أول جرعة من الفينتانيل يمكن أن تكون الأخيرة».
وهذه هي ليست المرة الأولى التي تحاول فيها طالبان تضييق الخناق على إنتاج الخشخاش في أفغانستان التي عانت الأمرين ولفترة طويلة من إدمان الهيرويين. فقد فرض حظر مماثل عام 2000، عندما تقلدت الحركة مقاليد الأمور المرة الأولى.
 لكن ذلك انتهى فعلياً بالتزامن مع الغزو الأمريكي في العام التالي.
 
من السهل نسبياً تخزين الأفيون، وسيستغرق الأمر الإمدادات المخزنة على طول مسار الاتجار في المخدرات خارج أفغانستان 18 شهراً كي تستنفد.
وبعيد الحظر الأخير على الإنتاج، ارتفعت أسعار الأفيون الدولية ارتفاعاً مفاجئاً، وفي المملكة المتحدة تراجعت درجة نقاء الهيرويين المبيع في الشوارع من 55% إلى 34%.
 
يقول شابيرو: “في تلك الفترة، لم يدم الحظر كثيراً. لكن مسار الخشخاش طويل جداً من أفغانستان إلى المملكة المتحدة حتى إنه لا يمكن الجزم بالكمية الجاري نقلها في كل مرة. والحظر الفعلي لم يكن له أثر في حقيقة الأمر على العرض”. أما في سياق الحظر هذه المرة، ينتظر الخبراء ليروا ما إذا كان مرسوم طالبان سيتجاوز موسماً واحداً سيبدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم بالتزامن مع غرس بذور الخشخاش.
 
من الناحية الدينية على الأقل، يبدو أن الحظر ربما كان دائماً. فقد جاء في نص المرسوم الذي أصدره في أبريل (نيسان) 2022 القائد الأعلى الملا هبة الله آخوند زاده أنه:
 
 “على جميع الأفغان أن يعلموا أنه من الآن فصاعــــداً تحظر زراعة الخشخاش حظراً تاماً في شتى أرجاء الدولة. ويحظر عليهم زراعة الخشخاش في أراضيهم. وإذا زرع أحدهم خشخاشاً في أرضه، فسيتلف محصوله وسيتعرض للمساءلة القانونية”. ومع ذلك، فالجانب الاقتصادي للحظر لا يتسق والمنطق.