تقرير: الحساب الأوروبي المؤجل مع روسيا

تقرير: الحساب الأوروبي المؤجل مع روسيا


في الساعات الأولى من يوم 10 سبتمبر-أيلول أسقطت القوات البولندية، وقوات ناتو عدداً من 19 طائرة روسية دون طيار يُعتقد أنها عبرت الأجواء البولندية، في اختراق غير مسبوق أثار قلقاً وذعراً واسعاً في أوروبا.
ونفت روسيا مسؤوليتها، ملمّحة إلى أن الطائرات ربما ضلّت طريقها، بينما رجّحت جهات في ناتو وأخرى أوروبية أن  الانتهاك متعمد.
وتقول فيرونيكا أنغيل، وسيرغي رادشينكو في تقرير بمجلة «فورين أفيرز» إنه مهما كان التفسير، فإن الحادث شكّل للمرة الأولى اشتباكاً لناتو مع خصوم داخل أراضي أحد أعضائه.

توسع الحرب
وبعد أيام قليلة، دخلت طائرة روسية دون طيار، أخرى أجواء ناتو، وهذه المرة فوق رومانيا، لكن الرومانيين لم يتخذوا أي إجراء، إذ عبرت الطائرة لاحقاً إلى أوكرانيا. وتؤكد هذه الأحداث ما يظل احتمالاً مقلقاً للأوروبيين، أن تمتد حرب الاستنزاف الطاحنة في أوكرانيا، لتتحول إلى حرب أوسع بين أوروبا، وروسيا، حسب التقرير.
ويقول الكاتبان إن إصرار موسكو الواضح على مواصلة القتال في أوكرانيا أجّج القلق المتزايد لدى القادة الأوروبيين. فمنذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وجد الأوروبيون أنفسهم في مواقف دبلوماسية معقدة، يحاولون فيها استرضاءه والتودد إليه على أمل الحفاظ على انخراط واشنطن في الحرب الأوكرانية وكبح روسيا. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سار على السجادة الحمراء وسط تصفيق ترامب خلال قمة ثنائية في ألاسكا في أغسطس -آب الماضي، أما الأوروبيون، الذين لم تُوجَّه لهم الدعوة، فاكتفوا بمحاولات احتواء الأضرار.
وفي الأسبوع التالي، توجّه قادة أوروبيون إلى واشنطن مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لإظهار دعمهم له، واستعراض جبهة موحدة ضد روسيا. وقد تعامل ترامب مع ضيوفه متودداً حيناً، ومستخفاً حيناً آخر، ولكنه كان دائماً غير ملتزم. وبمعايير العلاقات عبر الأطلسي المتدنية حالياً، فإن نجاح الاجتماع اقتصر على الانتهاء دون حوادث.
وشكلت جولة الاستعراض الأخيرة بين واشنطن وموسكو، تذكيراً جديداً بما هو واضح منذ زمن، وهو أن أمن أوروبا يُحسم في أماكن أخرى، كما يشير التقرير.

استراتيجية التحمل
وتجد القارة العالقة بين الكرملين والبيت الأبيض، نفسها باستمرار مُهمَّشة، كما أن فشل الاتحاد الأوروبي في التأثير على مخرجات السياسة العالمية سببه انعدام انسجام سياساته الخارجية، واعتماده التاريخي المفرط على الولايات المتحدة، وعجزه عن بلورة استراتيجية متماسكة للتعامل مع روسيا، خصمه الرئيسي. ونتيجة لذلك، اختار بوتين استراتيجية التحمل، أي إطالة أمد الدعم الغربي لأوكرانيا، عبر استغلال الأطلسي، ومزج التهديدات بالتصعيد مع أوهام السلام القريب. فهو يضخم المكاسب المحدودة في ساحة المعركة ليعرضها مثل انتصارات كبرى، ويقدم اقتصاد الحرب الروسي المترنح بوصفه دليلاً على القوة.
وحسب التقرير فإن أهداف بوتين واضحة، وهي تحويل أوكرانيا إلى دولة تابعة، وشق وحدة الغرب، وإعادة تشكيل النظام العالمي بما يخدم سعي روسيا نحو العظمة الإمبراطورية. أما أوروبا، فتعوّل على استعادة تضامن الولايات المتحدة عبر الأطلسي، أو أن تتراجع روسيا في أوكرانيا.
غير أن أيّاً من الاحتمالين ليس وارداً، ولا يصلح أن يكون استراتيجية. فما تحتاجه أوروبا هو مواجهة الكرملين بشروطه ذاتها.
أرض الواقع
بعد الهجوم الروسي الشامل، تحركت أوروبا بسرعة لدعم أوكرانيا، فأنفقت حتى الآن أكثر من 200 مليار دولار على المساعدات العسكرية والاقتصادية. وأقر الاتحاد الأوروبي 18 حزمة عقوبات متتالية ضد روسيا منذ بداية الهجوم. كما التزم بتوسيع عضويته لتشمل أوكرانيا، ومولدوفا، رغم اعتراض المجر. 
كما دفعت العدوانية الروسية والضغوط الأمريكية الأخيرة الاتحاد إلى استثمارات دفاعية أذكى، ولبناء قاعدة صناعية أقوى. وأطلق التكتل صندوق «الأمن من أجل أوروبا» بـ 150 مليار يورو، يُتاح للدول الأعضاء وشركاء خارجيين، بينهم أوكرانيا، لشراء الأسلحة.
وحسب التقرير فإن اتفاقيات الإنتاج المشترك، مثل الاتفاق بين الدنمارك وأوكرانيا، ستسمح للأوروبيين أيضاً ببناء قدرات عسكرية يحتاجونها في العقود المقبلة. وإجمالاً، هناك أسباب للتفاؤل بقدرة أوروبا طويلة المدى على ردع روسيا. ورغم العقبات الحالية، من اختناقات الإنتاج العسكري، والتفاوت في قدرات مواجهة الطائرات دون طيار، والهجمات السيبرانية، والفجوات في تبادل المعلومات الاستخباراتية، فإن أوروبا قادرة بالفعل على خوض حرب تقليدية مع روسيا، وربما الانتصار فيها إذا اندلعت.
لكن مشكلة أوروبا ليست في القدرات، بل في الإرادة، حسب الكاتبين.
 إذ لا تزال تفتقر إلى الإلحاح الجماعي لصياغة تصور لنهاية الحرب في أوكرانيا أو بلورة فكرة أشمل عن أمنها. كما أنه لا يوجد توافق على كيفية الرد على الاستفزازات الروسية، وهو ما ظهر جلياً في اختلاف تعامل بولندا، ورومانيا مع تهديدات الطائرات دون طيار. 
بل إن الدول الأوروبية لا تملك فهماً مشتركاً لما سيعنيه  لها إذا أخضعت روسيا أوكرانيا، سواء عبر نصر عسكري أو تسوية بشروط بوتين.