روسيا تنسحب من «التعاون الإنساني» مع الأمم المتحدة
بوتين يذكر العالم بأنه يستطيع إشعال النار في العالم كله إذا أراد
نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولوين غربيين أن روسيا تستعد لإنهاء تعاونها في الأمم المتحدة في المجالات الإنسانية الرئيسية، فيما يواجه الكرملين معركة صعبة في أوكرانيا ويحرص على حشد الدعم في الداخل وسط عدم الاستقرار الداخلي الأخير.
وأوضح مسؤولون أن روسيا ضغطت في الأسابيع الأخيرة لسحب بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة من مالي، ومنعت خط إمداد رئيسياً للمساعدات التابع للأمم المتحدة لسوريا، وتهدد الآن بإنهاء اتفاق سمح لأوكرانيا باستئناف صادراتها من الحبوب في البحر الأسود.
تأتي جهود موسكو المتجددة للدبلوماسية الحاسمة في الأمم المتحدة في الوقت الذي تواجه فيه روسيا حرباً بلا نهاية في أوكرانيا بعد أسابيع من تمرد مسلح شنته مجموعة فاغنر وشكل أخطر تحد للرئيس الروسي الذي يمسك بالسلطة منذ أكثر من عقد. وقال ديميتري سايمز، محلل العلاقات الأمريكية- الروسية: “ثمة شعور بين النخبة الروسية والشعب الروسي عموماً، أن الحكومة تقدم الكثير من التنازلات، وأنها لا تحصل على الكثير في المقابل”، في إشارة إلى صفقة الحبوب، التي من المقرر أن تنتهي يوم الإثنين.
ووقع اتفاق حبوب البحر الأسود في إسطنبول في يوليو (تموز) 2022 الماضي، وهو واحد من الإنجازات الدبلوماسية القليلة للحرب، مما سمح لأوكرانيا بتصدير أكثر من 32 مليون طن من القمح والذرة وزيت عباد الشمس وغيرها من السلع حول العالم. وفتحت الصفقة ممراً بحرياً خاصاً في البحر الأسود لكل من السفن التجارية والسفن المستأجرة التي تستخدمها الأمم المتحدة لشحن الحبوب الأوكرانية إلى البلدان المنكوبة بالأزمات مثل السودان واليمن والصومال.
ويقول مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون غربيون إن الحكومة التركية التي توسطت، إلى جانب الأمم المتحدة في الصفقة الأولية، لعبت دوراً رئيسياً في منع روسيا من خرق الاتفاق خلال العام الماضي.
وأبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداده المتجدد للتعاون مع الغرب في الأسابيع الأخيرة، ووافق على إعطاء الضوء الأخضر لدخول السويد إلى الناتو بعد مواجهة استمرت عاماً.
وقال أردوغان يوم الجمعة إنه وبوتين “متفقان” فيما يتعلق بتمديد الاتفاق، دون الخوض في التفاصيل.
وصرح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن موسكو لا تزال تدرس القضية.
ويوم الجمعة، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في جاكرتا: “إذا واصلت موسكو تهديدها، فإن الدول النامية بما في ذلك المنطقة ستدفع الثمن، سواء في ما يخص أسعار المواد الغذائية المرتفعة وكذلك ندرتها».
وهددت روسيا بإلغاء الاتفاق في الماضي وعلقت لفترة وجيزة تعاونها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد هجوم أوكراني على قواتها في شبه جزيرة القرم.
ويبدي المسؤولون الأوكرانيون والأمريكيون قلقهم من أن تكون روسيا تستعد للتراجع عن الاتفاقية بسبب العزلة الدولية المتزايدة لبوتين وعدم الاستقرار الداخلي. ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أمريكي قوله إن الكرملين ربما يكون بصدد تقييم التكاليف والفوائد المتغيرة لصفقة الحبوب، مع تزايد المخاوف من أن الضغط على أوكرانيا اقتصادياً قد يفوق التداعيات الدبلوماسية لإنهاء الصفقة، خاصة في وقت يسود فيه عدم اليقين الداخلي في روسيا.
واقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على بوتين الأسبوع الماضي استمرار صادرات الحبوب الأوكرانية مقابل إعادة ربط فرع البنك الزراعي الروسي بنظام المدفوعات الدولي السريع.
وفي نيويورك، استخدمت روسيا نفوذها لعقود كواحدة من الدول الخمس التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن لممارسة الضغط على الغرب والمعارضين الآخرين، لكن الدبلوماسيين والمحللين يقولون إن بوتين يبدو الآن على استعداد غير عادي للانفصال عن الاتفاقات السابقة مثل صفقة الحبوب وشريان الحياة للمساعدات السورية. وقال ريتشارد جوان، مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية تراقب النزاعات: “انتقلت روسيا من موقف التكيف الغاضب إلى العرقلة الشاملة».
وكانت روسيا استخدمت حق النقض (فيتو) في 11 يوليو (تموز) ضد قرار في مجلس الأمن يلزم المنظمات الإنسانية بتزويد أكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في سوريا التي يسيطر عليها المتمردون بالغذاء والمياه والأدوية.
وأشارت روسيا إلى أنها غير مستعدة للتفاوض على حل وسط بشأن هذه القضية، وحضت الأمم المتحدة على قبول اقتراح الحكومة السورية للسيطرة على توزيع المساعدات من تركيا.
وإذا قبلت الأمم المتحدة الاقتراح، فإنه سينهي فعلياً عملية استمرت قرابة عقد تمكنت من خلاله المنظمة الدولية من تقديم المساعدة إلى الأجزاء التي يسيطر عليها المتمردون في سوريا دون السعي للحصول على موافقة دمشق.
قالت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن بوتين “يذكر العالم بأنه يستطيع إشعال النار في العالم كله إذا أراد ذلك».