برلين وأنقرة أمام اختبار جديد.. هل تعيد قمة أردوغان وميرتس إحياء العلاقات؟

برلين وأنقرة أمام اختبار جديد.. هل تعيد قمة أردوغان وميرتس إحياء العلاقات؟


يلتقي المستشار الألماني، فريدريش ميرتس أمس الخميس في العاصمة أنقرة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما تنتظر زعيمي البلدين اللذين يتبنيان نهجين سياسيين مختلفين، ملفات عديدة تستوجب التنسيق والاتفاق.
ووفقًا للبيانات الرسمية الصادرة في برلين وأنقرة، فإن اللقاء الذي جاء بدعوة من الرئيس التركي أردوغان، سيشهد مناقشة العلاقات التركية الألمانية من كافة الجوانب، وتقييم الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.وقال نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، ستيفن ماير، إن “هذه الزيارة بالغة الأهمية لنا، فتركيا تلعب دورًا محوريًّا ليس فقط بصفتها عضوًا في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، بل أيضًا بصفتها محاورًا في كثير من القضايا السياسية».
ومن جانبه، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية برهان الدين دوران، إن من بين القضايا المقرر بحثها خلال الزيارة، ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي والتحديات الأمنية الإقليمية والدولية.

قيادة أوروبية
تُعتبر ألمانيا القوة المحركة للاتحاد الأوروبي، وتسعى لتجاوز خلافاتها مع تركيا حول العديد من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، والتركيز على دور أنقرة في “الناتو” وموقعها الإستراتيجي قرب أوكرانيا وروسيا والشرق الأوسط غير المستقر.
وتريد ألمانيا تأكيد نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي، وقيادة علاقة مع أنقرة تعتمد على البراغماتية السياسية التي تتبعها أيضًا تركيا في علاقاتها المتنوعة مع الدول، بحيث تركز على التعاون في قضايا محددة بدلًا من السعي لتحالف إستراتيجي طويل الأمد يصعب الوصول إليه.
وتركز برلين في علاقتها مع أنقرة، حول 3 ملفات بشكل رئيسي، هي: الأمن والدفاع، والعلاقات الاقتصادية، والهجرة، وهي 3 قضايا ظلت حاضرة في السنوات الماضية في علاقة البلدين.

أمن أوروبا
سيسعى المستشار الألماني لاتفاق تعاون مع تركيا في قطاعي الدفاع والأمن، يتجاوز حدود تعاونهما الماضي، بهدف الاستفادة من أنقرة التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف “الناتو”، ولديها موقع جيوستراتيجي، وقدرات عسكرية وصناعة دفاعية متنامية، تتصدرها المسيّرات التي تبيعها لأوكرانيا بجانب احتفاظها بعلاقة مع روسيا التي تمر سفنها في مضيق البوسفور التركي.
وتسعى ألمانيا من وراء تلك الخطوة مع أنقرة، لإعادة تشكيل الإطار الأمني الأوروبي بعد أن زادت شكوك الدول الأوروبية في التزام واشنطن بالأمن الأوروبي عقب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيادة البيت الأبيض.
وظهرت بوادر ذلك التوجه الألماني في يوليو-تموز الماضي عندما تخلت برلين عن اعتراضها على بيع مقاتلات “يوروفايتر تايفون” الأوروبية المتطورة، لأنقرة بعد رفضها ذلك الطلب منذ العام 2023.

استقرار الشرق الأوسط
لا يقلّ اهتمام برلين بحدود تركيا الشمالية القريبة من روسيا وأوكرانيا، عن حدودها الجنوبية المطلة على الشرق الأوسط المضطرب، حيث تتواجد حليفتها إسرائيل هناك، ويصل العدد الأكبر من اللاجئين الفارين من الاضطرابات إليها عبر تركيا.
كما تُعد أنقرة أوثق حليف للحكومة السورية الحالية التي وصلت للسلطة قبل 11شهرًا بعد الإطاحة ببشار الأسد عقب صراع دموي اندلع بعد العام 2011، لتملأ أنقرة الفراغ الذي تركه حلفاء الأسد، مثل: روسيا وإيران.
ومن شأن التعاون الذي تسعى إليه برلين مع أنقرة، أن يحقق بعض التعافي للاقتصاد السوري المنهار، ويُسهم في توقف قدوم لاجئين سوريين جدد لألمانيا،
 بجانب إمكانية عودة لاجئين من ألمانيا لبلدهم إذْ شهِدَ استقرارًا اقتصاديًّا وأمنيًّا، وتريد ألمانيا أن يمتد عبر ضمانات تركية ليشمل أمن إسرائيل التي تتشارك الحدود مع سوريا، ويسهم باستقرار الشرق الأوسط.
ويمتد اهتمام برلين باستقرار الشرق الأوسط، إلى عملية السلام الجارية بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني بعد عقود من الصراع الذي يؤثر في الداخل الألماني، حيث يعيش نحو 3 ملايين تركي أو ألماني من أصول تركية، وكثير منهم أكراد وبينهم نشطاء سياسيّون.
أولوية الاقتصاد
بجانب ملفات الدفاع والأمن والهجرة، يحتل الاقتصاد على الدوام مكانة متقدمة في علاقة برلين وأنقرة حتى في ذروة الخلافات والتوتر بينهما، إذ تُعد ألمانيا أحد أهم الشركاء التجاريين والمستثمرين الأجانب لدى تركيا، وفي عام 2023، وصل حجم التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 55 مليار يورو. 
وتشارك الشركات الألمانية بشكل متزايد في مشاريع تتعلق بطاقة الرياح والطاقة الشمسية، بينما باتت المحطة القادمة، هي صناعة الدفاع بعد صفقة طائرات جديدة مع ذخيرتها تشارك برلين في تصنيعها مع بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا.

الموقف التركي
تسعى أنقرة من خلال تعاونها الجديد مع ألمانيا، لأن يكون مقدمة لانضمامها بعضوية كاملة إلى الاتحاد الأوروبي الذي توصف فيه بـ “المرشح الأبدي” بعد أن ظلت ألمانيا المعارض الرئيسي لانضمامها منذ ترشيحها عام 1999 بشكل رسمي.ويمثل ضم تركيا للاتحاد الأوروبي تحالفًا إستراتيجيًّا لم تفضله برلين في السنوات الماضية،
 وسعت بدلًا منه إلى علاقة مصالح محددة مع أنقرة التي تتبنى تركيا البراغماتية السياسية مقابل علاقات وثيقة مع اليونان وإسرائيل.
ويمكن اعتبار الموقف الألماني الذي سمح لأنقرة بتوقيع صفقة شراء 40 مقاتلة “يوروفايتر تايفون”،
 تعويضًا عن مطلب العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، لكن من غير الواضح إن كان سيرضي أنقرة كي تنخرط في تعاون أعمق مع ألمانيا.