منصور بن زايد: المتحف يعكس رؤية الإمارات نحو تعزيز الثقافة والسلام والتعايش
يتناول السياسات المجحفة بحقهم لأكثر من 120 سنة
فيلم For Love ينكأ جراح التاريخ للسكان الأصليين في كندا
مُنذُ ولادة الوثائقي النقدي على يد المخرج السوفييتي سيرغي أيزنشتاين عبر نظريات المونتاج، وتطور أدوات المخرجين الفنية والتقنية لتتحول الصورة من الحياد إلى دلالة ما، بدأ الاهتمام بسينما السكان الأصليين بالتطور بشكلٍ كبير؛ حياتهم بدأت بالاقتراب إلى عيون الجمهور بعدما رافقتهم الكاميرا في تفاصيلهم اليومية.
اليوم، تختلط أنواع الوثائقي بعضها ببعض، ما بين وثائقي جمالي أو تعليمي أو براغماتي أو حتى نقدي، لا مشكلة بالخلط طالما المحتوى ينتصر لقضية إنسانية، له أسلوب فني يوصل من خلاله المخرج وجهة نظره عن هذه القضية. تفتتح المهرجانات أقساماً جديدة لسينما السكان الأصليين، وتزداد أهمية فيلم عن آخر حسب الجهة السياسية المنتجة التي يتبع لها ورواج قضيته وآنيتها.
للشعوب الأصلية في أوروبا وأميركا اللاتينية وكندا نصيب الأسد من هذه السينما، حالها حال السينما الجماهيرية المتعارف عليها. القبائل الأولى كالإنويت في كندا تمت أفلمة قضيتها بشكل مكثف منذ عام 2016، ذروة هذه الأفلام هو فيلم For Love الصادر عام 2022، من إخراج مات سمايلي. يتابع العمل الإخفاقات الحكومية في كندا تجاه السكان الأصليين، واستمرار السياسات المجحفة بحقهم لأكثر من 120 سنة.
فيلم For Love ينكأ جراح التاريخ، نقابل فيه من نجا من أنظمة رعاية الأطفال الحكومية، عائلاتهم وقصصهم. نشهد أيضاً على اللحظة التي يستعيد فيها مجتمعهم قضيته ويمسك بزمام مصيره ليوصل الروابط الأسرية المقطوعة وينعش ثقافتهم الغنية. نتعرّف إلى القوانين الجائرة والإهمال الممنهج الذي بدأ عام 1831 ببناء 130 مدرسة داخلية من قبل الكنائس والهيكلية الحكومية الاتحادية، حيث اقتلعت هذه المدارس ما يقارب مائة وخمسين ألف طفل من عائلاتهم حتى 1996.
عبر ممارساتها الثقافية على الأطفال بعد عزلهم، تم إقرار اللباس الموحد الرسمي، قُصَ شعر الأطفال وتغيرت أسماؤهم إلى أخرى جديدة معتمدة من الحكومة، ومنعوا من التحدث بلغتهم الأم، وحطموا القائمين على التدريس من قيم معتقداتهم الروحية. تفشت الأمراض في أبنية المدارس السيئة. ومع التهوية شبه المعدومة، فتكت الإنفلونزا والالتهابات الرئوية والسعال الديكي بصدور الأطفال. دفن من مات في مقابر جماعية من دون اسم (أكثر من ألف جثة). من لم يمت لم ينجُ من العذاب والاستغلال الجسدي والعاطفي وحتى الجنسي. ومن عادوا لاحقاً من المدارس، كانوا تائهين روحياً مشردين نفسياً وهويتهم - بكل ما تحمله من لغة خاصة وتقاليد وممارسات ثقافية - ضائعة.
ماري تيغي (المنتجة) عملت مع المخرج مات سمايلي في عام 2015 على فيلم Highway of Tears، عن نساء الشعوب الأصلية المفقودات والمقتولات على الطريق السريع شمال كولومبيا - البريطانية. التعاون الأول أثبت أن سمايلي، رغم أنه ليس من السكان الأصليين ولا ينحدر من أقلية عرقية، قادرٌ على رؤية محنة هذا الشعب من خلال عيونهم. ولم تكن كاميرته نمطية بتصويرهم، فَهِمَ خصوصيتهم وتفاصيلهم اليومية/الثقافية، والأهم من ذلك قناعته الراسخة بحق هؤلاء السكان بموارد أرضهم.
بدأ تصوير المقابلات للفيلم في عام 2019، لحظة تمرير مشروع قانون C-92 الذي ينص على احترام السكان الأصليين وقبائل الإنويت والميتيس ومنحهم سلطة قضائية على الخدمات المقدمة للأسرة والطفل.
تُعلق شانَيا توين، المغنية الكندية على الفواصل البصرية عالية الدقة مُشبعةِ الألوان التي تمر بين المقابلات. تشرح معلومة ما أو تغني في لحظات عاطفية، اهتمام تانيا بقضية السكان الأصليين، إضافةٌ للعمل ولنشاطاتها في هذا الجانب على حد سواء، فشهرتها سترفع من نسبة مشاهدات الفيلم قطعاً.
عُرِضَ الفيلم لأول مرة في كندا في اليوم الوطني للحقيقة والمصالحة (The National Day of Truth and Reconciliation)، هذا اليوم هو عيدٌ لانتصار قضية السكان الأصليين. رُغمَ جودة وصدق المقابلات، إلا أننا نفتقد خلال العرض المستمر لقرابة التسعين دقيقة المنهجية فيها. العشوائية كانت مربكة في بعض الأحيان، ولم يتم التركيز على التاريخ والنضالات السياسية وأيديولوجيتها وكيف تغيرت عبر الزمن، لم نر مؤرخين أو محامين، التركيز على المقابلات مع الأسر والأطفال يحمل الفيلم جرعة تعاطف قد تكون في بعض الأحيان أضخم مما تحتمل صورته وتضيف طولاً زمنياً زائداً.
For Love فيلم يحتفي بشعبٍ هُمش لفترة طويلة، سياسات مجحفة اتخذت بحقه، أسره تشردت. يجيب العمل عن السؤال الأساسي الذي يلمس كل السكان الأصليين في كل أصقاع الأرض: كيف يمكننا أن نلملم شتات أنفسنا وأسرنا ونقرر مصيرنا؟ الفيلم يجيب: بالحب والمثابرة.