أثار حالة من الجدل بعد إعلانه عن اعتزاله مهنة الإخراج السينمائي
كزافييه دولان: الفن عديم الفائدة، والإخلاص للسينما مضيعة للوقت
رغم مرور أشهرٍ على الإعلان الأول، تتأخّر التعليقات المختلفة لسببٍ غير واضحٍ. الكندي (كيبيك) كزافييه دولان يُعلن اعتزاله السينما، مع أول بثّ لأول عملٍ غير سينمائي يُنجزه في حياته المهنيّة القصيرة: "الليلة التي استفاق فيها لورييه غودرو" (5 حلقات، 60 دقيقة كلّ حلقة)، مقتبساً إياه عن مسرحية بالعنوان نفسه (2019) للكاتب المسرحي والسيناريست الكندي (كيبيك أيضاً) ميشال مارك بوشار (1958). أول عرض حاصلٌ على منصّة التدفّق Club illico (خدمة فيديو على الطلب باشتراك شهري، تنتمي إلى Videotron، إحدى أبرز شركات الاتصالات في كندا)، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
"المُدلَّل" يبلغ 34 عاماً فقط (مواليد مونتريال، 20 مارس/آذار 1989)، ويُنجز أول روائي طويل له بعنوان "قتلتُ أمّي" عام 2009، أي ببلوغه 20 عاماً. هذا ليس تفصيلاً. بعده، سيُنجز دولان 7 أفلام، و3 أشرطة "فيديو كليب"، وسيُمثّل في أفلامٍ سينمائية وأعمالٍ تلفزيونية. نتاجه السينمائي يُثير اهتمامات نقدية وسجالات مختلفة، لكنّها غير متمكّنةٍ من تحقيق إيرادات عالية، أو مقبولة تجارياً وإنتاجياً. Mommy، المُنجز عام 2014، سييُحقِّق أعلى إيرادات دولية في نتاجه السينمائي: 12 مليوناً و413 ألفاً و733 دولاراً أميركياً، ومليون و194 ألفاً و684 مشاهِداً/مشاهِدة في فرنسا. أرقام شبه عادية، خاصة عند مقارنتها بأرقام أفلامه الأخرى، وأقلّها سيكون مع Laurence Anyways، المُنجز عام 2012، إذ تبلغ إيراداته الدولية 269 ألفاً و446 دولاراً أميركي، علماً أنّ فيلمه الأول (قتلتُ أمّي) سيكون الأقلّ مُشاهَدةً في فرنسا، مع 55 ألفاً و566 مُشاهِداً/مشاهِدة.
الأرقام أساسيّة في صناعة السينما. هذا لا علاقة له بالفني والجمالي والدرامي والثقافي. يقول دولان مُفسّراً سبب اعتزاله السينما والإخراج: "لم تعد لديّ الرغبة ولا الطاقة/القوة لالتزام مشروع لعامين اثنين، من دون أنْ يُشاهده أحدٌ. أستثمر شغفاً كبيراً (في تحقيقه)، وأحصل على خيبة أمل أكبر (بعد عرضه). أتساءل: أتكون السينما التي أصنع سيئة، مع أنّي أعلم أنّها ليست هكذا؟" (إل باييس).
تساؤل كهذا ينسحب على السلسلة التلفزيونية أيضاً، إذ يُكمل إعلان خيبته بطرح سؤال: "لماذا لم يشترٍ أحدٌ آخر تلك السلسلة؟"، فمشتروها 4 فقط: كندا وفرنسا واليابان وإسبانيا. يُكمِل تساؤله القلِق والغاضب: "ألأنّها مُصوّرة باللغة الفرنسية؟ ألأنّها مؤلّفة من 5 حلقات فقط؟". يقول إنّه غير رابحٍ شيئاً مالياً منها، إذ يتخلّى عن راتبه كمنجز إياها، ووالده يُعطيه مالاً كدَينٍ عليه: "هذه عملية غير مُجدية للغاية. أنا مُتعبٌ ومُحبط. الحلّ الأسهل كامنٌ في صُنع إعلانات، وبناء منزل لي في الريف".
لمخرج شابٍ مثله حقّ التعبير عمّا يشعر به، بناء على واقعٍ يعيشه ويعرف تفاصيله. لمنتقديه حقّ في التساؤل عن معنى اعتزال "مُدلّل" المهرجانات السينمائية والنقد السجاليّ. للسخرية موقعٌ في تعليقات عربية، وهذا حقّ أيضاً لناشطين وناشطات فيسبوكيين، فكزافييه دولان حاصلٌ على أمور غير حاصل عليها سينمائيون وسينمائيات أكبر سنّاً وتجربة منه، وأفلامهم/أفلامهنّ أهمّ من تلك التي ينجزها في 10 أعوام. خيبة أو غضب أو قلق أو تعب أو إحباط، أمور يقول بها سبباً لاعتزاله. والعُمر غير مانع مشاعر كهذه، والنقاش قابلٌ لجدّيةٍ، غير حاجبةٍ "متعة" سخرية ممن يحصل على "كلّ شيءٍ"، وإذ به يُقرّر التخلّي عن هذا الـ"كلّ شيء".
لكنْ، أيكون السبب مختلفاً، وغير مذكور في أقواله؟ هل يشعر، وإن خفية أو مواربة، بقلقٍ من نوعِ آخر، يتمثّل بانعدام قدرته على تعبيرات سينمائية جديدة، أو بإخفاقٍ في ابتكار مزيدٍ من التحدّيات، الفنية والجمالية والدرامية؟ أيحضر شعورٌ كهذا فيه، لكنّ إعلانه غير سهلٍ؟ مُجدّداً، العُمر لن يكون سبباً لعدم إعلان خيبة أو غضب أو قلق أو تعب أو إحباط، وهذا حاصلٌ مراراً، غرباً وشرقاً وفي كلّ مكان، في الفنّ والأدب والفكر وغيرها. والعُمر لن يكون مانعاً لإكمال اشتغالٍ وبحثٍ عن جديد، وإنْ يبلغ الفنان والفنانة مئة عامٍ أو أقلّ بقليل، وأحياءٌ عديدون شهودٌ على هذا، والأحبّ إلى قلبي كلينت إيستوود (31 مايو/أيار 1930) مثلٌ على ذلك.
أياً تكن الأسباب، المُعلَن منها والمخفيّ، إنْ تكن هناك أسبابٌ مخفيّة، يعتزل كزافييه دولان "السينما والإخراج"، وهذا حقّ له. المقبل من الأيام كفيلٌ بتبيان مدى جدّيته في ذلك، أو بكشف حقيقة الاعتزال: نوعٌ من إثارة تعاطفٍ... إضافيّ معه.