بعد سنوات من الألم والمعاناة

عملية جراحية ناجحة لفلبينية تعاني من حالة نادرة في الجمجمة

عملية جراحية ناجحة لفلبينية تعاني من حالة نادرة في الجمجمة


خضعت شابة فلبينية لجراحة دقيقة في مستشفى ميدكير الشارقة، تخلّصت من خلالها من عيب نادر في الجمجمة خلف عينها اليمنى، لتبدأ بذلك فصلًا جديداً من حياتها بعد سنوات من الألم  والمعاناة النفسية والاجتماعية التي أثّرت على مظهرها وثقتها بنفسها. وقد جاءت الشابة البالغة من العمر 25 عاماً من العراق إلى دولة الإمارات بحثاً عن الأمل، بعد أن استنفدت جميع الخيارات العلاجية المتاحة في السابق. واليوم، تتعافى دون ألم أو ندوب بفضل إجراء طبي متقدم تم باستخدام تقنيات طفيفة التوغل، على يد الدكتور سعيد الحبش والدكتور نارايانان جاناكيرام، وهما من أبرز المتخصصين في جراحة قاعدة الجمجمة في مستشفى ميدكير الشارقة.
تم تشخيص المريضة بما يُعرف باسم القيلة السحائية الجبهية اليمنى، وهي حالة نادرة تبرز فيها الأغشية الواقية للدماغ من خلال فتحة في الجمجمة، ما يؤدي إلى انتفاخ ممتلئ بالسائل الدماغي الشوكي. لكن في حالتها، اتخذ العيب مساراً نادراً واستثنائياً؛ فعوضاً عن التمدد نحو تجويف الأنف – كما هو شائع في مثل هذه الحالات – اتجه التوسّع نحو المنطقة خلف العين اليمنى، مما تسبب في بروز واضح، وألم شديد في الرأس والعين، وتشوه ملحوظ، خصوصاً أثناء النوم أو في حالات التوتر، إلى جانب تفاقم الأعراض مع الوقت، وهو ما ترك آثاراً نفسية عميقة لدى المريضة. وأثّرت هذه الحالة، طوال سنوات، على مظهر المريضة وثقتها بنفسها وصحتها النفسية. ومع دخولها مرحلة البلوغ، بدأت الأعراض تتفاقم بشكل كبير، ما زاد من معاناتها الجسدية والنفسية. 
وتروي المريضة تجربتها بقولها: "لقد عشت مع هذه الحالة منذ طفولتي، حيث عانيت من تورّم العين والألم وعدم التناسق في ملامح وجهي، بالإضافة إلى التعليقات القاسية وحتى التنمّر. لكن خلال العام الماضي، باتت المعاناة تفوق الاحتمال؛ إذ كان الألم يخترق رأسي مع كل خطوة، أو عند تحريك عيني، أو حتى عندما تمر السيارة فوق مطب صغير. كنت خائفة على بصري، وعندها أدركت أنني لا أستطيع مواصلة حياتي بهذه الطريقة، وكان عليّ أن أبحث عمّن يمكنه مساعدتي حقًا". 
اقترح عدد من الأطباء من دول مختلفة إجراء عملية جراحية عن طريق فتح الجمجمة، وهو خيار مُخيف كانت المريضة تتجنبه بشدة، نظراً لما يحمله من مخاطر، إضافة إلى أن هذا النوع من التدخل الجراحي كان سيترك ندبة دائمة وبارزة في جبهتها. ومع تفاقم الألم بشكل حاد في منتصف عام 2025، وتأثيره المتزايد على قدرتها على العمل، بدأت تبحث عن خبراء طبيين حول العالم يمكنهم التعامل مع حالتها النادرة. وهنا، وجدت المريضة بصيص الأمل من خلال الدكتور سعيد الحبش والدكتور نارايانان جاناكيرام في مستشفى ميدكير الشارقة. 
وقال الدكتور جاناكيرام: "بصفتنا جراحين متخصصين في قاعدة الجمجمة، نتعامل كثيراً مع حالات يصعب معالجتها باستخدام التدخلات الجراحية التقليدية. وعلى الرغم من أن الجراحة العصبية العادية كان من الممكن أن تُساعد في هذه الحالة، إلا أنها كانت ستزيد من مخاطر حدوث أضرار دائمة، وقد تترك ندوباً واضحة، بل وربما تشوّهاً في ملامح الوجه. وأضاف قائلاً: ""لقد استخدمنا تقنية طفيفة التوغل عبر الممر الأنفي للوصول إلى مناطق مختلفة من الجمجمة، وإجراء عمليات جراحية معقّدة بأقل تأثير ممكن على المناطق المحيطة، ومع فترة تعافٍ سريعة ودون أي ندوب خارجية. ولذلك، وجدنا أن هذه الحالة، رغم تعقيدها، مناسبة تماماً لتطبيق خبراتنا المتقدمة". 
