نافذة مشرعة

صحوة عنيفة في أوروبا...!

صحوة عنيفة في أوروبا...!


    كان الأوروبيون، في العقود الأخيرة، مقتنعين بشيء واحد: لم تعد الحرب ممكنة في قارتهم، التي خرجت منهكة من القرن العشرين.
   نعرف الكوارث الثلاث الكبرى في القرن الماضي التي حلت بهذا الركن من العالم.
   ولدت الحرب العالمية الأولى، التي حدثت 1914-1918، من انهيار نظام التحالفات الذي شكّل القارة العجوز دبلوماسياً. نتجت عن صراع البلقان مجزرة ضخمة على مستوى القارة أصابت الحضارة الأوروبية حتى النخاع... فهل حقا تعافت منها؟

تاريخ
   الحرب العالمية الثانية، حرب 1939-1945، لم تدمر أوروبا مرة أخرى فحسب، بل أخضعتها للجنون الهتلري الذي برمج الإبادة الصناعية للشعب اليهودي، الذي عومل على أنه شعب فائض عن الحاجة على الأرض، وكان لابد من محو ذكراه.
   ما ان انتهت، خلفتها الحرب الباردة. وخضعت شعوب أوروبا الشرقية لروسيا والشيوعية الشمولية، وعاش العالم لبعض الوقت في خوف من نهاية نووية للعالم.
   حينها سنفهم: أرادت أوروبا أن تصدق أن هذا لن يحدث ابدا مرة أخرى، وأنها تعلمت الدرس، وأن العالم سيتحوّل معها إلى سلام عالمي وسيادة القانون والتجارة الوديعة، وأن تنحل الخلافات بين الشعوب، ولن نعثر على آثار لها إلا في متحف أهوال البشرية الماضية.
   هذا الخيال هو الذي يبطله غزو أوكرانيا من قبل روسيا بوتين.
   قلة، اعتقدت أن غزوًا بهذا الحجم كان ممكنًا. كانت الفكرة المقبولة عمومًا هي أن بوتين يخادع، وأنه سيسعى، إذا لزم الأمر، إلى تكريس ضم المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، لكن لم ير أي شخص تقريبا غزوًا بهذا الحجم قادمًا. وهذا يعني إلى أي مدى كان الصحو عنيفا وقاسيا.
   ولكن ما أثار دهشة الكثيرين، وربما الجميع، أن هذا الغزو يُعيد إحياء الفضائل التي كان يُعتقد أنها اختفت في أوروبا: الشجاعة العسكرية، والإرادة للدفاع عن النفس، والشعور بالمأساة والتاريخ.
   يجب القول إن المقاومة الأوكرانية تلهم الرأي الأوروبي الذي يكتشف شعباً يقاتل بقدر ما يستطيع من أجل أرضه ووطنه وبلده واستقلاله.
   وبما أن المأساة تضرب هذه القارة العجوز المكدومة بوحشية شديدة، كان لا بد من مواجهتها أيضًا، بدلاً من أن نموت في مجتمع ضعيف ورخو، مهووس فقط بالملذات الخاصة، وعاجز على مواجهة المحن الكبرى، ومحكوم عليه بالخضوع.
الحرية
   يكتشف الأوروبيون خلال هذه الأزمة، أن الاستقلال لا يطفو في سماء الأفكار البحتة: يجب أن نمنح أنفسنا الوسائل للدفاع عنه. وهذا ما شرحه عالم الاجتماع جان بيير لوغوف يوم الجمعة على صفحات لوفيغارو.
   بطبيعة الحال، لا يزال الخوف قائما: إذا أُجهضت خطط بوتين، أفلا يغريه التصعيد إلى أقصى الحدود؟
   يريد الناتو بأي ثمن منع تدهور الصراع وإشعال النار في القارة بأكملها، كما حدث عام 1914. إنّ المسألة هي منع الحرب في أوكرانيا من أن تصبح حربًا في أوروبا.
   لتفادي أن يكون التاريخ مجرد تكرار مستمر.

رئاسية مصادرة
   بطبيعة الحال، سحقت هذه الحرب الأخبار، ولم تترك مجالًا كبيرًا للحياة السياسية. في فرنسا، تحتل الحرب في أوكرانيا كل المساحة الإعلامية، ولا تترك مجالًا كبيرًا للانتخابات الرئاسية، التي ستجري الجولة الأولى منها في غضون شهر فقط. ويرى الكثيرون في هذا الكسوف خطرًا حقيقيًا على الديمقراطية، لأن النقاشات التي لن تحدث ستعاود الظهور في شكل راديكالي.

رغم كل شيء، الحديث مع بوتين
   يترأس إيمانويل ماكرون المجلس الأوروبي حاليًا. ورغم الحرب، ورغم الإدانة الحازمة والصارمة والأكثر من ضرورية لفلاديمير بوتين، الذي يقود العالم القديم نحو الحرب لإشباع طموحاته الإمبراطورية، إلا أنه يسعى إلى الحفاظ على قناة اتصال معه. لماذا؟ للحفاظ على إمكانية التوصّل إلى حل دبلوماسي للصراع، وتجنّب الصعود إلى أقصى الحدود، تفاديا لحريق عام.

زيلينسكي البطل
    منذ وقت ليس ببعيد، كان فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني، يُعتبر مهرجًا، أو على الأقل رئيسًا غير متوقّع وصاحب سلطة مترنّحة. لم يتخيله أحد كزعيم وطني، ناهيك عن زعيم حرب. ومع ذلك، فهو الذي يبرز من هذا الصراع: إنه يجسد ويوجه المقاومة الأوكرانية، إنه يتقن رموز الحرب الاتصالية، مما مكّنه من كسب تعاطف الغربيين، الذين يريدون إظهار تضامنهم مع الأوكرانيين.



 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot