لم يخلُ من مفاجآت

ماذا حدث في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني...؟

ماذا حدث في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني...؟

-- يتكون نادي السبعة الجديد للجنة الدائمة للمكتب السياسي فقط من حلفاء أو أتباع مخلصين لشي جين بينغ
-- نجد في الخطاب كوكتالا من اللهجة الانتصارية وتطلعات كبيرة لمستقبل الأمة
-- تكريس لسلطة المهندسين والعلماء، وغابت الفصائل التقليدية
-- يقدم شي رؤية لـ «إصلاحات مؤسسية»، تهدف بحكم الأمـر الواقـع إلى تعزيـز تفـوق الحـزب
-- حطم هذا المؤتمر حد السن الشهير وانتصر الولاء السياسي على الجدارة كمعيار للترقية


   اختتم المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني قبل أيام. تمت برمجته بالملليمتر، ومناقشته على نطاق واسع، ونجح في صنع المفاجأة. بين قضية هو جينتاو، والوصول المفاجئ لـ “لي تشيانغ” والتعديلات الهامة على ميثاق الحزب، لا يزال من الصعب بعض الشيء رؤية الأمور بوضوح تام، ولكن حان الوقت لاستخلاص الاستنتاجات الأولى.    كان على المؤتمر أن يختم الحفاظ على سلطة أمينه العام، شي جين بينغ. وهكذا، اعتمد الإجماع الأكاديمي والصحفي على تعيين واضح للأمين العام الحالي للحزب الشيوعي الصيني، ولا سيما من خلال غالبية أتباعه داخل الهيئات الحاكمة للحزب -المكتب السياسي ولجنته الدائمة. وكان من المتوقع أن يرفع الأهمية المعطاة لفكره ضمن المجموعة النظرية التي توجه عمل الحزب.
   وعلى الرغم من هذه التوقعات، مهما كانت متحفظة، فقد نجح مؤتمر الحزب العشرين في صنع المفاجأة. ماذا حدث؟ تقدم بوابة “الشرق الاحمر” مراجعة للعناصر الرئيسية الثلاثة: التقرير السياسي، أو البرنامج السياسي للسنوات الخمس المقبلة، وجرد التعيينات، أو الأغلبية الكبرى من “رجال شي”، وأخيرًا التنقيحات على ميثاق الحزب، التي أضفت الشرعية على تفوق شي جين بينغ.

التقرير السياسي للمؤتمر
   افتتح المؤتمر بخطاب دام ساعة ونصف الساعة ألقاه الأمين العام شي جين بينغ. الخطاب نفسه مؤلف من مقتطفات من التقرير السياسي الذي يتم تقديمه كل خمس سنوات، وهو بمثابة سرد للعمل المنجز وكبرنامج. هذا العام، اُطلق على هذا التقرير المكون من 72 صفحة وحوالي 30 ألف حرف بلغة الماندرين الصينية، اسم “رفع راية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عالياً والعمل معًا من أجل البناء الشامل لدولة اشتراكية حديثة».    نلاحظ أن هذا ليس تقرير عمل، ولكنه تقرير سياسي. ولذلك، فإن أسئلة بعض المراقبين فيما يتعلق “بسهو” التقرير -ولا سيما فيما يتعلق بالعلاقات الدولية أو المشاكل الاقتصادية -لا معنى لها. تهدف التقارير السياسية إلى توضيح التوجهات السياسية والأيديولوجية الرئيسية للحزب، وليس مناقشة السياسات العامة. علاوة على ذلك، وخلافا لما قيل، فإن التقرير ليس أقصر من الطبعات السابقة.

تحديث على الطريقة
 الصينية، برنامج سياسي
   لئن كانت معظم الموضوعات التي يغطيها التقرير غير جديدة، إلا أنه يقدم موضوعًا جديدًا تناولته الدعاية على نطاق واسع: “التحديث على الطريقة الصينية. هذا المصطلح، الذي ذكره شي جين بينغ لأول مرة عام 2019، هو برنامج سياسي للسنوات القادمة. يوصف بأنه “الرسالة والمهمة الرئيسية للحزب الشيوعي للعصر الجديد، سيتم هذا التحديث على مرحلتين، المرحلة الأولى من 2020 إلى 2035، مرحلة “التحديث الاشتراكي”، ثم من 2035 إلى 2049، مرحلة الازدهار الاشتراكي. ومع ذلك، هذه التواريخ ليست جديدة، وظهرت في تقرير المؤتمر السابق. وهذا القسم عدد 3 يقدم لمحة عامة عن أهداف السنوات الخمس المقبلة، وفي مقدمتها تعزيز اقتصاد السوق الاشتراكي واكتفائه الذاتي، لا سيما على المستوى التكنولوجي. 

