الاعتراف بالقرم.. تسوية محتملة أم بداية تصعيد بين كييف وموسكو؟

الاعتراف بالقرم.. تسوية محتملة أم بداية تصعيد بين كييف وموسكو؟


قالت مجلة «ذا كونفرزيشن» الأمريكية إن لقاء الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول في الـ15 من مايو-أيار، سيُركّز على قضية الأراضي ومن يسيطر عليها، بوصفها أبرز نقاط جدول الأعمال.
وتستخدم روسيا عبارة «الوضع الميداني الراهن» كرمز مُبطّن لقضايا إقليمية أثارت جدلًا متزايدًا خلال السنوات الثلاث الماضية، في إشارة إلى المكاسب الروسية في ساحة المعركة، والضم غير القانوني لأربع مناطق أوكرانية في سبتمبر-أيلول 2022، إضافةً إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو أيضًا عام 2014.

الموقف الروسي
وعبّر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن موقف موسكو بقوله إن «الاعتراف الدولي بشبه جزيرة القرم، وسيفاستوبول، وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وخيرسون، وزابوريجيا كجزء من روسيا، أمرٌ ضروري.»
لكن من الواضح أن هذا الطرح مرفوض تمامًا من قبل أوكرانيا، كما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرارًا.
مع ذلك، قد تُبدي أوكرانيا بعض المرونة تجاه القبول المؤقت بسيطرة روسية على أجزاء من أراضيها ذات السيادة، في ظل تعقيدات الوضع الميداني. 

القيمة الاستراتيجية
تتمتع الأراضي التي تسيطر عليها روسيا حاليًّا وتدّعي ملكيتها بقيمة استراتيجية واقتصادية ورمزية متفاوتة بالنسبة لموسكو وكييف.
وتشمل المناطق ذات القيمة الاستراتيجية الكبرى، شبه جزيرة القرم، والأراضي الواقعة على شواطئ بحر آزوف، والتي تُوفر لروسيا ممرًّا بريًّا يربطها بالقرم. وقد يؤدي الاعتراف الدولي بالقرم كجزء من روسيا، كما تقول أنه وارد في اتفاق توصّل إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، إلى توسيع نطاق المناطق البحرية التي تزعم موسكو سيادتها عليها في البحر الأسود.
ومن شأن ذلك أن يمنح الكرملين منطلقًا لشن هجمات جديدة على أوكرانيا، وتهديد الجناح البحري الشرقي لحلف الناتو، وخصوصًا رومانيا وبلغاريا. لذا، فإن أي اعتراف دائم بسيطرة روسيا على هذه المناطق يُعدّ أمرًا غير مقبول بالنسبة لأوكرانيا وشركائها الأوروبيين.

القيمة الاقتصادية
أما منطقتا دونيتسك ولوغانسك، فهما أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية مقارنة بالقرم وخيرسون وزابوريجيا، لكن لهما قيمة اقتصادية كبيرة بفضل الموارد الطبيعية الموجودة فيهما.
وتتضمن هذه المناطق أيضًا محطة زابوريجيا النووية، وهي الأكبر في أوروبا، فضلًا عن قوة عاملة كبيرة يُقدّر عددها بين 4.5 و5.5 مليون نسمة؛ ما يجعلها بالغة الأهمية في جهود إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب.
وإلى جانب القيمة الاستراتيجية والاقتصادية، تُمثل الرمزية المرتبطة بالسيطرة على هذه الأراضي العقبة الكبرى أمام التوصل إلى اتفاق، في ظل تباين مواقف موسكو وكييف.
فبالنسبة للطرفين، تُجسّد السيطرة على هذه المناطق، أو خسارتها، معنى النصر أو الهزيمة في الحرب.

اعتراف ضمني
قد يتمكن بوتين من تصوير بعض المكاسب الإقليمية منذ بدء الحرب في فبراير-شباط 2022 على أنها نصر روسي.
ولكن حتى بالنسبة إليه، فإن أي تسوية تقتضي بالتخلي عن أراضٍ تسيطر عليها روسيا ستكون مقامرة محفوفة بالمخاطر على استقرار نظامه.
وعلى الجانب الأوكراني، فإن أي شيء أقل من استعادة وحدة أراضي البلاد ضمن حدود عام 1991 سيُعدّ بمثابة اعتراف ضمني بالهزيمة؛ ما قد يُهدد استقرار حكومة زيلينسكي، التي تستند رؤيتها السياسية إلى العودة إلى حدود ما قبل 2014.
وبالتالي، أصبحت القيادة الأوكرانية أسيرة استراتيجيتها الإعلامية الخاصة، التي تضع «استعادة جميع الأراضي» على رأس معايير النصر، ورغم أن هذا الهدف يحظى بشعبية داخلية، فإنه صعب التحقيق في الظروف الراهنة.

أداة جيوسياسية
وبعيدًا عن التداعيات المحلية لأي تنازلات إقليمية قد تُجبر أوكرانيا على تقديمها، هناك سبب آخر يجعل القضية الإقليمية شديدة التعقيد، يتمثل في أن السيطرة على الأراضي التي لطالما كانت أداةً جيوسياسية في يد روسيا لفرض نفوذها على جيرانها، من مولدوفا إلى جورجيا وأرمينيا وأوكرانيا.
ومن المهم التذكير بأن مطالب روسيا الإقليمية توسعت تدريجيًّا منذ عام 2014؛ فحتى سبتمبر-أيلول 2022، كانت روسيا تطالب فقط بشبه جزيرة القرم.
لذلك، لا يوجد ما يضمن أن أي تنازل إقليمي تقدمه كييف الآن سيضع حدًّا دائمًا لطموحات موسكو التوسعية.
وفي هذا السياق، يُثير القلقَ تصريح مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الذي كرر في مقابلة مع موقع «بريتبارت» الإخباري، الرؤية الأمريكية الداعية إلى التوصل لتسويات وسط بشأن السيطرة على الأراضي.