رئيس الدولة ونائباه يهنئون ملك مملكة كمبوديا بذكرى يوم الاستقلال
خطة نزع السلاح النووي.. هل ينجح ترامب في إعادة ضبط الردع؟
في مشهد يعيد تشكيل موازين القوة ويقلب مفاهيم الردع التقليدية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة محتملة لنزع السلاح النووي بالتعاون مع الصين وروسيا، في خطوة تحمل في جوهرها تحولًا في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، خاصة أن واشنطن لا تتحدث عن عالم بلا سلاح نووي، بل تسعى إلى عالم بلا منافسين نوويين قادرين على موازنة تفوقها.
وخلال خطابه في منتدى الأعمال الأمريكي بمدينة ميامي، قال ترامب إن بلاده القوة النووية الأولى في العالم، مضيفًا أن روسيا تليها، ثم الصين التي قد تلحق بنا خلال 4 أو 5 سنوات.
وتعتبر موسكو أن أي مفاوضات من هذا النوع تهدف إلى تحييدها استراتيجيًا، بينما تتعامل بكين بحذر لتجنب الكشف عن حجم ترسانتها الحقيقية، وهو ما يجعل الخطة الأمريكية أقرب إلى مناورة ضغط منها إلى اتفاق نزع سلاح فعلي.
صياغة ميزان القوة العالمي
يرى خبراء استراتيجيون أن إعلان ترامب عن خطة لنزع السلاح النووي مع روسيا والصين يعكس خطة واشنطن لإعادة صياغة ميزان القوة العالمي من خلال الجمع بين منطق التفاوض ومنطق التفوق العسكري.
وأشاروا في تصريحات لـ”إرم نيوز” إلى أن الحديث عن نزع السلاح يبدو في جوهره محاولة أمريكية لانتزاع ورقة الردع من خصومها، عبر ضغوط دبلوماسية وتلميحات باستئناف التجارب النووية، بما يكرّس قيادة الولايات المتحدة لنظام نووي جديد تتحكم هي في قواعده.
ويرى الباحث الاستراتيجي هشام معتضد أن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إمكانية التعاون مع الصين وروسيا لوضع خطة لنزع السلاح النووي يمثل تحولًا عميقًا في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، حيث لم تعد الإدارة الحالية تنظر إلى الردع النووي من زاوية التفوق العسكري فحسب، بل من منظور أوسع يجمع بين منطق القوة ومنطق التفاوض.
وأكد معتضد لـ”إرم نيوز” أن هذا الطرح وإن بدا في ظاهره خطوة نحو الاستقرار العالمي، إلا أنه في جوهره محاولة أمريكية لإعادة صياغة قواعد اللعبة النووية بما يضمن استمرار واشنطن في موقع صانعة القرار النووي، لا مجرد طرف فيه.
تطوير مفهوم الردع
وأكد أن البنتاغون يتعامل مع تصريحات ترامب كجزء من استراتيجية أوسع تُعرف بـ”إعادة ضبط الردع”، أي تطوير مفهوم الردع لا إلغاؤه، مشيرًا إلى أن التفوق الأمريكي لم يعد يُقاس بعدد الرؤوس النووية، بل بسرعة التطوير ونوعية المنظومات الحاملة لها.
وأضاف الباحث الاستراتيجي أن ما يطرحه ترامب ليس نزعًا للسلاح بقدر ما هو إعادة تفاوض على سقف الردع العالمي، في ظل صعود الصين وتحوّل روسيا إلى لاعب استعراضي أكثر من كونه ميدانيًا في المجال النووي.
وأشار معتضد إلى أن روسيا تتعامل مع حديث الرئيس فلاديمير بوتين عن إمكانية استئناف التجارب النووية على أنه ردع نفسي أكثر من كونه عسكريًا، فموسكو تريد تذكير واشنطن بقدرتها على إعادة سباق التسلح إلى بداياته، لكنها تواجه قيودًا اقتصادية وتكنولوجية تجعلها عاجزة عن منافسة طويلة المدى، خاصة مع استمرار العقوبات الغربية وتراجع صناعتها الدفاعية.
