سياسيون يخشون إفشال محاولات توحيد المؤسسة العسكرية

الصراعات تدفع لييبا إلى حافة النار.. والعنف يتوسع

الصراعات تدفع لييبا إلى حافة النار.. والعنف يتوسع


المشهد السياسي الليبي أصبح على حافة من النار بعد أن توسعت دائرة العنف في البلاد، وذلك بعد فترة طويلة من الهدوء واحتواء المواقف بين العديد من الكتائب المسلحة.
ووفق صحف عربية صادرة أمس الاثنين، أبدى سياسيون تخوفهم من إقدام الميليشيات في غرب البلاد على إفشال محاولات توحيد المؤسسة العسكرية، من خلال تغولها وفرض سطوتها على الأرض، بعد تجدد الاشتباكات المسلحة بين عناصرها في طرابلس.

اجتماع إسطنبول
وتناولت صحيفة “العرب” اللندنية تفاصيل تغريدة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني ويليامز، والتي تزامنت مع تحركات عسكرية قامت بها مجموعات مسلحة موالية لرئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا في مصراتة وطرابلس، تنبيهاً لوجود توافق دولي تم في اجتماع عقد في إسطنبول الخميس على دعم التوافق الحاصل بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.
وذكرت الصحيفة أن التنبيه كان موجهاً إلى باشاغا والجهة الإقليمية التي تقف خلفه، والتي من المرجح أن تكون قد موّلت المجموعات المسلحة التي عادت مجدداً إلى صفه، بعد أن اتخذت الحياد خلال الفترة الماضية.
ونقلت الصحيفة عن ويليامز قولها عبر حسابها في تويتر، إنها “دُعِيَت الخميس في إسطنبول إلى حضور اجتماع بضيافة الحكومة التركية حضره مسؤولون كبار من مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة».
وطالب المجتمعون بالتهدئة، خصوصاً في غرب ليبيا حيث تتصارع المجموعات المسلحة على السلطة وتمارس ضغوطاً على الأطراف السياسية. كما أكدوا على ضرورة حماية استقلالية المؤسسات السيادية وحيادها، بما في ذلك المؤسسة الوطنية للنفط، من أجل إبعادها عن التجاذبات السياسية.
وتشير تسريبات إلى أن اتفاقاً تم بين حفتر والدبيبة يقضي بإقالة صنع الله وتعيين بن قدارة ودفع ديون مستحقة على المؤسسة العسكرية ومتراكمة منذ حرب طرابلس، مقابل فك التحالف مع فتحي باشاغا ودعم البرلمان لتعديل حكومي سيجريه الدبيبة على حكومته، وهو ما سيرفع أي شرعية عن حكومة باشاغا.

