التحديث الاستراتيجي 2021 لوزارة الدفاع:

فرنسا تعدل أوتارها على السياق الاستراتيجي العالمي

فرنسا تعدل أوتارها على السياق الاستراتيجي العالمي

-- سلط الوباء العالمي الضوء على المخاطر التي تسببها عولمة سلاسل الإنتاج وكذلك ارتهان الاقتصاد
-- هذا المنشور بمثابة صدمة كهربائية تستهدف الدول الأوروبية الأخرى
-- لم يعد من الممكن تجاهل فرضية المواجهة المباشرة بين القوى العظمى
-- أثبتت الصراعات الأخيرة قدرة القوى العسكرية «المتوسطة» على إدارة صراعات مستدامة أو إبراز نفسها
-- تحذير من التوسع التدريجي في مجالات المواجهة إلى الفضاء الإلكتروني، والفضاء الذي تجري الآن عسكرته
-- تمت القراءة في ضوء تطور سياسات القوة الروسية والصينية


    في يناير الماضي، قدمت وزارة الدفاع الفرنسية التحديث الاستراتيجي 2021، وهو تحديث لتحليل السياق الاستراتيجي الذي تواجهه فرنسا منذ عام 2017. جاسبارد شنيتزلر، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، يفكك خلفية هذه المراجعة وأبعادها.
   *قدمت وزارة الدفاع التحديث الاستراتيجي لعام 2021 في وقت سابق من هذا العام. ما الذي يبرر هذا التحديث للمراجعة الاستراتيجية لعام 2017؟
    - في الواقع، قدمته وزيرة الدفاع فلورنس بارلي بمناسبة تهانيها للقوات المسلحة في 21 يناير، وقد مر هذا التحديث الاستراتيجي 2021 دون أن يلاحظه أحد نسبيًا.

 إنها وثيقة من خمسين صفحة تكمل المراجعة الاستراتيجية المنشورة عام 2017، وهي نفسها تُحدِّث الكتاب الأبيض لعام 2013 بشأن الدفاع والأمن القومي.
  وانطلاقا من الملاحظة التي مفادها أنه “ بعض الاتجاهات الجارية تأكّدت، في حين تسارعت اتجاهات أخرى”، و “تدخل العديد من عناصر القطيعة”، رأت وزارة الدفاع أنه من المناسب تحديث تحليلها للسياق الاستراتيجي العالمي، وكذلك تقييم المخاطر التي تواجهها فرنسا منذ عام 2017.

    لئن ظل تحليل السياق الاستراتيجي وتقييم المخاطر، عموما، كما هو جوهريًا ، سواء فيما يتعلق بالتهديدات الرئيسية “الإرهاب، وانتشار وعودة المنافسة الاستراتيجية بين القوى” أو الأولويات الجغرافية “أفريقيا والشرق الأوسط والهند والمحيط الهادئ “ ، ووباء كوفيد -19 العالمي، وعدد من الأحداث الجيوسياسية الأخيرة “خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ، التوترات مع تركيا في البحر الأبيض المتوسط ، الصراع في ناغورنو كاراباخ ، دخول معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ ، وما إلى ذلك” ، فان نقاط ضعف جديدة ظهرت ، مما أجبر الوزارة على مراجعة استراتيجيتها.

    *بماذا يمكن أن نحتفظ من التحليل الذي أجرته وزارة الدفاع لتطور السياق الاستراتيجي العالمي؟
    - من تحليل السياق الاستراتيجي، يجب الاحتفاظ بأربعة اتجاهات هيكلية: الكشف عن نقاط الضعف الهيكلية، وتعميم اللجوء إلى الاستراتيجيات الهجينة، وتطوّر سياسات القوة الروسية والصينية، فضلاً عن تجرّأ القوى الإقليمية.
    وهكذا، فإن الوباء العالمي الذي نمر به حاليًا قد سلط الضوء على المخاطر التي تسببها عولمة سلاسل الإنتاج وكذلك ارتهان اقتصاداتنا، خاصة تجاه الصين، مما يدعو فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى القيام بعمل أفضل لكشف نقاط الضعف في سلاسل التوريد وتأمين بعض القطاعات الصناعية الاستراتيجية. اما في مجال الصناعة الدفاعية، فهذا يعني، على وجه الخصوص، تعزيز مراقبة الاستثمارات الأجنبية، ومواءمة أدوات القدرات على المستوى الأوروبي، من أجل تعزيز ظهور قاعدة صناعية وتكنولوجية دفاعية أوروبية والتي على أساسها يتوقف اكتفاءنا الذاتي الاستراتيجي.

