رئيس الدولة والرئيس القبرصي يؤكدان أهمية العمل على ترسيخ أسباب السلام والاستقرار الإقليميين
كييف خارج المعادلة.. هل يرسم ترامب وبوتين مصير أوكرانيا بـ«صفقة سرية»؟
أثار الاتصال الهاتفي الغامض الذي جرى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين موجة واسعة من التكهنات، خاصة أن محتواه ظل سريًا، وتغيب عنه التوضيحات الرسمية. وعلى الرغم من التكتم، فإن تصريح ترامب الوحيد عقب المكالمة بأن بوتين «يريد إنهاء الحرب» كان كافيًا لدفع المراقبين إلى التساؤل عمّا إذا كانت هناك صفقة روسية- أمريكية كبرى تُدار بمعزل عن العاصمة الأوكرانية كييف، ما يهدد بإعادة رسم مصير البلاد عبر تفاوض سري بين واشنطن وموسكو. هذا التصريح جاء بعد أيام من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر داخل الكرملين في لقاء امتد لأكثر من 5 ساعات.
خطة سلام
ورغم أن واشنطن لم تُصدر تفاصيل رسمية بشأن النقاشات، إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية كشفت أن الوفد قدم 4 وثائق تحمل تصور إدارة البيت الأبيض لخطة سلام كاملة، دون الكشف عن مضامينها أو حدود التزاماتها. ويرى خبراء أن غياب روسيا عن المشهد العلني غيّر قواعد اللعبة السياسية، إذ بدا أن موسكو تعتمد تكتيك الإخفاء المدروس لأوراقها، مقابل وضوح مباشر في نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم قوله إنّه تحدث إلى بوتين.
أسلوبان من التفاوض
ويقول الدبلوماسي الأمريكي السابق، باتريك ثيروس، إنه لا يشك في وجود أي صفقة سرية بين الولايات المتحدة وروسيا، موضحًا أن ما يظهر أمام العالم لا يتجاوز تناقضًا واضحًا بين أسلوبي التفاوض لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وذكر في تصريح لـ«إرم نيوز» أن بوتين يُعد وفق خبرته بارعًا في الدبلوماسية التقليدية، إذ يدخل أي مفاوضات وهو ملم بالملفات، ويمتلك دعمًا استخباراتيًا قويًا، في حين يعتمد ترامب على حدسه الشخصي، ويستعين بمستشارين يشاركونه خلفيته في عالم تطوير العقارات. وأكد ثيروس، أن ترامب يُظهر دوافعه وتكتيكاته بشكل مباشر، بينما يتعمد بوتين إخفاء أوراقه، وهو ما يجعل المشهد يبدو غير طبيعي إلى درجة توحي وكأن هناك اتفاقًا خفيًا، رغم غياب أي أدلة فعلية تدعم هذا الانطباع.
أسلوبان متناقضان
وأضاف ثيروس أن التباين الواسع بين نمطي القيادة لدى الطرفين يخلق ارتباكًا في فهم سلوكهما السياسي والدبلوماسي، الأمر الذي يدفع البعض إلى تفسير هذا الارتباك وكأنه انعكاس لصفقة سرية، بينما هو في الحقيقة نتاج اختلافات جوهرية في المنهج، والتفكير، وإستراتيجيات إدارة الملفات الدولية. وأوضح الدبلوماسي الأمريكي السابق، أن ما يزيد هذا الالتباس هو الطبيعة المتغيرة للتفاعلات بين واشنطن وموسكو، مشيرًا إلى أن العلاقات بين البلدين تُدار، غالبًا، بأسلوبين متناقضين، أحدهما قائم على البراغماتية الصارمة لدى بوتين، والآخر يتسم بالاندفاع والوضوح المباشر لدى ترامب. وقال إن هذه البيئة المتوترة تجعل أي تحرك أو تصريح عرضة للتفسير الزائد، مؤكدًا أن الرأي العام والمراقبين قد يذهبون بسهولة إلى افتراض وجود تفاهمات سرية، وفي الواقع لا يتجاوز كونه نتيجة لطريقتين مختلفتين جذريًا في ممارسة السلطة والتفاوض والاتصال الدبلوماسي، وفق قراءته.
صفقة محتملة
من جانبه قال الخبير في الشؤون الأوكرانية محمد العروقي، إنه يمكن الاعتقاد بوجود صفقة محتملة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكنه شدد في الوقت نفسه على أنّه لا يمكن الجزم نهائيًا بحدوث ذلك. وأشار في تصريح لـ«إرم نيوز» إلى أن الموقف الأمريكي يبدو ميالًا بدرجة أكبر نحو الموقف الروسي، أو على الأقل متقبلًا لأن تنفذ أوكرانيا بعض ما تريده موسكو، مثل الانسحاب من المناطق الشرقية، لا سيما منطقة دونباس.
وكشف العروقي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطمح لإقامة علاقة اقتصادية قوية مع روسيا، لافتًا إلى أن تقارير متعددة تحدثت عن رغبة الإدارة الأمريكية في بناء منظومة اقتصادية تضم روسيا، والهند، والصين. وقال إن هذه الطموحات دفعت إدارة ترامب إلى الاقتراب أكثر من موسكو والاستماع إلى رؤيتها، رغبة في تحقيق ما وصفه بـ«الحلم الأمريكي» بإعادة رسم خريطة اقتصادية عالمية جديدة.
وأردف الخبير في الشؤون الأوكرانية، أن كييف أصبحت من وجهة نظر ترامب ورقة هامشية، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأوروبية التي لم تعد عنصرًا حاسمًا في حسابات الولايات المتحدة الجديدة.
تقاطع مصالح
وأكد محمد العروقي، أن ما يجري ليس صفقة سرية بقدر ما هو تقاطع مصالح بين واشنطن وموسكو بهدف صياغة خريطة اقتصادية وأمنية جديدة للعالم تشارك في رسمها القوى الثلاث الكبرى، وهي: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين.
وأضاف العروقي أن أوكرانيا ما زالت متشبثة بالموقف الأوروبي، وأن الدول الأوروبية مصممة على الاستمرار في دعم كييف، ما يدفعها إلى التفكير في إيجاد كيان خاص بها مستقل نسبيًا عن الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لن يتحقق قريبًا، وقد يحتاج إلى سنوات.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة تدرك أن الأوروبيين غير قادرين على الاستغناء عنها، ولذلك تسعى إلى فرض شروطها على الطرفين الأوروبي والأوكراني في أي اتفاق محتمل لإنهاء الحرب، وهي شروط يرى العروقي أنها تمس المصالح الأوكرانية أكثر مما تمس المصالح الروسية، وتصب في نهاية المطاف في خدمة الرغبات الروسية.