البعد النووي بكل تسوية لحرب أوكرانيا.. شبح يؤجل السلام
قال خبيران في شؤون الأمن الدولي، إن أي تسوية سياسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا ستظل ناقصة ما لم تتناول البعد النووي ودوره في سلوك روسيا وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي بعد الحرب. وأضاف الكاتبان أن النقاشات الجارية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا ومعظم الدول الأوروبية تركز على الترتيبات الإقليمية والأمنية، لكنها تتجاهل علناً ملفاً بالغ الحساسية يتعلق بالردع النووي والابتزاز النووي في مرحلة ما بعد الحرب. وأوضح الكاتبان ستيفن سيمبالا، أستاذ متميز في العلوم السياسية في جامعة ولاية بنسلفانيا؛ ولورانس ج. كورب، قبطان سابق بالبحرية الأميركية شغل مناصب رفيعة في مؤسسات الأمن القومي ووزارة الدفاع الأمريكية خلال إدارة ريغان، في تحليل مشترك بموقع مجلة «ناشونال إنترست» الأمريكية، أن هذا الغياب ليس تفصيلاً تقنياً، بل ثغرة استراتيجية قد تفتح الباب أمام أزمات أخطر مستقبلاً.
من التخلي النووي إلى الغزو
أشار التحليل إلى أن أوكرانيا تخلّت في تسعينيات القرن الماضي عن ترسانتها النووية ووسائل إيصالها مقابل تعهدات دولية، شاركت فيها روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا، تضمن سيادتها وسلامة أراضيها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأضاف الكاتبان أن الغزو الروسي عام 2022 جعل تلك الضمانات عديمة القيمة عملياً.
وتابع التحليل أن كثيراً من الأوكرانيين لا بد أنهم تساءلوا عما كان سيحدث لو احتفظت بلادهم بجزء من تلك الترسانة، رغم افتقارها آنذاك لرموز الإطلاق ومنظومات القيادة والسيطرة الروسية.
وأوضح الكاتبان أن تطوير قدرة نووية محدودة كان ممكناً على المدى الطويل، لولا اختيار كييف الالتزام بمسار منع الانتشار النووي.
شبح النووي يخيّم
على المفاوضات
قال الكاتبان إن مسألة السلاح النووي، رغم غيابها عن المقترحات الرسمية، تظل حاضرة كشبح بانكو في مسرحية شكسبير «ماكبث»، أي عنصر غير مرئي لكنه مؤثر. فمنذ بداية الحرب، لم يتوقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن التلويح باستخدام السلاح النووي، صراحة أو ضمناً، إذا ما تعرضت قواته لهزيمة حاسمة أو بدا أن نظامه مهدد.
وأضاف التحليل أن هذه التهديدات لعبت دوراً في كبح واشنطن وحلف الناتو عن تزويد أوكرانيا ببعض الأسلحة بعيدة المدى والمتقدمة، التي كان يمكن أن تُلحق أضراراً استراتيجية بالبنية العسكرية والاقتصادية الروسية.
ضمانات أمنية ناقصة
أوضح الكاتبان أن روسيا أعلنت بوضوح رفضها انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي ضمن أي تسوية سياسية، وأضافا أن هذا الرفض يطرح سؤالاً محورياً: ما البديل الأمني الذي سيمنع تكرار العدوان الروسي؟. وأشار التحليل إلى أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا يوفر رادعاً عسكرياً حقيقياً، في حين أن إعادة تسليح الدول الأوروبية، رغم انطلاقها، ما زالت بعيدة عن تحقيق توازن ردع مستدام. ومع تحسن القدرات التقليدية للناتو، يبقى الخلل الأكبر في الردع النووي.
اختلال الردع النووي
قال الكاتبان إن أحد أخطر عناصر عدم الاستقرار يتمثل في التفاوت الكبير بين الترسانة الروسية من الأسلحة النووية غير الاستراتيجية (التكتيكية) وتلك المتاحة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وأضافا أن امتلاك فرنسا وبريطانيا لقدرات نووية مستقلة لا يعني بالضرورة توفرها تلقائياً للدفاع الجماعي ضمن الناتو.
وأوضح التحليل أن الطبيعة التوافقية للحلف، التي تتطلب إجماعاً سياسياً قبل أي قرار نووي، تُضعف قدرته على تقديم ردع نووي مقنع في حالات الابتزاز الروسي.
أربعة بروتوكولات
نووية ضرورية
تابع الكاتبان أن أي اتفاق سلام جاد يجب أن يتضمن أربعة التزامات واضحة:
1. الامتناع عن التهديد النووي
التزام جميع الأطراف بعدم استخدام الخطاب النووي كأداة ضغط سياسي أو عسكري.
2. منع الانتشار في أوكرانيا ومحيطها
التزام أوكرانيا بعدم تصنيع أو نشر أسلحة نووية، مقابل تعهد روسي بعدم نشر أسلحة نووية تكتيكية في الأراضي الأوكرانية الخاضعة لسيطرتها أو في دول مجاورة لأوكرانيا.
3. إحياء اتفاقيات الحد من التسلح
استئناف مفاوضات اتفاق «نيو ستارت» عبر تمديده لعام إضافي قبل انتهاء صلاحيته في فبراير -شباط 2026، مع بحث الشفافية والقيود على الأسلحة النووية غير الاستراتيجية.
4. تنظيم أسلحة الجيل الجديد
إدراج أنظمة الأسلحة النووية المستقبلية ووسائل إيصالها ضمن أي مفاوضات مقبلة للحد من التسلح.
سلام بلا نووي.. سلام هش
خلص الكاتبان إلى أن تجاهل البعد النووي في تسوية حرب أوكرانيا قد يحقق هدوءاً مؤقتاً، لكنه يزرع بذور صراع أخطر في المستقبل، وأضافا أن السلام المستدام لا يقوم فقط على وقف إطلاق النار، بل على إدارة مصادر التهديد الاستراتيجي، وفي مقدمتها السلاح النووي.
وختم التحليل بالتأكيد على أن أي اتفاق لا يعالج الردع النووي والابتزاز النووي سيبقى سلاماً هشاً، قابلاً للانهيار عند أول اختبار جدي لإرادة الأطراف.