بسبب تايوان الموضوع الأكثر سخونة بين الصين و الولايات المتحدة : بكين وواشنطن تستعدان للأزمة المقبلة

بسبب تايوان الموضوع الأكثر سخونة بين الصين و الولايات المتحدة : بكين وواشنطن تستعدان للأزمة المقبلة

منذ أن اتفق جو بايدن وشي جين بينغ على إعادة ما يشبه الحوار بين بلديهما، زادت التبادلات بين ممثليهما ، مما أعطى الانطباع بأن القوتين الرائدتين على هذا الكوكب أصبحتا مُدرِكتين للحاجة إلى تجنب مواقف الأزمات كما كان الحال خلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. في مناسبتين على الأقل، اقترب العالم من الحرب العالمية الثالثة.  وقد دفع خطر المواجهة النووية واشنطن وموسكو إلى بدء مناقشات ضرورية للحفاظ على السلام على نطاق عالمي.

 إن الوضع بين الأميركيين والصينيين مختلف اليوم، حيث أن معارضتهم ليست على أسس إيديولوجية. وبكين، على عكس موسكو حتى الثمانينيات، لا تسعى إلى تصدير نموذج سياسي. ورغم أن بعض المسؤولين الأميركيين يحاولون أحياناً التلويح بالتهديد الشيوعي لمحاولة حشد الرأي العام ضد الصين، إلا أن المعارضة الحقيقية بين البلدين تكون على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي.
 لكن هذا لا يعني أن خطر الصراع المسلح قد انتهى بين واشنطن وبكين. وعلى الرغم من وجود تصريحات وقرارات لدى الجانبين من شأنها أن تزيد من حدة التوتر، إلا أنه لم تكن هناك حتى الآن لحظة أزمة مماثلة لتلك التي حدثت في عام 1962 عندما دفعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي العالم إلى حافة هاوية حرب نووية.

خط أحمر
ولا يسعنا إلا أن نفرح بذلك. ومع ذلك، يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن الصينيين والأميركيين يهيئون الظروف الملائمة لمثل هذه اللحظة، على الرغم من الحكم الإيجابي على استئناف الاجتماعات الثنائية. وما حدث في 31 مايو/أيار بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الصيني دونغ جون على هامش حوار شانغريلا في سنغافورة هو مثال على ذلك. ومن الواضح أن هذا الاجتماع الأول منذ عامين بين مسؤولين عسكريين من البلدين يعد خبرا جيدا، لأنه يقال إن الاتصالات المنتظمة على هذا المستوى ضرورية لإدارة العلاقات الصعبة بين الخصمين. علاوة على ذلك، استقبلها كل من الصينيين والأميركيين كما ينبغي لها . ووصف مسؤول في وزارة الدفاع الصينية هذا اللقاء بأنه «إيجابي وعملي وبناء» على المستوى الاستراتيجي، بينما في الجانب الأمريكي تم الترحيب  بنتائج هذه المناقشة «الصريحة والمهمة». وركزت المناقشات على إنشاء فريق عمل مَعني بالاتصالات في الأزمات من أجل تجنب الحسابات الخاطئة وسوء الفهم. وخلافاً لما حدث في ستينيات القرن العشرين، فإن البلدين يتوقعان مواجهة محتملة، وكأنها تبدو حتمية. لقد كانت الأزمة الكوبية مفاجأة، لكن أزمة تايوان لن تكون كذلك. وأعرب دونغ جون ولويد أوستن عن مخاوف جدية بشأن القضايا الثنائية الساخنة، والتي تم تضخيمها في خطابات منفصلة ومباشرة ألقيت في المنتدى. وعلى وجه الخصوص، أصدر السيد دونج تحذيرًا صارخًا بشأن تايوان، قائلاً إن الصين ستدافع عن سيادتها وإن أي محاولة لفصل الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي سيتم سحقها. وهذه ليست المرة الأولى التي يذكر فيها الصينيون الخط الأحمر الذي تشكله تايوان في نظرهم، ولكن مع كل إعلان جديد، لم يعد السياق العسكري هو نفسه والمخاطر أعلى.

