منصور بن زايد: سيبقى الاهتمام بالمجتمع وتنميته وتمكينه على قمة أولويات القيادة
تهديدات أردوغان بمقاطعة خصومه.. مهزلة ونتائج عكسية
ولكن في مقاله الذي نشره “مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية” يدحض الصحافي التركي بوراك بكديل هذه النظرية، مثبتاً بالأدلة والوقائع التاريخية أنها ليست خاطئة وحسب، بل أطلقت أحياناً نتائج عكسية وأحياناً أخرى مهازل خطيرة. وينطلق بكديل من واقع أن كل محاولة تركية لاستخدام سلاح المقاطعة منذ 1998 انتهت بالفشل.
أداة عفا عنها الزمن
مع تجدد الخلاف بين تركيا والدول الأوروبية وخصوصاً فرنسا حول ادعاءات أردوغان بحق استكشاف موارد الطاقة الهايدروكربونية شرقي المتوسط، استخدم الرئيس التركي الإسلاموي هذه الأداة السياسية التي عفا عنها الزمن. قال أردوغان في 29 أكتوبر (تشرين الأول): تماماً كما أن فرنسا تقاطع البضائع التركية... أدعو دولتي إلى عدم شراء العلامات التجارية الفرنسية”. يرد بكديل بالإشارة إلى أن هذه الدعوة تحمل إشكاليتين: الأولى هي أن فرنسا لم تطلق حملة لمقاطعة البضائع التركية، والثانية هي أنه حتى ولو تجسدت المقاطعة التركية فعلاً، فستمحوها الذاكرة الجماعية في غضون أيام، كما حصل أواخر القرن الماضي.
كيف انتهت مقاطعة إيطاليا؟
في ديسمبر (كانون الأول) 1998، حاول أردوغان فرض مقاطعة وطنية حين اكتشف الأتراك أن إيطاليا تؤوي زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان لكنها لم تقبل بتسليمه إلى أنقرة. حينها قرر الأتراك مقاطعة جميع السلع الإيطالية. نجا كاهن إيطالي بصعوبة من محاولة اغتيال. أحرقت حشود تركية غاضبة دراجاتها وسياراتها وربطات العنق وقمصانها الإيطالية في العلن. كانت هذه الخطوة مثيرة للسخرية لأن المنتجات ذات العلامات التجارية الإيطالية كانت مصنوعة في تركيا. وتوقف بعض الأتراك عن تناول المعكرونة، وهي كانت مجدداً، تركية الصنع.
تابع بكديل أن نتيجة كل هذه التحركات كانت ارتفاع واردات تركيا الإيطالية من 3.1 مليار دولار سنة 1999 إلى 10.1 مليار سنة 2018. يشبه ذلك مسار العلاقات التركية التجارية مع إسرائيل. ارتفعت واردات تركيا من السلع الإسرائيلية بحوالي 400 مليون دولار بين 2009 و 2017، وهي الفترة التي صبت فيها تركيا كراهيتها ضد إسرائيل.
المهازل مستمرة..
ما مشكلة الأتراك مع الأعلام؟
غالباً ما يحتوي الغضب التركي على عنصر من المهزلة الخطيرة. في 2015، وللاعتراض على طريقة تعامل الصين مع الأويغور، هاجمت حشود في اسطنبول مجموعة من السياح الكوريين الجنوبيين بعدما ظنّت أنهم صينيون. في السنة نفسها، هاجمت حشود تركية القنصلية الروسية في اسطنبول عوضاً عن البعثة الديبلوماسية الهولندية لأنّ للدولتين علمين متشابهين.
يضيف بكديل ساخراً أن الأعلام ذات الخطوط الحمراء والزرقاء والبيضاء هي مصدر التباس لامتناهٍ في تركيا. في 2017، قام أتراك غاضبون من هولندا بإحراق العلم الفرنسي عوضاً عن العلم الهولندي. وفي السنة نفسها، طعن موالون لأردوغان فاكهة البرتقال للاعتراض على هولندا. واللون البرتقالي هو لون العائلة الملكية الهولندية.
كيف ردّ على ترامب؟
في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، واجهت الليرة التركية انخفاضاً آخر أمام الدولار، بسبب التوترات بين أنقرة وواشنطن. بعد بضعة أشهر، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي. لام أردوغان متآمرين غربيين بسبب تدهور الليرة. ودافع عن عملته بالقول: “لديهم الدولار، لدينا الله”. ودعا الأتراكَ إلى مقاطعة الأجهزة الإلكترونية الأمريكية خصوصاً تلك التي تصنّعها شركة “أبل” وإلى بيع عملاتهم الأجنبية من أجل شراء الليرة. كما هي العادة، التزمت قاعدة أردوغان بندائه – إلى حد معيّن.
نزل الناس إلى الشوارع وحطموا هواتف مزيفة على أساس أنّها لشركة “أبل” وأحرقوا دولارات مزيفة أيضاً. قدّم الحلاقون قصات شعر مجانية للزبائن الذين تمكنوا من إثبات أنهم باعوا بعض الدولارات من أجل شراء الليرة. على الرغم من كل ذلك، ارتفعت ودائع الأتراك المصرفية من 170 مليار دولار سنة 2018 إلى 201 مليار في مارس (آذار) 2020.
في 2001، اعترف البرلمان الفرنسي بالإبادة الأرمينية. رداً على ذلك، هددت تركيا بتجميد جميع الروابط الاقتصادية والسياسية مع فرنسا. حينها، نزل الأتراك إلى الشوارع وأحرقوا مقتنياتهم الفرنسية. مع ذلك، وخلال فترة المقاطعة التجميد، ارتفع الحجم الإجمالي للتجارة بين البلدين من 4 مليارات دولار سنة 2001 إلى 15 مليار سنة 2011، وهي زيادة بنسبة 275%.
ورفعت فرنسا سقف التحدي حين قالت إنها ستسنّ قوانين تجرّم إنكار الإبادة بحق الأرمن. بين ديسمبر (كانون الأول) 2011 وفبراير (شباط) 2012، هددت تركيا مجدداً بتجميد جميع العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع فرنسا. وقالت أنقرة آنذاك إنّها ستجمّد “كل تعاون مع الحكومة الفرنسية والمشاريع المشتركة (و) إدخال قيود عقابية على السفن والطائرات العسكرية الفرنسية التي تعبر المياه أو المجال الجوي لتركيا أو ترسو على الأراضي التركية. وفقاً لرئيس الوزراء التركي حينها أحمد داود أوغلو، إنّ مشروع القانون الفرنسي بتجريم إنكار المجزرة “ألحق العار بدولتنا وأمتنا».
بحسب بكديل، أطلق كلام أوغلو فلسفة تركية جديدة حول الإبادة الأرمينية: “بإمكانكم الاعتراف بها، لكننا سنغضب إذا جرّمتم إنكارها. الاعتراف بالإبادة لا يلحق العار بدولتنا وأمتنا لكنّ تجريم إنكارها يفعل ذلك». وفي مارس (آذار) 2018، أكدت الخطوط الجوية التركية أنها ستشتري 25 طائرة أيرباص أي-350-900 ضمن عقد تقارب قيمته 10 مليارات دولار. ويختم بكديل مقاله كاتباً: “لا شكّ في أن رواية المقاطعة التركية ستستمر في المشهد الخلفي».