صفقة يوروفايتر.. أنقرة تعزز قدراتها من بوابة أوكرانيا
عكست صفقة بيع طائرات “يوروفايتر تايفون” المقاتلة، التي وقعتها أنقرة ولندن قبل يومين، إستراتيجية الطرفين في إتمام الاتفاق بسرعة بعد أن واجهت اعتراضًا ألمانيًّا، وفتحت الطريق لأنقرة لتعزيز قدراتها الجوية عبر الاستفادة من التطورات الإقليمية، بما فيها الوضع في أوكرانيا.
وستحصل أنقرة وفق الصفقة، على نحو 40 مقاتلة من طراز “يوروفايتر تايفون» (Eurofighter Typhoon) أوروبية الصنع، ومن الجيل 4.5 الحديث والمصمم لتحقيق تفوق في القتال الجوي، وتنفيذ ضربات دقيقة ضد الأهداف الأرضية.
وقالت مصادر تركية، إن أنقرة سعت لإنجاز الصفقة الأوروبية بالتزامن مع سعي رئيسها رجب طيب أردوغان الحثيث، لاستغلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي تربطه به علاقة قوية، وتوقيع صفقة مماثلة لشراء سرب من مقاتلات إف 16 الحديث.
وأضافت المصادر المطلعة على نقاشات حكومية حول تجديد أسطول مقاتلات الجيش التركي، أن التركيز يتم على تنويع مصادر الشراء لضمان استمرارية التوريد في حال ظهور عقبات متوقعة، وعدم الانخراط في أي محور دولي على حساب الآخر.
وأوضحت المصادر لـ”إرم نيوز”، أن أنقرة قريبة من صفقة مماثلة مع واشنطن، تتعلق بطائرات “إف 16”، فيما تتضمن تفاصيل الصفقة الأوروبية ميزة الحصول على دفعة مبكرة من مقاتلات “يوروفايتر تايفون” تسد نقصًا وفق التقييمات العسكرية لوزارة الدفاع.
وتعمل أنقرة بالفعل على تصنيع مقاتلة محلية تحمل اسم “قآن”، عبر تطوير محرك محلي للطائرة، وهي مهمة فنية معقدة لم تنجح فيها إلا دول محدودة، لكنها تتوقع أن تكون الطائرة جاهزة للاستخدام عام 2032.
الخطر الروسي
على الجانب الآخر، جاءت الموافقة الأوروبية النهائية عبر بريطانيا التي تصنع المقاتلة بشكل مشترك مع ثلاث دول، هي: إسبانيا وإيطاليا، إضافة لألمانيا التي كانت تعترض على الصفقة عام 2023، وبدا وزير خارجيتها يوهان فاديفول، خلال زيارته أنقرة، الجمعة، متحمسًا وداعمًا للصفقة، واصفًا تركيا بالحليف الموثوق في “الناتو».
وذكرت صحيفة “تلغراف” البريطانية، أن “لندن قررت بيع المقاتلات الأوروبية إلى تركيا لمواجهة العدوان الروسي عبر تعزيز الدفاعات الجوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) من خلال تركيا التي تمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف».
ونقلت الصحيفة عن مصادر حكومية قولها إن صفقة بيع المقاتلات تتزامن مع تزايد القصف الروسي، بهدف تعزيز أسطول “الناتو” الذي يحمي المجال الجوي الأوروبي عبر دعم سلاح الجو التركي الذي يعتمد حاليًّا على طائرات إف 16 أمريكية قديمة.
من جهتها، قالت صحيفة “فايننشال تايمز” إن الاتفاق “يعكس رؤية أوروبا لتركيا كدرع في مواجهة روسيا وحالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط”، مشيرة إلى أن تركيا “بحاجة إلى مقاتلات جديدة».
حماية حدود الناتو
وقال مؤسس ورئيس تحرير منصة “تورديف» (TURDEF) التركية المتخصصة بالدفاع، أوزغور إكشي، إن طائرة “يوروفايتر تايفون” ليس فقط قوةً قتاليةً مضاعفةً لتركيا، بل أيضًا لحلف شمال الأطلسي في صراعات العصر الحديث المتزايدة التعقيد.
وأوضح “إكشي” في تعليقه على الصفقة، عبر منصة “تورديف”، مساء الثلاثاء، إن مقاتلات “يوروفايتر تايفون” المتقدمة ستعزز الموقف الجوي لكل من تركيا وحلف “الناتو” والقدرة على الاشتباك من ارتفاعات أعلى.
وأشار إلى أن الصفقة الأوروبية مع تحديث تركيا لأنظمة الناقلات والقيادة والتحكم الجوي وشبكات الرادار، ستُحدث مجتمعةً تأثيرًا مضاعفًا يُعزز حماية المجال الجوي على جانبي حلف “الناتو” الشرقي والجنوبي.
وأضاف المحلل العسكري التركي، “في وقتٍ يشهد إعادة تقييم دور تركيا في حلف (الناتو) بعد سنوات من الخلاف، يُشير اقتناء (يوروفايتر) إلى إعادة تأكيد استقلالية أنقرة الإستراتيجية داخل الحلف، مُؤكدًا مكانتها كمساهم رئيسي في الدفاع الجماعي لحلف الناتو».