وبدوره، قال الدكتور سعيد الحبش موضحاً: "كانت هذه من الحالات النادرة والعالية الخطورة، لأن العيب شمل قاعدة الجمجمة، والأم الجافية – وهي الطبقة الخارجية التي تحيط بالدماغ والحبل الشوكي وتوفّر لهما الحماية – بالإضافة إلى الأنسجة الدماغية، ومسارات السائل الدماغي الشوكي، والبُنى التشريحية القريبة من العين"، موضحاً أن "القيلة السحائية امتدت من الدماغ إلى محجر العين، وهو أمر نادر للغاية ونادراً ما نصادفه في الممارسة الطبية". 
ونظراً لتعقيد الحالة وقربها من الدماغ والعينين والأوعية الدموية الرئيسية، كانت المخاطر المحتملة تشمل الإصابة بالتهاب السحايا، ومضاعفات في البصر، وإصابة محتملة لبُنى حيوية في الجمجمة. ومع ذلك، وبدلًا من اللجوء إلى جراحة تقليدية عبر فتح الجمجمة، قرر كل من الدكتور سعيد والدكتور جاناكيرام إجراء إصلاح باستخدام تقنية التنظير الداخلي عبر الأنف، وهي تقنية طفيفة التوغل. ومن خلال إدخال كاميرا دقيقة عبر الممر الأنفي، تمكّن الطبيبان من إصلاح قاعدة الجمجمة باستخدام رقع طبية، دون الحاجة إلى فتح الجمجمة بالكامل، مما قلل بشكل كبير من المخاطر وسرّع فترة التعافي. 
وأضاف الدكتور سعيد: "اخترنا أسلوب التنظير الداخلي طفيف التوغل لتجنيب المريضة المضاعفات وفترة التعافي الطويلة المرتبطة بجراحة فتح الجمجمة. وعلى الرغم من أن هذا النهج يتطلب دقة تقنية عالية، إلا أنه أتاح لنا إصلاح العيب بأمان وبدقة متناهية".
استغرقت الجراحة ثلاث ساعات وكانت ناجحة بكل المقاييس. وخلال أيام قليلة، شعرت المريضة بتحسن كبير، إذ اختفى الألم الشديد الذي كان يُصاحبها عند المشي أو الانحناء أو حتى ركوب السيارة. وعبّرت المريضة عن امتنانها قائلة: "لقد تعاملوا مع حالتي بجدية وأعادوا إليّ الأمل. معظم الأطباء رفضوا التعامل مع حالتي أو أخبروني أن الحل الوحيد هو جراحة فتح الجمجمة. مستشفى ميدكير كان أول مكان أشعر فيه بالأمان فعلاً". 
وأضافت أن تجنّب جراحة فتح الجمجمة كان بمثابة نقطة تحوّل في حياتها، قائلة: "لم أضطر إلى حلق شعري أو الخضوع لجراحة كبرى في الجمجمة. بعد يومين فقط، استطعت المشي من جديد، وكان الألم المروّع قد اختفى تماماً". 
شدّد الدكتور جاناكيرام على أهمية التشخيص المبكر في مثل هذه الحالات، قائلاً: "هذا النوع من القيلة السحائية، الذي يتضمن أنسجة دماغية ويمتد إلى محجر العين، يُعد نادراً للغاية. وإذا لم يُعالج في الوقت المناسب، فقد يؤدي إلى مضاعفات تهدد حياة المريض مثل التهاب السحايا"، مُضيفاً: "تتيح لنا تقنية التنظير حالياً إمكانية علاج العديد من عيوب قاعدة الجمجمة التي كانت تتطلب في السابق جراحة مفتوحة". 
ويعكس هذا النجاح أيضاً السمعة المتنامية لمستشفى ميدكير الشارقة كمركز رائد في مجال جراحات قاعدة الجمجمة المعقدة وجراحات الأنف والأذن والحنجرة. وقال الدكتور سعيد: "تُبرز مثل هذه الحالات مدى التقدّم الذي أحرزته دولة الإمارات في مجال جراحات الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الوجه والجمجمة باستخدام تقنيات طفيفة التوغل. نحن نتعامل بانتظام مع حالات معقّدة في قاعدة الجمجمة، وهذه الحالة تُشكّل محطة بارزة في مسيرتنا، لا سيما مع تزايد أعداد المرضى القادمين من خارج الدولة بحثاً عن رعاية متخصصة". 
وقدّمت المريضة رسالة مؤثرة لكل من يواجه حالات نادرة أو عالية الخطورة، قائلة: "لا تستسلموا. ابحثوا عن الطبيب المناسب والمكان المناسب. حياتي تغيّرت بالكامل لأنني وجدت كليهما".
وتتماثل المريضة اليوم للشفاء بشكل جيد، ومن المتوقع أن تعود إلى حياتها الطبيعية خلال شهر واحد فقط، دون أي مضاعفات دائمة.
وقد أعربت عن سعادتها قائلة إنها تتطلّع الآن للسفر مع زوجها واستئناف أنشطتها اليومية دون خوف أو ألم.