  علاوة على ذلك، فإن تعميم اللجوء إلى الاستراتيجيات المختلطة والهجينة “الجمع بين أساليب العمل العسكرية وغير العسكرية، دون عتبة “الصراع المفتوح”” وميل بعض الدول إلى فرض الأمر الواقع، يستدعي تعزيز قدرتنا على الحركة في مجمل الطيف، بدءً من عمليات في “المجال اللامادي” “السيبراني والكهرومغناطيسي” إلى الصراعات “عالية الكثافة”. وقبل كل شيء، بخصوص هذه النقطة الأخيرة، يختلف التحديث الاستراتيجي عن الوثائق السابقة، بحجة أنه “لم يعد من الممكن تجاهل فرضية المواجهة المباشرة بين القوى العظمى».

   وهذا هو سبب إصرار وزارة الدفاع الفرنسية، مجددا، على الحاجة إلى الحفاظ على “نموذج جيش كامل” “يجمع بين القوات التقليدية والقوى النووية” ومواصلة الصعود القوي الذي بدأ منذ عام 2017، من أجل الحصول على “الكتلة الحرجة”، سواء على مستوى الموارد البشرية او المعدات.
 ويمكن أن نرى في هذا الدروس المستفادة من الصراعات الأخيرة التي أثبتت قدرة القوى العسكرية “المتوسطة” على إدارة صراعات مستدامة أو إبراز نفسها، مثل أذربيجان في ناغورنو كاراباخ.

   تثير هذه الرغبة والارادة في استعادة “سماكة” معينة التساؤل حول الوسائل والإمكانيات بعد عدة عقود من تقليص حجم الجيوش، وبينما ينصّ “العقد التشغيلي” للجيوش الفرنسية (المنصوص عليه في الكتاب الأبيض لعام 2013) على ان أقصى انتشار قدره 15 ألف جندي طيلة ستة أشهر، وأن إجمالي قوة الجيوش الفرنسية يصل إلى ما يزيد قليلاً عن 200 ألف جندي “حيث يقدر عدد الجنود الروس والصينيين بمليون و2.2 مليون”. كما أنه يطرح السؤال حول مرونة الأمة، واستعداد المواطنين لقبول التكاليف البشرية والمالية التي تنجم عن ذلك.

   لا يمكن قراءة هذا الاتجاه إلا في ضوء تطور سياسات القوة الروسية والصينية، التي تدينها الوزارة الآن بطريقة جلية، واصفة روسيا بأنها “قوة انتهازية وسريعة (...) تحط من حرية حركة القوى الغربية”، والصين “كمنافس نظامي للاتحاد الأوروبي».

   ما هو أبعد من الزيادة في ميزانيات الدفاع “+ 100 بالمائة منذ عام 2012 للصين”، والجهود المبذولة لتحديث الجيشين الروسي والصيني، يحذر التحديث الاستراتيجي من التوسع التدريجي في مجالات المواجهة إلى الفضاء الإلكتروني، والفضاء الذي تجري الآن عسكرته “إعلان روسيا دخول الطائرة الشراعية “أفانغارد” التي تفوق سرعتها سرعة الصوت الخدمة، وتطوير أسلحة الليزر من قبل الصين، الخ...».
   ورداً على ذلك، تعتزم وزارة الدفاع الفرنسية متابعة تحول استراتيجية الدفاع الفرنسية التي بدأت منذ عام 2017، بعد أن أدت بشكل ملحوظ إلى إنشاء قيادة للدفاع السيبراني (2017) وقيادة الفضاء (2019)..