مقاتلات مستعملة
ستحصل لأنقرة على المقاتلات الأوروبية من ائتلاف الشركة المصنعة الذي سيتكفل بتصنيع 20 مقاتلة وتسليمها عام 2030 كما هو مخطط، بينما ستحصل على نحو عدد مماثل من المقاتلات المستعملة لدى قطر وسلطنة عمان، مناصفة، بعد تجديدها لدى الشركة المصنعة.
وستتيح المقاتلات المستعملة، لأنقرة، تدريب طياريها من الآن، على مقاتلات “يوروفايتر تايفون” التي ستعتمد عليها أنقرة للمرة الأولى بعد عقود من استخدام المقالات الأمريكية، وبينها طرازات “إف 4” القديم جدًّا وطراز “إف 16».
ولم يتم تحديد موعد دقيق لوصول المقاتلات الأوروبية المستعملة من قطر أو سلطنة عمان إلى تركيا، لكن العديد من المؤشرات تشير لعزم لندن التي تقود الصفقة لإنجازها في أسرع وقت.
ووصل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إلى قاعدة عسكرية في أنقرة، يوم الاثنين، بدلًا من مطار أنقرة، وتصاحبه ثلاث مقاتلات من طراز “يوروفايتر تايفون” في مؤشر اعتبرته وسائل الإعلام التركية دليلًا على التغيير في الموقف الأوروبي تجاه تسليح تركيا بتلك الطائرات.
كما أن زيارة ستارمر لأنقرة، جاءت بعد أربعة أيام فقط من عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جولة خليجية شملت قطر وعمان، وكان شراء مقاتلات “يوروفايتر تايفون” المستعملة على جدول أعمالها وفق ما قاله صحفيون مرافقون للرئيس في الطائرة خلال تلك الزيارة.
وفي السياق ذاته، التقى وزير الدفاع التركي يشار غولر، الثلاثاء، مع نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، وعقَدا لقاءً ثنائيًّا ثم ترأسا اجتماعًا على مستوى وفدي البلدين.
أولوية الأمن لأوروبا
وتغضب الصفقة الجديدة، اليونان التي تريد الحفاظ على تفوق جوي في منطقة بحر “إيجه” الذي يفصل بينها وبين تركيا وتتركز خلافات البلدين حول الحقوق في مياهه، وهو ما انعكس في ردود فعل الصحافة اليونانية الغاضبة من الوجه الأوروبي الجديد.
لكن الدول الأوروبية التي تراعي المخاوف اليونانية في طلب أنقرة الانضمام للاتحاد الأوروبي، تجاهلت أثينا في صفقة “يوروفايتر تايفون” التي يمكن ربطها بمحاولة الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا، في حربها مع روسيا، للاعتماد على دور أكبر لأنقرة في سد فراغ واشنطن في الصراع، والذي برز مع وصول دونالد ترامب للسلطة مطلع العام الجاري.
وتمتلك تركيا علاقات مع كل الأطراف، ضمن البراغماتية التي تميز سياستها الخارجية واحتفاظها بعلاقات مع الجميع، حيث تزود أوكرانيا بطائرات مسيرة في الوقت الذي تحافظ فيه على علاقتها مع موسكو التي وصلت ذروتها عام 2017 عندما اشترت منها نظام الدفاع الصاروخي المتقدم “إس 400».
مماطلة أمريكية
وكانت صفقة نظام “إس 400” الروسي، أغضبت واشنطن حينها، وأبعدت أنقرة من مشروع تطوير مقاتلة “إف 35” الشبحية (متخفية) المتطورة، قبل أن يسعى أردوغان للعودة للمشروع والحصول على تلك المقاتلات بعدما التقى ترامب في البيت الأبيض الشهر الماضي وبحث معه أيضًا صفقة إف 16 التي لم يعلن عن تقدم فيها.
كما أن أنقرة لم تحصل على تأكيد من واشنطن بمنحها محركات لأول دفعة من مقاتلتها المحلية “قآن” ريثما ينتهي تصنيع محرك تركي، والوفاء بتوفير احتياجات القوات الجوية التركية التي كانت تنتظر دفعة من20 مقاتلة “قآن” عام 2028.
ووفق المحلل العسكري التركي، توران أوغوز، فإن مقاتلات “يوروفايتر تايفون” تلبي حاجة القوات التركية بين عامي 2026 و2028، فيما تأمل أنقرة أن تحصل على محركات من شركة “جنرال إلكتريك” الأمريكية لتصنيع مقاتلات “قآن” وتلبية حاجة القوات التركية بين عامي 2028 و2032، إذ من المقرر حينها إنجاز مقاتلة “قآن” بمحرك محلي.
ومن شأن صفقة “يوروفايتر تايفون” التي تتضمن في بنودها إمكانية زيادة العدد، أن توفر لأنقرة قسمًا كبيرًا من حاجتها للمقاتلات الحديثة بينما تحتفظ بموقع قوي في منطقتها، كما يظهر في ملفات غزة وأوكرانيا وسوريا، بجانب تحقيق التوازن مع اليونان التي تقترب من الحصول على مقاتلات إف 35 الأمريكية.