شخصيات الأقزام السبعة تم استبدالها بمخلوقات سحرية

"بياض الثلج"... يعكس حلمها في أن تصبح زعيمة شجاعة وعادلة

في خطوة جريئة نحو إحياء حكايات "ديزني" الشهيرة، تستعد "بياض الثلج والأقزام السبعة"، من عام 1937، للعودة إلى الشاشة العام المقبل. وبوجه آخر يتحدى المعايير التقليدية ويبرز تطور سرد القصص وقدرتها على التحول مع الزمن.
يقتصر عنوان الفيلم المعاد إنتاجه على "بياض الثلج" Snow White وحدها، في محاولة للابتعاد عن الاستهزاء بمشاعر الأفراد الذين يعانون من التقزم، واستبدال الشخصيات الأساسية بمخلوقات سحرية.
 
يأتي استبدال "الأقزام السبعة" بعد انتقاد الممثل الأميركي بيتر دينكلاج، الحائز جائزة إيمي في يناير/ كانون الثاني 2022، فيلم "بياض الثلج" المعاد إنتاجه. إذ قال إن "ديزني فخورة جداً بتقديم ممثلة لاتينية في دور بياض الثلج، لكنها لا تزال تحكي القصة الرجعية نفسها: بياض الثلج والأقزام السبعة". وخاطب دينكلاج، الذي يعاني نوعاً من التقزّم، "ديزني" قائلاً: "خذوا خطوة إلى الوراء، وانظروا إلى ما تفعلونه هنا".
بعد تصريح دينكلاج، أصدرت "ديزني" رداً عبر مجلة هوليوود ريبورتر، أعربت فيه عن نيتها بتفادي تعزيز الصور النمطية الموجودة في فيلم الرسوم المتحركة الأصلي، واتخاذ نهج مختلف مع هذه الشخصيات السبعة التي استبدلت بمخلوقات سحرية.
 
إلى ذلك، أثارت تصريحات الممثلة الأميركية الخلاسية ريتشيل زيغلر (22 عاماً) التي تجسد شخصية "بياض الثلج" جدلاً، بعد ظهور مقتطفات من مقابلات مختلفة لها على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقدت فيها شخصية الأمير في العمل، ووصفته بالـ"مطارد" لا المنقذ، وأصرّت على أن "بياض الثلج" المعاد إنتاجه لن يكون في صميمه "قصة حب"، بل سيلقي جانباً إنقاذ الأمير الأسطوري ومجاز قبلة الحب التي تعيد البطلة إلى الحياة.
ووفقاً لزيغلر، ستتخذ الحكاية منعطفاً مختلفاً، يعكس حلم "بياض الثلج" في أن تصبح زعيمة شجاعة وعادلة. 
 
إذ يتمحور السرد حول اكتشاف الذات كأولوية، بديلاً عن البحث عن الخلاص الرومانسي التقليدي الذي سيطر على معظم أفلام "ديزني" السابقة.
جاءت ردود الفعل على هذه التصريحات متضاربة، إذ رأى البعض أنّ انتقاد أميرات "ديزني" من خلال عدسة نسوية قد يتجاهل من دون قصد تنوع التطلعات والميول بين النساء، وقالوا إن طموح النساء مختلف، فلا يطمحن جميعهن إلى تولي القيادة أو السلطة أو الريادة، وإنّ الأنوثة لا يمكن اختصارها بهذه البساطة، بل هي أكثر تعقيداً وتتضمن رغبات لا تعد ولا تحصى. وتمّ التشديد على أنه من المقبول التوق إلى مسارات مختلفة، بما فيها البحث عن الحب أو الرغبة في القيام بدور ربة المنزل، وأنّ هذه التطلعات لا تقلل من قيمة المرأة.
 
من المعلوم أنّ حكاية "بياض الثلج" الأصلية تستند إلى قصة خيالية ألمانية تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر كتبها الأخوان غريم. وتروي قصة "بياض الثلج"، الأميرة الجميلة ناصعة البياض التي نفتها زوجة أبيها الشريرة، الملكة. تلجأ "بياض الثلج" إلى كوخ الأقزام السبعة. بيد أنّ الملكة تتنكر بزي امرأة عجوز، وتخدع "بياض الثلج" لتتناول تفاحة مسمومة، فتغط في نوم عميق. ويضعها الأقزام في تابوت زجاجي في الغابة، لتستيقظ في النهاية على قبلة من أمير.
 
