كيف سترد واشنطن على نظام كشف الغواصات الروسي؟

كيف سترد واشنطن على نظام كشف الغواصات الروسي؟


قبل أسبوعين، نشرت صحيفة “واشنطن بوست”، بالتعاون مع مجموعة من وسائل الإعلام الأوروبية، تحقيقاً موسّعاً حول مخطط روسي للحصول على تقنيات غربية تُستخدم في الحروب البحرية، خصوصاً في مجالي الغواصات ومكافحة الغواصات.
المشروع السري، المعروف باسم “هارموني” استخدم خلاله الجيش الروسي شركات واجهة للحصول على التكنولوجيا، ونشر شبكة كثيفة من أجهزة الاستشعار تحت سطح البحر، تشمل مستشعرات صوتية وأنواعاً أخرى، إلى جانب غواصات غير مأهولة وسفن تجارية وبحثية ذات استخدام مزدوج، بحسب تقرير لمجلة “ناشونال انتريست».

الهدف من المشروع
وكان أهم هدف للمشروع رصد وتعقب واستهداف وربما مهاجمة قوات مكافحة الغواصات الغربية لدى اقترابها من المياه الشمالية الروسية ومناطق ساحلية أخرى تُعتبر بمثابة “حصون بحرية” محمية بواسطة القوات البحرية والبرية الروسية، ويأمل القادة العسكريون الروس، من خلال هذا النظام، في صدّ عمليات مكافحة الغواصات الغربية الحديثة.
وأشارت المجلة، إلى أن الغاية الأساسية هي إبعاد القوات الغربية عن الموانئ الروسية، مما يعقّد قدرتها على اكتشاف وتعقب وتدمير الغواصات الروسية. عادةً، يمكن اعتراض السفينة المعادية في 3 مراحل، عند انطلاقها، أثناء رحلتها، أو عند وصولها.
أما الغواصات النووية الحاملة للصواريخ الباليستية فهي لا تتوجه إلى وجهة محددة، بل تتوارى في أعماق المحيط لتنفيذ مهمتها الرادعة، ما يجعل من الصعب رصدها في عرض البحر. ومن هنا تأتي أهمية حماية موانئ انطلاقها. وتعد حماية هذه الغواصات أحد الدوافع الرئيسة وراء إنشاء منظومة “هارموني».
من جانبها، اتبعت القيادة العسكرية السوفيتية ما يُعرف بـ”حزام الدفاع الأزرق”، وهي استراتيجية تُعرف اليوم بمصطلح “الحرمان من الوصول والسيطرة على المنطقة».
والغاية من هذه الاستراتيجية رفع تكلفة دخول المياه القريبة من السواحل السوفيتية إلى مستويات لا يمكن للقادة العسكريين الغربيين وصنّاع القرار السياسي تحمّلها. فإذا بدا أن الدفاعات السوفيتية منيعة بما يكفي، فإن ذلك سيردع البحرية الغربية عن محاولة التوغل القسري. وإن قررت تلك القوات المخاطرة، فبإمكان أنظمة منع الوصول السوفيتية التصدي لها وإبقائها خارج “الحزام الأزرق».
ولتحقيق ذلك، كانت القوات الجوية والبحرية والصاروخية السوفيتية تنفذ هجمات مضادة للسفن على أبعد مدى ممكن من السواحل، في محاولة لتشكيل منطقة “امتصاص صدمة” عند حدودها البحرية، قادرة على الانحناء دون الانكسار. ويبدو أن هذه النزعة الدفاعية لا تزال قائمة في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، كما يتضح من مشروع “هارموني».

الفروقات
حتى الآن، كانت الأصوات (والتحكم بها) العامل الأهم في مجالي التخفي والكشف تحت الماء. كما تلعب طبيعة البيئة المائية دوراً حاسماً، إذ تعتمد الغواصات على اختلافات في درجة الحرارة والضغط والملوحة لإخفاء موقعها، حيث تُحدث هذه الفروقات انكسارات في الموجات الصوتية، تساعد الغواصات على التملص من الرصد والتعقب والاستهداف. وعلى الجانب الآخر، تعمل قوات مكافحة الغواصات على تحييد هذه المزايا لتتمكن من كشف أهدافها.
وبحسب تقرير إنترناشونال انتريست، يتغير التوازن بين الوصول ومنع الوصول مع تطور التكنولوجيا العسكرية الهجومية والدفاعية. ووفقاً للتصور السائد، فإن “الحزام الأزرق” السوفيتي كان يتمتع بأفضلية واضحة ضد القوات البحرية الأمريكية في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي.
لكن الأمور بدأت تتغير مع دخول نظام القتال المتكامل “إيغيس” الخدمة على متن الطراد “يو.إس.إس.تيكوندروغا” عام 1983 حيث مكّن هذا النظام قوات المهام البحرية من الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الجوية والصاروخية، ما أعاد الهيمنة للهجوم، وسمح للولايات المتحدة باستعادة قدرتها على التوغل في “الحصون البحرية” السوفيتية.بالتالي، أصبحت استراتيجيات الوصول قادرة على الصمود ومكّن الولايات المتحدة من مواصلة اتباع استراتيجية بحرية هجومية.
وتابعت المجلة، أما اليوم؟ فمن المرجّح أن روسيا المعاصرة تمتلك فرصة أفضل من الاتحاد السوفيتي السابق في منع الوصول إلى المناطق الساحلية. إذ إن التقدم في تكنولوجيا ما تحت الماء من “مستشعرات حديثة”، ومركبات غير مأهولة، وصولًا إلى الذكاء الاصطناعي يهدد بجعل المحيطات شفافة أمام قوات مكافحة الغواصات للمرة الأولى، مما يُضعف قدرة الغواصات على الاختفاء في الأعماق.
 التكنولوجيا المتقدمة 
لكن الكتلة (أو الحجم) لا تقل أهمية عن التكنولوجيا المتقدمة في مجال تعقّب الغواصات. فعلى العموم، تُعدّ التقنيات الجديدة المرتبطة بالحرب تحت البحر منخفضة التكلفة نسبياً. وغالباً ما يشيد أنصار القوة الجوية بمفهوم “الكتلة الميسورة التكلفة”، أي الأنظمة التي يمكن شراؤها بكميات كبيرة بسبب سعرها المقبول.وهذا المفهوم ينطبق تماماً على البيئة البحرية. فكلما زادت قدرة الجهات الساعية لمنع الوصول على تحمّل كلفة التكنولوجيا المضادة للغواصات، زادت قدرتها على نثر أجهزة الاستشعار في قاع البحر أو ضمن العمود المائي قبالة سواحلها.
وكلما زادت أجهزة الاستشعار المدعومة بالاستقلالية والذكاء الاصطناعي، زادت فرص رصد الغواصات المعادية والتعامل معها. وعند دمج ذلك مع أساليب وتكتيكات وعمليات مبتكرة، فإن “الكتلة الميسورة تحت الماء” قد تعزز من فرص نجاح مشروع “هارموني” وفعالية الجيش الروسي عموماً.
ويبدو أن ما حدث في الحروب البرية يحدث الآن في أعماق البحار وأظهرت الحرب المستمرة في أوكرانيا أن التكنولوجيا العسكرية الحديثة تتيح الدفاع عن المواقع القائمة بشكل أسهل من السيطرة على مواقع جديدة.

 في مواجهة خصم يمتلك تقنيات مماثلة بالإشارة إلى أن الدفاع التكتيكي يفرض هيمنته، والجمود يصبح سيد الموقف.