وتابع: “أما الصين فهي أمام معادلة أكثر تعقيدًا، خاصة أنها تدرك أن المشاركة في مفاوضات ثلاثية ستجبرها على كشف حجم ترسانتها النووية الحقيقية، وهو ما تتجنبه منذ عقود، لذلك ستحاول بكين التعامل مع المقترح الأمريكي بتحفظ وربطه بإصلاحات أوسع في البنية الأمنية الدولية نحو نظام ردع متعدد الأقطاب لا تهيمن عليه واشنطن وحدها».
وأشار الباحث إلى أن مجرد تلميح ترامب لاحتمال استئناف التجارب النووية بعد 3 عقود من التجميد يعد ورقة ضغط تكتيكية لخلق حالة من الغموض الاستراتيجي تربك موسكو وبكين معًا.
شعار الدبلوماسية النووية
وقال إن التناقض بين خطاب نزع السلاح وإجراءات التعزيز النووي الأمريكية يكشف أن واشنطن لا تسعى إلى عالم خالٍ من السلاح النووي، بل إلى عالم خالٍ من منافسين قادرين على موازنة قوتها، معتبرًا أن مبادرة ترامب تمثل في حقيقتها “نزعًا لورقة الردع من يد الخصوم تحت شعار الدبلوماسية النووية».
وأضاف معتضد أن اقتراب انتهاء معاهدة “نيو ستارت” بين واشنطن وموسكو يفتح الباب لتحول جذري من نظام الحد من التسلح الثنائي إلى نظام تعددي تشارك فيه الصين، وهو ما يمنح الولايات المتحدة فرصة لقيادة جيل جديد من الاتفاقيات وفق معاييرها الخاصة.
من جانبه، قال العميد نضال زهوي، الخبير العسكري، إن الحديث عن السلاح النووي عاد ليأخذ منحى جديًّا في الأسابيع الأخيرة، خصوصًا مع تصاعد النقاش حول إعادة هيكلة الترسانات النووية.
وكشف في تصريحاته لـ”إرم نيوز” أن الولايات المتحدة كانت قد انسحبت من عدد من الاتفاقيات النووية، وفي الوقت نفسه تمسكت كل من روسيا والصين بها، وهو ما أوجد فراغًا في منظومة الردع الدولية.
وأضاف أن تصريحات ترامب خلال القمة التي عُقدت في كوريا الجنوبية، بحضور الرئيس الصيني، كشفت عن تراجع في الموقف الأمريكي، إذ أكد امتلاك بلاده عددًا من الرؤوس النووية يعادل ما لدى موسكو وبكين، لكنه شدد على رفضه السماح لهما بتوسيع قدراتهما، وهو ما يعكس غياب خطة حقيقية لنزع السلاح أو تفكيك القدرات النووية المتبادلة.
طموحات عسكرية أمريكية
وأشار زهوي إلى أن رفع القيود عن التجارب النووية قد يكون خطوة تمهيدية لإعادة التفاوض على اتفاقيات جديدة تواكب الطموحات العسكرية الأمريكية، في ظل سباق تسلّح بات واقعًا لا يمكن نفيه.
وقال الخبير العسكري إن الصراع بين واشنطن وموسكو وبكين يجعل من المستحيل إنهاء النزاع حاليًا، وإن أقصى ما يمكن تحقيقه هو تقليص عدد الرؤوس النووية في مفاوضات مستقبلية مشروطة.
وحذر العميد نضال زهوي من أن التجارب الصاروخية الروسية الأخيرة تعكس انتقال موسكو إلى مستوى جديد من المنافسة في أعماق البحار، حيث تسعى إلى السيطرة على الممرات الحيوية التي طالما اعتمدت عليها الولايات المتحدة في فرض هيمنتها الاقتصادية.
وأضاف أن واشنطن بدأت تشعر بخطورة التطور الروسي في مجال الغواصات النووية والصواريخ الفرط صوتية، وهو ما قد يدفعها إلى الانخراط في سباق تسلح جديد بدلًا من فرض الشروط على الآخرين.
وأوضح زهوي أن هناك فروقات واضحة بين الموقفين الروسي والصيني، فموسكو تمتلك ترسانة نووية ضخمة ومتنوعة، بينما تفضل بكين حصر الصراع في الإطار الاقتصادي مع مواصلة تطوير قدراتها العسكرية للردع فقط، وليس لخوض مواجهة مباشرة إلا إذا تعرّضت لمصالحها الاستراتيجية.