 وكذلك نشر المجلة الاستراتيجية للدفاع السيبراني (2019) والاستراتيجية الفضائية الدفاعية (2020).
   أخيرًا، كنتيجة مباشرة للتوترات المتكررة في شرق البحر الأبيض المتوسط ، يدين التحديث الاستراتيجي تطاول دول مثل تركيا “تم الاستشهاد بها تسع مرات” التي “تطمح إلى تأكيد نفسها كقوى إقليمية”، ولا تتردد في “فرض نفسها من خلال ميزان القوى”.
 وترى الوزارة في ذلك انعكاسا مباشرا لإعادة التركيز الأمريكي على التنافس مع الصين، ونتيجة لتراجع الوجود العسكري الغربي على الجانب الجنوبي من أوروبا، خاصة حول البحر الأبيض المتوسط.

*ما التحليل الذي يمكننا القيام به؟
   - إذا كانت هذه الوثيقة، بشكل عام، لا تشكل قطيعة (التحديث الاستراتيجي يؤكد الاتجاهات المعلنة في المجلة الاستراتيجية)، فمن المهم ملاحظة أن التسلسل الزمني لهذا المنشور، بعد أربع سنوات فقط من آخر إصدار، ليس عرضيًا. في الواقع، إلى جانب الاضطرابات الناجمة عن وباء كوفيد-19، تم التخطيط لتحديث قانون البرمجة العسكرية 2019-2025 بحلول نهاية العام، ويجب أن يجعل من الممكن “تعزيز المسار المالي وتطور الموارد البشرية حتى عام 2025».
    وبينما ستشهد ميزانية الدفاع الفرنسية زيادة ثالثة على التوالي هذا العام قدرها 1.7 مليار يورو (وفقًا لـ قانون البرمجة العسكرية) لتصل إلى 39.2 مليار يورو، فإن التحكيم المتعلق بمخصصات الميزانية لعامي 2024 و2025 لم يتم تثبيته وسيتعين عليه الاخذ في الاعتبار “حالة الاقتصاد الكلي في تاريخ التحديث” “1».
    من جهة أخرى، في الوقت الذي يشرع فيه حلف الناتو والاتحاد الأوروبي (مع البوصلة الاستراتيجية) وعدد كبير من الدول في تمارين تحليل مماثلة، يمكننا أن نرى ارادة فرنسية في التأثير على المسارات الجارية بتقاسم تحليلنا للبيئة الأمنية الدولية.

    أخيرًا، يُقصد بهذا المنشور أن يكون بمثابة صدمة كهربائية تستهدف الدول الأوروبية الأخرى، لتذكيرها بأهمية تطوير الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي الأوروبي والحفاظ على طموحات عالية في الميزانية (على الرغم من الركود)، من أجل تجنب “خفض تصنيف القارة الأوروبية بشكل لا يمكن إصلاحه».
 --------------

«1» تحديث: استمعت إليها لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة في 19 فبراير 2021، أعلنت وزيرة الدفاع فلورنس بارلي، أنه فيما يتعلق باستنتاجات التحديث الاستراتيجي، فإن “ قانون البرمجة العسكرية وطموحاته وأولوياته تحتفظ بكامل أهميتها”، وأنه في مثل هذا السياق” ليس هناك خطط في الوقت الحالي لتنفيذ تحديث تشريعي لآلية قانون البرمجة العسكرية”(على النحو المنصوص عليه في المادة 7).
ومع ذلك، سيتم إجراء “تعديلات” على “بعض الطموحات التي يحملها قانون البرمجة العسكرية».
عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/scatter-hitam/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/blog/sv388/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/uploads/depo-5k/ https://smpn9prob.sch.id/content/luckybet89/