اجتهاد في مفهوم الفنان
لن ألجأ إلى مفاهيم جاهزة من الكتب الأكاديمية وإنما سأحاول تفسير _ كلمة الفنان _ بناءً على خبرتي المتراكمة المتواضعة، فتفسير معنى الفنان لها عمق مختلف عن التفسير السطحي لدى بعض الفئات بأنه مؤدي، أو مصور، أو ممثل، أو مخرج، أو فنان شعبي، أو موسيقي، أو رسام، أو كاتب.. إلى آخره من مؤديين أجناس الأدب، والثقافة، والفنون، والتراث.
الفنان هو الشخص القادر على تحويل خياله إلى صورة حية متحركة، نرى ذلك جلياً في اللوحة وفي الإخراج السينمائي والمسرحي، وفي الممثل أيضاً عند تجسيد الشخصية، فعندما تدب الروح في العمل الفني فإن صاحبه يكون فنان، هنالك العديد من الأعمال الفنية عندما تراها تشعر بأنها بلا روح كالجسد الميت، فهذا الشخص ممكن أن نطلق عليه بأنه قام بمحاولة فنية، فكم من ممثل على سبيل المثال يؤدي دوره دون أي ملامسة لمشاعر الجمهور، كم من عروض شاهدنها بمجرد أن تبدأ تجد الجمهور ينصرف، وهذا جمهور عام غير متخصص، فماذا لو كان الجمهور عاجن الشغلة سيشعر بضيق تنفس ومغص معوي.
أستطيع أن أطلق على الفنان مخترع، فالفنان لا يقل أهمية عن المخترع، والشيء الذي يجمعهم كما ذكرنا بأن الاثنان يستطيعان تحويل الخيال إلى صورة، فالمخترع يحولها إلى آلة والفنان يحولها إلى عمل فني، فنجد كثير من الأشخاص جمعوا بين الفن والاختراع مثل الرسام ليوناردوا دافنشي( اخترع جهاز لقياس سرعة الريح)، وأديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي، هو نفسه اخترع آلة التصوير السينمائية وتسجيل الصوت والصور المتحركة.
الفنان دائم التفكير، تفكير في حلول فنية، تفكير في لزمة للشخصية، تفكير في مشهد نهاية المسرحية، تفكير في لحن جديد، تفكير في تصميم مختلف، تفكير في كتابة نص مبدع، فهو دائم الاطلاع على أعمال الساحة الفنية لتقديم الأفضل والمختلف وبث الروح في العمل الفني.
استاذي المخرج الكبير عليه رحمة الله، المخرج المسرحي جلال الشرقاوي، كان يقدم أعمالاً فنية تلامس الشعب والمجتمع، فكان دائم الاطلاع على كل ما هو جديد في الصحف والكتب في التلفاز في الشارع المصري، فكان يقدم أعمالاً فيها روح الشعب والمجتمع المصري، والفنان يبدأ بقضايا وطنه فإن لم يجد فقضايا العالم العربي فإن لم يجد فقضايا العالم بأسره حتى تستمر رسالته الفنية.
كنت محظوظاً بأنني تتلمذت على يد عدد من الفنانين القدامى، كنت أرى بعضهم متصوفاً في صومعته، لا يريد الخروج منها، لو لم يكن للمسرح وقت إغلاق لنام بداخله، أتعجب من عشقه ولا أجرأ على سؤاله عن هذا الهيام سوى أن أُحدث نفسي وأقول، كان الله في عونك يا قيس المسرح وعنتر الخشبة.
الفنان هو شخص يصنع الثقافة ولا يديرها فتجد وجهة نظر بعض الفنانين القدامى والحقيقيين بأنه لا تعنيهم المناصب العليا، وتكون وجهة نظره " من خلال تغيير الناس نحو الأفضل برسالته الفنية فيكفيه هذا عن شرف المناصب"، قلما نجد المعنى الحقيقة لكلمة_ الفنان_ متجسدة في شخص في زمننا الحالي، أحبهم ولست منهم، ودمتم بسلام.
