قصف في كل الاتجاهات

التوتر بين واشنطن وبكين: الهدوء قبل عودة العاصفة...؟

التوتر بين واشنطن وبكين: الهدوء قبل عودة العاصفة...؟

-- ركز أوباما أيضًا على التهديد الصيني، لكن ترامب غيّر قواعد اللعبة
-- لا يتوقف العملاقان، عن تهديد بعضهما البعض راسمين صورة النظام العالمي الجديد
-- بين شي  جين بينغ ودونالد ترامب، كل الوسائل جيدة لإزعاج الآخر
-- في عملية ليّ الذراع هذه على مستوى القمة، لا يوجد موضوع تافه


بين هذين العملاقين معركة طويلة الأمد في كل الاتجاهات، معركة شرسة من أجل زعامة العالم ... مع بعض الصحو وانقشاع الغيوم في بعض الأحيان. على غرار السبت، عندما اجتمعت الولايات المتحدة والصين لمناقشة متابعة الاتفاقية الموقعة في يناير، والتي من المفترض أن تمثل هدنة في الحرب التجارية التي أطلقتها الإدارة الأمريكية في مارس 2018.
 منذئذ، وأسواق الأسهم، المحمومة، ترقص على إيقاع العقوبات وردود الفعل والتهدئة. انها مباراة ملاكمة مذهلة الضربات فيها رسوم جمركية على مئات المليارات من اليورو في التجارة الثنائية.  

من غير المرجح أن تستمر هذه الهدنة ما بعد نهاية الأسبوع، ففي الأيام القليلة الماضية وحدها، تراكمت عوامل الخلاف بسرعة فائقة، وفي عملية ليّ الذراع هذه على مستوى القمة، لا يوجد موضوع تافه، حتى معاهد كونفوشيوس.
    فقد صنفت واشنطن الخميس الماضي هذه المنظمات التي تدرّس اللغة والثقافة الصينية في الخارج (75 في الولايات المتحدة) على أنها “بعثة دبلوماسية” يُشتبه في قيامها بدعاية سلسة مؤيدة لبكين، وستصبح هذه المعاهد الآن تحت رقابة لصيقة أكبر... “شيطنة!” ، ردت الصين متقرّحة.

   الشيء نفسه عندما أمرت الولايات المتحدة ببيع تيك توك الصينية في مطلع أغسطس: أمامها حتى أوائل سبتمبر للعثور على مشتر أمريكي، وإلا فسيتم حظرها على الأراضي الأمريكية (مثل التراسل الفوري وي شات). هذا التطبيق، لمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة، شائع بين المراهقين، تتهمه واشنطن بانه فخ لأجهزة المخابرات الصينية.
  «ترويع”، صرخت هذه المرة بكين، وقد هزّها مرة أخرى اعتداء “العم سام” قبل عام على بطلها الوطني هواوي المشتبه في قيامه بـ “التجسس” لصالح امبراطورية الوسط. ففي أغسطس 2019، منع المكتب البيضاوي الشركات الأمريكية من التعامل مع عملاق الاتصالات (الرائد في الجيل الخامس) ومارس الضغط على حلفائه لمقاطعته.

«دونالد ترامب لا يفهم
 تمامًا ما هو تيك توك»
   وقبل هجوم الولايات المتحدة في أغسطس على التكنولوجيا المتقدمة، كانت بداية الصيف متوترة بشكل خاص على الجبهة الدبلوماسية. تبادل “المجاملات” حول التبت، وعقوبات ضد القادة الصينيين المتهمين بارتكاب “انتهاكات خطيرة” لحقوق أقلية الأويغور في مقاطعة شيجيانغ، وانتقام أمريكي بعد اعتماد قانون أمني يهدد الحريات في هونغ كونغ ... وفي كل مرة، صاحت بكين ضدّ “التدخل».    ارتفعت النبرة وعلت الى درجة أن ترامب أمر في أواخر يوليو بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، المتّهمة بأنها عش جواسيس. وبعد ثلاثة أيام طُلب من القنصلية الأمريكية في تشنغدو حزم حقائبها لنفس الأسباب!

واشنطن “تلعب بالنار»
   يوم الاثنين الماضي، دغدغ البيت الأبيض أكثر الحساسية الإقليمية للصين، من خلال إرسال وزير الصحة إلى تايوان لتحية إدارتها لازمة فيروس كورونا (7 وفيات لـ 23 مليون نسمة). وأثارت زيارة المجاملة العادية هذه غضب بكين التي اتهمت واشنطن “باللعب بالنار».
  إن الصين، التي تعتبر هذه الجزيرة المستقلة (اعتدنا أن نقول الصين القومية لتمييزها عن الشيوعية) إحدى مقاطعاتها، لا تتسامح مع إمكانية إقامة علاقات معها. ومن المؤكد أن إتمام عقد لشراء مقاتلات أمريكية من طراز اف 16 (قد يصل الطلب إلى 90 طائرة) سيثير غضب الرئيس الصيني. لأنه لئن أعلن البنتاغون، مساء الجمعة، عن توقيع هذا العقد المثير (حتى 62 مليار دولار على مدى 10 سنوات) دون تحديد الدولة المشترية، فالجميع على علم ان هذه الدولة هي تايوان.

معركة الجبابرة
   وبالنظر إلى مجموعة المنازعات، يبدو أن هناك معتد أمريكي هائج امام خصم صيني اسكرته الضربات. “خاطئ، تشرح فاليري نيكيت، رئيسة قسم آسيا في مؤسسة البحوث الاستراتيجية، في مطلع ولايته، حاول ترامب عقد صفقات، لكنه أدرك أن شي (عيّن رئيسًا عام 2012) الذي راه رائعا في البداية، لن يحترم الاتفاقيات، لذلك مارس الضغط وفتح مربع العقوبات. لقد ركز أوباما أيضًا على التهديد الصيني، الا ان ترامب غيّر قواعد اللعبة باختيار طريقة القوّة لمواجهة عدوانية شي».
  ان معركة الجبابرة هذه، التي كانت تطبخ على نار هادئة منذ سنوات، تكهربت مع فيروس كورونا. بعد أن تورط في إدارته الكارثية للوباء الذي قد يكلفه إعادة انتخابه في نوفمبر، أطلق ترامب النار على بكين، التي “تسببت عدم كفاءتها، حسب قوله، في هذه المذبحة الجماعية العالمية».
   قد نتفهم المنطق الذي يدفع الرئيس المرشح إلى إلقاء اللوم على “الفيروس الصيني” لإخفاء ضياعه، “ولكن ان نجعل منه مجرد موضوع انتخابي، فإن ذلك يعني نسيان عنف هذه المواجهة، يقول المؤرخ المتخصص في الولايات المتحدة، جان إريك برانا، لقد بدأت قبله، وستستمر من بعده».