خطرمتزايد
فيما قالت صحيفة “اندبندنت عربية” إن الصدام العسكري الذي شهدته مصراتة بين كتيبتي القوة المشتركة ولواء المحجوب والذي أسفر عن مقتل عنصر من الثانية، يأتي بعد ساعات من عودة الهدوء إلى العاصمة طرابلس، وتلا اشتباكات هي الأعنف منذ بداية العام بين الميليشيات المتنافسة على النفوذ التي أوقعت 16 قتيلاً بينهم مدنيون، ما تسبب بموجة انتقادات محلية ودولية لكل الأطراف التي شاركت في هذه الأحداث مع وعيد بمحاسبتهم على أفعالهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن مدينة مصراتة (شرق طرابلس) تنفست الصعداء بعد نجاح قيادات محلية في التوصل إلى اتفاق على إيقاف الاشتباكات المسلحة بين القوة المشتركة التابعة لحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة ولواء المحجوب المؤيد لحكومة باشاغا، على الطريق الساحلي في ضواحي المدينة.
ورأى المحلل السياسي محمد العمامي أنه “لا خشية على مصراتة من اندلاع صراع كبير وطويل فيها لأن قيادات المدينة تعي خطورة هذا الأمر، وتدرك أن أمنها أهم من أي صراع سياسي يدور حالياً بين طرفين سياسيين».
واعتبر العمامي بحسب الصحيفة أن “ما يحدث في مصراتة مختلف تماماً عما يجري في طرابلس فتركيبة المدينة متماسكة، بينما الخلافات المسلحة في العاصمة تشعلها كتائب منتمية لمدن مختلفة لذا ما يحدث فيها أصعب وأخطر».
فيما اعتبر الصحافي الليبي وليد الشيخي أن “هذه التهديدات بات واضحاً أنها لا تستخدم إلا للاستهلاك الإعلامي فقط، ولن تحدث فارقاً يذكر على أرض الواقع».
وشكك الشيخي وفق الصحيفة، في جدية التهديدات الغربية تجاه أمراء الحرب في ليبيا، وقال “لو كان المجتمع الدولي جاداً في ملاحقة قادة المجموعات المسلحة فإنه من السهل عليه جلبهم للعدالة، لأن ليبيا ما زالت واقعة تحت قانون العقوبات الصادر عن مجلس الأمن بحسب القرار 1973 لعام 2011، والذي فيه بنود عدة تطلق يد العدالة الدولية لجر من يشكلون خطراً على سلم البلاد للمحاكمة، وهنا يتضح عدم توفر الإرادة الدولية لاستثمار هذه الصلاحيات وتظل الأسباب محيرة».

جولة جديدة من الصراعات
ومن جانبها، قالت صحيفة “الخليج” في افتتاحيتها إنه بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، من جرّاء تدخل حلف الأطلسي، دخلت ليبيا في فراغ أمني، سارعت قوى دولية إلى سده من خلال العمل على تشكيل ميليشيات مسلحة، عبر قوى سياسية محلية وقبلية، وتركت الساحة مفتوحة على مصراعيها لجماعات إرهابية، ومن بينها تنظيم “الإخوان”، والهدف الهيمنة على ثروة البلاد النفطية، والتحكم بالتالي بشروط أي حل سياسي ممكن.
وأوضحت الصحيفة أن ما جرى في ليبيا، جرى في دول عربية أخرى، في إطار ما يُسمى بـ”الربيع العربي”، الذي كان تعبيراً عن “الفوضى الخلّاقة”، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها الإدارات الأمريكية، لتدمير دول عربية، وإقامة أنظمة بديلة، تخدم السياسات الأمريكية، وتم من أجل ذلك اعتماد تشكيلات الإسلام السياسي بمختلف مسمياته، كي تكون الرافعة لتحقيق هذا الهدف.وأوضحت الصحيفة أن الساحة الليبية، ظلت مسرحاً للإرهاب والميليشيات، وفشلت كل المحاولات التي بُذلت، خلال السنوات الماضية، في وضع حدّ لها، على الرغم من الاجتماعات واللقاءات التي عقدت على المستويات الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن، حتى بدا وكأن هذه الميليشيات أقوى من الجميع؛ بل إن استعصاء هذه الميليشيات تفاقم، بعد رفدها بجماعات من المرتزقة والقوات الأجنبية، والتي تحولت إلى رديف لها، واتخذت منها أداة استقواء في رفض كل الحلول السياسية المطروحة، وتجاهل كل الدعوات لحل الأزمة الليبية.
كما أكدت الصحيفة أن اشتباكات طرابلس الأخيرة تمثل خطراً على إمكانية تحول هذه الاشتباكات إلى جولة جديدة من الصراع الممتد، إذا لم يتم تدارك الأمر، من خلال وضع القرارات الدولية موضع التنفيذ، وتطبيق كل مخرجاتها بحزم، والتخلي عن منطق المجاملة أو التجاهل، خدمة لأغراض سياسية، قد تؤدي إلى عواقب خطرة.
 وأشارت إلى أن أي مبادرة للحل، يجب أن تنطلق من قاعدة حل الميليشيات التابعة للأحزاب والجماعات القبلية والجهوية، أو دمجها بالأجهزة الأمنية.  وتابعت “إن مثل هذه الخطوة هي التي تضع الحصان أمام العربة، وغيرها سوف يكون مجرد حرث في بحر الأزمة، ولا يمكن تحقيق أي حل على قاعدة الوصول إلى سلام دائم، إذا لم يتم قطع دابر الميليشيات، لأنها تملك السلاح المنفلت، والهيمنة على القرار الأمني، وسلطة الأمر الواقع، إضافة إلى أنها لا تملك الشرعية في أن تكون بديلاً لسلطة قوية وقادرة، وتمثل كل الشعب الليبي».