   ظهر عنصر أساسي آخر في هذا التحديث على الطراز الصيني، وهو “الرخاء المشترك”، لأول مرة عام 2021. وتكمن وراء هذا المفهوم الجديد الرغبة (أو على الأقل الطموح) في معالجة التفاوت الاجتماعي. ولم يفلت عن الصحافة وعلى المستثمرين خاصة، من أن التقرير السياسي يتضمن فقرة عن تنظيم المداخيل المرتفعة.    يهتم النص بشكل خاص بالتراكم المفرط للدخل ويشجع على إعادة التوزيع. وأكد مقال نشرته صحيفة بكين نيوز نقلاً عن باحث في قانون العمل، أن “قلة من الناس راكموا الثروة بسرعة كبيرة جدًا “...” هذه المشكلة لا تزال بحاجة إلى حل”. ولتحقيق هذا الهدف، سيتعين على الحزب إجراء إصلاحات اقتصادية ومؤسسية جادة، ومع ذلك، تذكّر الباحثة ماري غالاغر، أنها تنطوي على إعادة توزيع الدخل للأسر على حساب الدولة -الحزب.   

وفي نبرة الخطاب وعلى نطاق أوسع من التقرير، يجد المرء مزيجًا من اللهجة الانتصارية وتطلعات كبيرة لمستقبل الأمة، على الرغم من وجود مخاطر الكمين. ويمكن رؤية هذه اللهجة الانتصارية في قائمة النجاحات التي تحققت خلال عشر سنوات ولا يقابلها إلا التطلع إلى تحديث الصين و “تجديد شباب الأمة».    ويقترن هذا التطلع إلى النجاحات المستقبلية بالطموحات العالمية، وتقديم الصين المستقبلية على أنها “دولة اشتراكية حديثة عظيمة تقود العالم من حيث القوة الدولية  والنفوذ  بحلول منتصف القرن”. أخيرًا، يحذر النص من “المحاولات الخارجية للابتزاز والاحتواء والحصار “بهدف” ممارسة أقصى قدر من الضغط على الصين».

التيفا، مؤشرات
 الاتجاهات المستقبلية؟
   مسلحون بقوة جدول بيانات اكسل، بحث البعض عن الاتجاهات في التقرير من خلال عد الكلمات الرئيسية، أو بشكل أكثر دقة الصيغ الرسمية، “تيفا” الشهيرة. والمثال الأكثر حضورا في الصحافة هو “الأمن القومي”، والذي ظهر 73 مرة في التقرير. لا عجب هنا لأن مفهوم الأمن الشامل كان في صميم الأجندة السياسية للسكرتير الأول الصيني منذ عام 2012. والمصطلح شامل الى درجة أن هناك أكثر من “دليل” لفهم معناه بشكل أفضل.

   ومع ذلك، من الضروري تخفيف طريقة التحليل عن طريق الكلمات المفاتيح. يتطلب اختيار تيفا ذات الصلة خبرة في مفاهيم الحزب الرئيسية ولا يكفي الاختيار عشوائيًا. وكما يشير ديفيد باندورسكي من تشاينا ميديا بروجكت بعناية، إن تكرار التجربة باستخدام الكلمة الرئيسية “ديمقراطية” لا معنى له، لأن الكلمة موجودة في كل من “المركزية الديمقراطية” و “الديمقراطية ذات المسار الكامل”. وبالمثل، تشير كلمة الأمن إلى معان مختلفة: يظهر مصطلح “الأمن القومي” أكثر بكثير مما ورد في التقرير السابق، لكن طبعة 2022 ترى ازدهار أشكال أخرى من الأمن (الطاقي، الإقليمي، الأيديولوجي).

   كما لاحظ ديفيد باندورسكي غياب مصطلح “الإصلاحات السياسية” مع ان هذا المصطلح ظل ثابتًا في تقارير الحزب منذ الثمانينيات، ويشير إلى الرغبة، ليس في الإصلاح الديمقراطي، ولكن للسماح بدرجة من المشاركة الشعبية أو على الأقل لأطراف ثالثة. ولئن بلغ ظهور هذه الصيغة ذروته في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإنها لا تزال قائمة عام 2017 في تقرير المؤتمر التاسع عشر. هذه المرة غابت، والإصلاحات السياسية، بالمعنى الليبرالي للمصطلح، دفنت بشكل نهائي. بدلاً من ذلك، يقدم شي رؤية لـ “إصلاحات مؤسسية”، تهدف بحكم الأمر الواقع إلى تعزيز تفوق الحزب.

التعيينات: اللجنة المركزية والمكتب السياسي واللجنة الدائمة للمكتب السياسي
   في دليلنا للمؤتمر العشرين، قدمنا التكهنات الرئيسية وأسماء المرشحين في السباق للجنة الدائمة للمكتب السياسي. كان إجماع مراقبي الصين على اجتماع قمة بين “فصيل شي”، المكون من رجال موالين له أو مدينين له، والمعارضة، بقايا فصيل رابطة شباب الحزب وفصيل شنغهاي. كان المستثمرون يأملون في رئيس وزراء ليبرالي المظهر، مثل وانغ يانغ أو هو تشون هوا. باختصار، توقع الجميع تفوقًا واضحًا لمجموعة شي جين بينغ، لكنها مع ذلك ستراعي منافسيها، وتقدم لهم شكلاً من أشكال العزاء.