و منذ أن أدت نانسي بيلوسي زيارة مفاجئة لتايوان خلال شهر أغسطس من عام 2022 كثفت الصين ضغوطاتها على تايبيه و لم تكتفي بذلك بل أظهرت أنها قادرة على على القيام بعملية عسكرية  للتحكم في الجزيرة  .
إذا كانت التظاهرة الأولى لتطويق جيش التحرير الشعبي الصيني «رداً» على «استفزاز» أمريكي، فإن ما حدث بعد تنصيب الرئيس التايواني الجديد ويليام لاي، في 20 مايو/أيار، كان يهدف إلى التأكيد على سيادة  الصين سواء بالنسبة للإدارة التايوانية الجديدة أو لأولئك الذين قد يميلون إلى دعم رغبتها في الاستقلال .
وعلى هامش المناقشات بين لويد أوستن ودونغ جون، لم يتردد الفريق هي لي في الحديث عن الحرب عندما تناول قضية تايوان، موضحا أن المناورات العسكرية الأخيرة التي أجراها جيش التحرير الشعبي حول الجزيرة كانت تهدف إلى التعرف على البيئة القتالية وتحسين إمكانية التشغيل البيني والقدرة على القيادة في ظروف «قريبة من الحرب الحقيقية» .

عزيمة
إذا كان هذا الإعلان الأخير الذي صدر خارج الإطار الهادئ والدبلوماسي لحوار شانغريلا قد يكون مهيناً، فإنه مع ذلك يعبر عن تصميم بكين على حماية سيادتها على تايوان، التي تتجاوز كل شيء آخر. بعبارة أخرى، من الخطورة بمكان استخدام تايوان لمحاولة احتواء الصين. وهناك أيضاً رغبة في «وضع الأمور في نصابها الصحيح»، على حد تعبير الفريق. «الخطر حقيقي للغاية، لكن سلطات الحزب الديمقراطي التقدمي، حزب الرئيس التايواني، تخفيه وتُصَغره في أعين سكان الجزيرة. وهذا النهج يعني أن التايوانيين لا يدركون حقاً مخاطر الحرب في المضيق». تؤكد هذه الكلمات تطور الموقف الصيني الذي تصاحبه بشكل متزايد الأفعال. وربما هنا يكمن خطر الصراع. إن الحضور المفاجئ لفولوديمير زيلينسكي في سنغافورة أعاد إلى الأذهان العبارة التي استخدمها رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والتي بموجبها «أوكرانيا اليوم هي تايوان الغد». لكن وراء هذا الشعار المقصود لتعبئة الرأي العام الغربي في مواجهة التهديد الصيني، يجب ألا ننسى أن الوضع لا علاقة له بهذا الشعار. فمن ناحية، أوكرانيا دولة ذات سيادة معترف بها من قبل الأمم المتحدة. ومن ناحية أخرى، فإن تايوان ليست كذلك، مما يعزز الموقف الصيني. ومن هنا تأتي اللعبة الخطيرة المتمثلة في عدم أخذ تصريحات بكين بشأن هذه القضية على محمل الجد خلال اللقاءات الثنائية التي تضاعفت  بين الأميركيين والصينيين في الأشهر الأخيرة. إن العلاقة بين لويد أوستن ودونغ جون ليست استثناءً. ولا ينبغي للاتفاق على فريق عمل مختص بالاتصالات في الأزمات أن يخلق أوهاماً. وستشهد الصين والولايات المتحدة «الأزمة الكوبية» مع تايوان. ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيؤدي إلى وعي مشترك بمسؤوليتهم تجاه المجتمع الدولي أو إلى صراع له عواقب لا يمكن التنبؤ بها.