ما أبعاد تفجير أوكرانيا محطة سودغا للغاز؟

ما أبعاد تفجير أوكرانيا محطة سودغا للغاز؟


في تصعيد خطير قد يغير مسار الصراع في أوكرانيا ، تعرضت محطة سودغا لضخ الغاز، الواقعة على الحدود الروسية-الأوكرانية، لانفجار مدمر، مما أدى إلى اشتعال التوترات بين موسكو وكييف.
يأتي هذا التفجير في وقت حساس، إذ تهدد تداعياته بإفشال اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما يضع المجتمع الدولي أمام معضلة خطيرة.
جاء رد موسكو سريعا، إذ وصفت الحادث بأنه "عمل إرهابي متعمد" تقف خلفه أوكرانيا بهدف تقويض إمدادات الغاز إلى أوروبا. وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن التفجير يُثبت عدم التزام كييف بأي اتفاقيات دولية، محذرا من أن روسيا تحتفظ بحق الرد "بالطريقة والزمان المناسبين".
تشير التحقيقات الروسية الأولية إلى أن التفجير نُفذ بعبوات ناسفة متطورة، مما يعزز فرضية تورط أجهزة استخباراتية غربية في العملية، وفقًا لبعض المحللين الروس.
هذه الاتهامات تضع الولايات المتحدة وأوروبا في موقف حرج، حيث تسعى موسكو إلى تقديم دليل على أن الدعم العسكري لكييف يُستخدم في عمليات تخريبية تهدد الاستقرار الإقليمي.
على الجانب الآخر، نفت كييف أي دور لها في التفجير، زاعمة أن روسيا نفسها قد تكون وراء الهجوم لاستخدامه كذريعة لتبرير تصعيد عسكري جديد.
وصرح أندري يرماك، رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، بأن "الكرملين يبحث دائمًا عن مبررات لمواصلة عدوانه، وهذا التفجير قد يكون جزءا من تلك الخطة".
ذهب مسؤولون أوكرانيون إلى أبعد من ذلك، متهمين موسكو بمحاولة الضغط على أوروبا عبر ضرب إمدادات الغاز، في خطوة قد تُستخدم كورقة مساومة في المفاوضات المقبلة.
هذا الطرح يجد صدى لدى بعض المحللين الغربيين، الذين يرون أن روسيا قد تستفيد من الأزمة لإضعاف موقف كييف وإجبارها على تقديم تنازلات استراتيجية.

موقف متردد وتحركات في الكواليس
الإدارة الأمريكية، التي قادت جهود وقف إطلاق النار، تجد نفسها أمام اختبار صعب. فرغم الدعوات إلى ضبط النفس، تبدو واشنطن غير متأكدة من كيفية التعامل مع الحادث دون تقويض مبادرتها الدبلوماسية.
دعا وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، أنتوني بلينكن، إلى تحقيق مستقل وشفاف، لكنه لم يوجه اتهامات مباشرة لأي طرف. وفي الوقت نفسه، تسربت تقارير عن اتصالات مكثفة بين البيت الأبيض والقادة الأوروبيين لبحث كيفية احتواء الأزمة، مع تحذيرات من أن أي تصعيد جديد قد ينسف فرص السلام بالكامل.
وتشعر الدول الأوروبية، التي تعتمد على الغاز الروسي في تغطية جزء كبير من احتياجاتها، بالقلق من تداعيات التفجير. وبينما ترفض بروكسل دعم أي تصعيد عسكري، فإنها تدرك أن استمرار الضغوط على إمدادات الطاقة قد يعيد فتح الجدل حول سياسات العقوبات ضد موسكو.
تضغط ألمانيا وفرنسا، على وجه الخصوص، من أجل إبقاء قنوات التفاوض مفتوحة، في محاولة لتجنب سيناريو تتوقف فيه إمدادات الغاز بالكامل، مما قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية شديدة في القارة العجوز.