وقد دان نجل الرسام الذي أخرج فيلم "بياض الثلج والأقزام السبعة" الأصلي القصة التي تنوي شركة ديزني تقديمها في العمل الجديد، قائلاً إن التغييرات تمثل "إهانة" للعمل الكلاسيكي. ديفيد هاند الذي عمل والده، ويدعى أيضاً ديفيد هاند، مع والت ديزني لصنع العمل الضارب عام 1937، قال لصحيفة ذا تليغراف البريطانية إن الثنائي "سيتقلّبان في قبريهما" لأن رؤساء استوديوهات ديزني "يدمرون" إبداعاتهما.
 
لا تتماشى هذه الحكاية مع عالم اليوم والعصر الرقمي الذي أدخلنا إلى حقبة جديدة ترفض خطاب الكراهية واللامساواة بين الجنسين والعنصرية.
مع ذلك، تعرّضت زيغلر لموجة من الهجوم العنصري على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد إعلان "ديزني" عام 2021 أن النجمة الخلاسية ستتولى دور البطولة. وهي خطوة نادرة وجريئة في عالم "ديزني"، حيث يشعر العديد من المحافظين بأنه يجب منح الدور حصرياً للممثلات البيضاوات، مما يكشف عن العديد من التحيزات العميقة الكامنة تحت السطح.
 
في هذا السياق، تعمّقت المحاضرة في الإعلام والاتصال في جامعة ساري، الدكتورة روبين موير، في الواقع المرير لهذه القضية التي تترك تأثيرها الدائم على كل من السرد الثقافي والضمير الجماعي. وقالت إنّ وجود شخصية "ياسمين" في حكاية "علاء الدين"، ودخولها إلى نادي أميرات "ديزني" عام 1992، كان نقطة تحول أتاحت للفتيات ذوات البشرة الملونة أن يتخيلن أنفسهن أميرات أيضاً. من الواضح أنّ كلمات موير إنّما تذكر باستمرار معركة الهوية خلف ستار الترفيه.
 
أمّا محررة التعليقات في المجلة الدولية لدراسات "ديزني"، بريتاني إلدريدج، فأوضحت، في حديثها إلى "بي بي سي نيوز"، أنه عندما يتعلق الأمر بإعادة صنع الأفلام الكلاسيكية القديمة، يبحث المعجبون عن تلك الشخصية الدقيقة في الطبعة الجديدة. وقالت: "أعتقد أن الأمر يتعلق كثيراً بالحنين إلى الماضي والرغبة في استعادة التجربة التي عشتها في الأصل". وأضافت أن الغاية من القصص الخيالية هو التكيف والتطور، وهذا ما تحاول "ديزني" فعله.
 
و"بياض الثلج" ليس الفيلم الأوّل الذي يعاد إنتاجه، بل شرعت "ديزني" في رحلة تحوّل منذ فترة، وأعادت تخيل كلاسيكيات الرسوم المتحركة المحبوبة في عالم سينما الحركة الحية التي غالباً ما أثارت جدلاً وغضباً بين محبي الأعمال الأصلية. بدأت أولاً بـ"سندريلا"، تلاه "الجميلة والوحش"، ثم "حورية البحر الصغيرة". وكل فيلم يبث حياة جديدة في هذه الروايات.
 
واليوم، تظهر "بياض الثلج" كأحدث أميرة تحظى بلمسة جديدة، ويستعد الجمهور لمشاهدة هذه الحكاية الخالدة من خلال عدسة معاصرة في 22 مارس/ آذار 2024.
ستأسر هذه الحكاية الساحرة الجماهير حصرياً داخل قاعات دور السينما في خروج عن المألوف وقبل ظهورها الرقمي لأول مرة. وكانت "والت ديزني" قد أعلنت لأول مرة عن خطط لإعادة إنتاج الفيلم في أكتوبر/تشرين الأوّل 2016. وبعد أكثر من ست سنوات، تم التصوير في المملكة المتحدة بين مارس/ آذار ويوليو/ تموز 2022.