رفض العودة للقتال
ومن جانبه، قال وزير الدفاع الليبي السابق محمد محمود البرغثي، إن ما تعهد به العسكريون النظاميون من رفض العودة للاقتتال، وما حظي به اجتماعهم الأخير في طرابلس من رعاية قيادات سياسية بالشرق والغرب الليبي “طمأن كثيرين من قيادات الميليشيات بأنهم ليسوا في موضع الاستهداف، وبالتالي لم يقدموا على إظهار انزعاجهم من الأمر».
ورأى البرغثي لصحيفة “الشرق الأوسط” إن الميليشيات يمكنها دائماً في ظل قوتها التسليحية وسيطرتها على قواعد عسكرية بالعاصمة وضواحيها، الضغط على قيادات الدولة لوقف أي تمويل يخصص للمؤسسة العسكرية الموحدة، متسائلاً: “كيف نجحت الميليشيات تدريجياً خلال السنوات الماضية في التحول إلى جيش موازٍ، والحصول على حصة معتبرة من ميزانية الدولة؟».

وتابع العسكري الليبي قائلاً “هم يدركون جيداً أن تلك القيادات السياسية لن تمضي في أي خطوات تصعيدية بمواجهتهم”، لافتاً إلى “اعتماد كل من رئيسي الوزراء المتنازعين على الحكومة: عبد الحميد الدبيبة، وفتحي باشاغا، على ميليشيات لحمايتهما».
ولا يستبعد البرغثي أن تكون الاشتباكات الأخيرة في طرابلس “مجرد أحداث مفتعلة لإظهار سطوة أمراء الحرب من قيادات الميليشيات بالساحة الليبية، ومقارنة ذلك بما أحدثه بيان العسكريين من أثر بهدف التقليل منه».

وطالب بعدم السماح للعسكريين الذين انضموا إلى تلك التشكيلات بالانضمام إلى الجيش الموحد متى خرج للنور، وأن ترافق تأسيسه خطط لجمع السلاح وإخراج القوات الأجنبية من البلاد.

في السياق ذاته، أشار المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير، إلى احتمالية أن تكون الاشتباكات التي دارت رحاها بين جهاز “الردع” وكتيبة “ثوار طرابلس” أخيراً، هي البداية الجدَّية لتأسيس الجيش الموحد، عبر تحجيم تشكيلات العاصمة، بتوجيهات صدرت من سفارات خارجية نافذة التأثير بالمشهد الليبي.ودعا الكبير في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، إلى ضرورة التفريق بين تشكيلات تعارض تأسيس جيش موحد، لرفضها ترك السلاح وحصره في يد المؤسسة الجديدة، وبين تشكيلات وقوى لديها تخوفات مشروعة بإمكانية استغلال هذا الجيش الموحد سياسياً، وخصوصاً من قبل قيادات الشرق العسكرية، بهدف الوصول للسلطة.

ورهن الكبير مساعي توحيد المؤسسة العسكرية بإيجاد مرجعية له، وهي وضع دستور يحدد أهدافه وعقيدته، مشيراً إلى أن أغلب التشكيلات التي بات لها تمثيل رسمي، وتتبع وزارة الدفاع أو المجلس الرئاسي، قد تبادر بالانضمام إليه بشكل فردي، إذا ما قُدمت لها إغراءات مالية وتعهدات بعدم الملاحقة، لكنه استدرك أن “هذا لا يعني السماح لمن أدين بارتكاب جرائم حرب بالانضمام إلى هذا الكيان العسكري».