ما التالي؟
مع استمرار الغموض حول المسؤول عن تفجير محطة سودغا، يبدو المشهد مفتوحا على جميع الاحتمالات. فقد تستخدم روسيا الحادث كذريعة للضغط على أوكرانيا والغرب، بينما تحاول كييف تصوير الأمر على أنه محاولة روسية للتهرب من التزاماتها.
في المقابل، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف دقيق، حيث يتعين عليها الموازنة بين دعم أوكرانيا والحفاظ على المبادرة الدبلوماسية التي أطلقها ترامب. وإذا لم يتم احتواء الموقف سريعا، فقد نشهد موجة جديدة من التصعيد تعيد خلط الأوراق في الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
تُجمع تحليلات الخبراء على أن أوكرانيا تتبنى نهجا تصعيديا عبر تدمير محطات الطاقة؛ ما يعكس فقدانها السيطرة على زمام الأمور، خاصةً وأنها لا تملك استقلالية في قراراتها.
وأكد الخبراء أن تفجير أوكرانيا لمحطة سودغا للغاز لا يزال يثير قلق الحلفاء الأوروبيين، الذين يعتمدون على هذه المحطات في إمدادات الغاز. كما أن خرق كييف للهدنة يمثل ضربة سياسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ ما قد يدفعه إلى مراجعة موقفه من الأزمة.
وأوضح الخبراء أن قوات "الدب الروسي" تقترب من تحرير منطقة كورسك بالكامل، والتي تضم محطة غاز استراتيجية، وأن تدميرها من قبل أوكرانيا يهدف إلى الضغط على أوروبا ومنع إعادة تدفق الغاز الروسي، مما يعكس استراتيجية كييف لحرمان موسكو من عائدات الطاقة وزيادة الضغوط الاقتصادية عليها.
أوكرانيا غير معنية بالسلام
قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن تفجير أوكرانيا لمحطة الطاقة النووية عند انسحاب قواتها من كورسك يعد اعتداءً مباشرًا على منشآت الطاقة النووية، مما يثبت أنها غير معنية بالسلام وغير قادرة على التحكم في قراراتها.
وأوضح البني لـ"إرم نيوز"، أن هذا التصرف يُثير قلق الحلفاء الأوروبيين، خاصةً أن هذه المحطات كان يمكنها العودة للعمل بعد انسحاب الأوكرانيين، مما يسهم في استئناف إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وأضاف أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليس شريكا موثوقا في أي مفاوضات، متسائلًا: "كيف يمكن لروسيا الجلوس معه على طاولة المفاوضات؟".
وأشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق على وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، شاملاً محطات الطاقة والبنية التحتية، رغم علمه بأن زيلينسكي قد لا يلتزم بذلك، لكنه اتخذ القرار بناءً على تعهد أمريكي.
واعتبر البني أن التطورات الأخيرة تمثل ضربة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر من بوتين، إذ قد تؤدي إلى استمرار الاعتداءات الأوكرانية على منشآت الطاقة، مما يضعف موقف ترامب داخليًا.
ورجّح أن واشنطن قد تضطر إلى تقليص دعمها العسكري والاستخباراتي لكييف، خاصةً إذا واصل زيلينسكي خرق الهدنة، وهو ما قد يثير غضب ترامب ويدفعه للانسحاب من جهود التفاوض، مما يضع أوروبا أمام تحديات لإيجاد حلول بديلة.
كشف الدكتور نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، أن أوكرانيا، بعد خسارتها لمعركة كورسك، لجأت إلى تدمير محطة الغاز في المنطقة، بهدف الإضرار بروسيا ومنع أوروبا من استئناف استيراد الغاز عبر هذا المسار.
وأشار إلى أن هذه الخطوة تمثل استفزازا مباشرا لموسكو، وتسعى إلى دفعها للرد باستهداف منشآت الطاقة الأوكرانية، مما قد يؤدي إلى انهيار اتفاق الهدنة.
وفي ختام حديثه، أكد بوش أن استعداد أوكرانيا لتفجير منشآت الطاقة التي تنسحب منها يعكس يأسها في ظل التقدم الروسي.
وتوقع أن تكون الأشهر القادمة عصيبة على الجبهة، مع احتمال انهيار الجيش الأوكراني تدريجيًا، وصولًا إلى اتفاق سلام بين بوتين وترامب.