قيود غير مسبوقة.. الاتحاد الأوروبي يواجه الدبلوماسيين الروس بقرار مثير للجدل
يدرس الاتحاد الأوروبي فرض قيود على تحركات الدبلوماسيين الروس داخل أراضيه، في خطوة غير مسبوقة، كشفت عن تصاعد “الفوبيا من روسيا” لدى الغرب، وهو إجراء أكد خبراء أنه قد يهدد الأعراف الدبلوماسية المنصوص عليها في اتفاقية فيينا لعام 1961، ويعمّق الانقسام مع موسكو.
وينص المقترح الجديد، الذي أُضيف أخيرًا إلى الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا، على إلزام أعضاء البعثات الروسية بإخطارٍ مسبق قبل التنقل بين دول الاتحاد، مع منح العواصم الأوروبية حقَّ رفض أو قبول مرورهم.
ويشمل القرار المقترح الدبلوماسيين والموظفين الإداريين والفنيين، وحتى أفراد عائلاتهم، على أن يتم إخطار الدولة المضيفة قبل 24 ساعة على الأقل من السفر، مع تحديد وسيلة النقل ونقطة الدخول والخروج، وهو ما يمنح كل دولةٍ سلطة التحكم في حركة المبعوثين الروس.
وقالت هيئة العمل الخارجي الأوروبية، إن القرار لا ينتهك اتفاقية فيينا، لأنه لا يمنع الحركة داخل الدولة المضيفة، بل يقتصر على التنقل بين الدول الأعضاء.
وتبرر بروكسل الإجراء بأن بعض الدبلوماسيين الروس يشاركون في أنشطةٍ تسهم في “العدوان الروسي على أوكرانيا»، من خلال «نشر رواياتٍ مضللةٍ ودعايةٍ سياسية».
روسيا ترد
ولم يتأخر الرد الروسي، إذ أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن موسكو سترد على الخطط الأوروبية، مشيرًا إلى أن وزارة الخارجية الروسية بصدد إعداد مقترحاتٍ مضادةٍ سيتم تنفيذها فور صدور قرارٍ رسمي.
ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا هذه الخطوة بأنها “استمرارٌ لحملةٍ عدائيةٍ ضد الدبلوماسيين الروس”، مؤكدة أن موسكو ستتخذ إجراءات مماثلة إذا تم اعتماد القرار.
البوصلة الاستراتيجية
وقال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية كارزان حميد، إن “المعيار العملي للحكم على واقع أي دولة هو متابعة مساراتها السياسية والإجراءات التي تتخذها بشأن قضيةٍ ما”، مشيرًا إلى أن “الاتحاد الأوروبي فقد بوصلته السياسية والاستراتيجية، ويعيش فعلًا حالة فزع أمام كل ما هو روسي أو خارجي».
واعتبر في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن “طرح مشروعٍ يقيّد تحركات الدبلوماسيين الروس داخل التكتل غير قانوني وغير منطقي، وأن القانون والعرف الدبلوماسي يمنحان البعثات حصانةً لا تُقيَّد، وأنه يمكن طرد شخصٍ غير مرغوبٍ به، لكن تقييد الحركة يجعل الدولة المضيفة غير آمنةٍ وغير موثوقةٍ مستقبلًا».
وأشار حميد، إلى أن “بدايات هذا التوجه ظهرت مع الولايات المتحدة عبر منع تأشيراتٍ لحضور مناسبات الأمم المتحدة في نيويورك، ما أوجد تمييزًا سياسيًا بتحكم طرفٍ واحدٍ في الوصول إلى مقرٍّ من المفترض أن يكون عالميًا وغير متحيز».
تخبط وفزع
وأكد الخبير في الشؤون الأوروبية أن “القارة العجوز تعيش حالة تخبط وفزعٍ، تحاول من خلالها إدخال موسكو في زاوية، متجاهلةً أن التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال تجعل من الجواسيس أكثر قدرةً على العمل خارج نطاق البعثات الدبلوماسية».
وتطرق حميد، إلى الأسس القانونية للدبلوماسية، مشددًا على أن “المندوب مصون ولا يجوز اعتقاله أو محاكمته جنائيًا في الدولة المستقبلة”، محذرًا من أن تحويل هذه القواعد إلى سلاحٍ لتصفية الخلافات السياسية والدبلوماسية قد يقود بروكسل إلى أن تصبح “ضحية” إجراءاتها ذاتها.
وأضاف أن “العقوبات والحجز الواسع للأصول منذ 2014 وحتى ما بعد فبراير/شباط 2022 لم تُنهِ قدرة النظام الروسي، وأن تجريد روسيا وممثليها من الحصانة قد يطلق أزمةً سياسيةً أوسع ويقوّض قدسية آليات التعامل الدولي».
وحذر حميد، من أن “النية الأوروبية للدخول في مواجهةٍ مباشرةٍ مع موسكو قد تُسفر عن ردودٍ متبادلة، وأن استمرار هذا المسار قد يدفع إلى تشريعاتٍ أقسى تحظر دخول الروس أو إقامتهم داخل التكتل، وربما تمتد لتطال الناطقين باللغة الروسية وتشويه الثقافة الروسية كما يحدث خلف الكواليس».
مأساة دبلوماسية
من جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية الدكتور محمود الأفندي، إن “قرار الاتحاد الأوروبي بتقييد حركة الدبلوماسيين الروس داخل دول التكتل يمثل مأساةً دبلوماسية، لأنه يعمق غياب لغة الحوار ويزيد احتمالات التصعيد العسكري في المستقبل».وأضاف الأفندي لـ”إرم نيوز”، أن “الخطوات الأوروبية الأخيرة غير مدروسة”، مشيرًا إلى أن تقييد حركة الدبلوماسيين قد يؤدي فعليًا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وعددٍ من العواصم الأوروبية.وأضاف أن “هناك روحًا فوبياوية تسود الموقف الأوروبي تجاه روسيا، وأن تبرير هذه الإجراءات، مثل القول إن بعض الدبلوماسيين الروس ينفذون أنشطةً استخباراتية، اتهامات غير واقعية، لأن أجهزة الاستخبارات لا تعتمد على الدبلوماسيين في عملها بهذا الشكل المباشر».
شبكات تجسس
وأشار الأفندي، إلى أن لدى روسيا بالفعل شبكات تجسسٍ في أوروبا، لكن الدبلوماسيين ليسوا الأداة الأساسية لذلك، موضحًا أن الغرب بات أسير “فوبيا روسيا”، كما يتجلى في مواقف بعض الدول الأوروبية التي تدفع نحو مزيدٍ من القطيعة مع موسكو.واعتبر أن “قطع قنوات الحوار من جانب بولندا ودول البلطيق أسهم في تأزيم الوضع”، مؤكدًا أن استمرار التواصل بين موسكو والعواصم الأوروبية ضرورةٌ لتفادي اشتباكٍ عسكريٍّ محتمل.واعتبر الأفندي، أن “خطوة الاتحاد الأوروبي نحو تقليص التمثيل الدبلوماسي مع روسيا تمثل تطورًا خطيرًا قد يدفع موسكو إلى ردودٍ مماثلة، وهو ما سيزيد من تعقيد الأزمة الروسية الأوكرانية بدلًا من الإسهام في حلها».