رجال شي في القيادة
   لقد تحطمت هذه التوقعات فور نشر قائمة أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي ومكتبها الدائم. يتكون نادي السبعة الجديد فقط من حلفاء أو أتباع الأمين العام. ومن بين اللجنة الدائمة السابقة، لم يبق سوى تشاو ليجي ووانغ هونينغ، باعتبارهما مقربين وحليفين لـ شي جين بينغ.
 القادمون الأربعة موالون للأمين العام. لي كه تشيانغ ووانغ يانغ ليسا حتى من بين 200 عضو في اللجنة المركزية. وأصبح هوو تشون هوا، الذي رُجح دخوله إلى اللجنة الدائمة، مجرد عضو بسيط في اللجنة المركزية، كما خسر تشين تشوانغو مقعده.

   يكرس هذا المكتب السياسي سلطة المهندسين والعلماء. وحسب ملاحظات ساوث تشاينا مورنينج بوست، فإن ما يقرب من 6 من أعضائه الجدد حاصلون على درجات علمية، تتراوح من علوم الفضاء (ما شينغروي و يانغ جيا جون) إلى الهندسة النووية (لي غانجي، الذي درس في فرنسا في التسعينيات). في اللجنة المركزية، هناك 29 عضوا يحملون شــــهادات في العلـــوم والهندسة.
حتى أن بعض المرشحين يتمتعون بشهرة وطنية منذ أن قيل إن هوانغ تشيانغ، حاكم مقاطعة سيتشوان، قد شارك في تطوير الطائرة المقاتلة جي-20. ويبدو هذا التصاعد في سلطة المهندسين والعلماء منطقيًا في سياق تتقدم فيه الصين بخطى قسرية نحو الاستقلال الذاتي أو حتى الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.    لم تعد الفصائل التقليدية ذات الحدود المبهمة والتعريفات الخفيفة في بعض الأحيان موجودة.

 رابطة الشباب، التي تلقت ضربة قاتلة عام 2014 باعتقال لينغ جيهوا، تعتبر الآن هو تشون هوا “عضوًا” في الصفوف الامامية فقط. وسيتم تحديث نماذج الفصائل الموجودة، حيث أن الوضع الحالي هو تحت الهيمنة المطلقة لــ “فصيل شي”.
وفي هذه المرحلة من مركزة السلطة، حتى الشخصيات السياسية المنتمية لفصائل أخرى مجبرة، من أجل بقائها السياسي، على الارتباط بالشخصية المركزية للحزب.
تحطمت معايير الحزب
   إن نقاشا هيكليا في دراسة الحزب الشيوعي هو نقاش حول إضفاء الطابع المؤسسي عليه: إلى أي مدى يتم احترام القواعد والأعراف السارية من قبل صانعي القرار. ومع ذلك، فقد ألغي هذا المؤتمر حدّ السنّ الشهير. حتى الآن، كان على أعضاء اللجنة المركزية التقاعد في سن 69. إلى جانب شي جين بينغ نفسه، ظل تشانغ يوشيا (72 عامًا)، حليف شي جين بينغ المهم في الجيش ونائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، في منصبه. وانغ يي (69) يدخل المكتب السياسي ويخلف يانغ جيتشي. وعلى العكس من ذلك، تم طرد لي كه تشيانغ ووانغ يانغ، كلاهما 67 عامًا.

   علاوة على ذلك، سجّل هذا المؤتمر انتصار الولاء السياسي على الجدارة كمعيار للترقية. حتى الآن، اتبعت التعيينات ترتيبًا محددًا للغاية: الخبرة في المحافظات، والخبرة في الوزارة، والإدارة المركزية، إلخ. لي تشيانغ، على سبيل المثال، هو واحد من كوادر الحزب الوحيد الذي حكم ثلاثة من أغنى مقاطعات البلاد (شنغهاي وجيانغسو وتشجيانغ). ومع ذلك، لا يملك خبرة في الإدارة المركزية -مثل منصب نائب رئيس الوزراء على سبيل المثال -قبل أن يتم تعيينه الرجل الثاني في النظام. بالإضافة إلى ذلك، ظلت إدارته الكارثية للحجر الصحي في شنغهاي في الأذهان، في الصين وخارجها.

   نفس الشيء ينطبق على تساي تشي و لي شي. الأول ليس شخصية سياسية بارزة. على رأس بلدية بكين منذ عشر سنوات، ولا خبرة وطنية أيضًا لديه. في المقابل، عمل بشكل غير مباشر مع شي جين بينغ لما يقرب من خمسة عشر عامًا في فوجيان وتشجيانغ. أخيرًا، لي شي، على رأس الديناميكية قوانغدونغ والحليف القديم لشي، تحصّل أيضًا على ترقية سريعة من خلال تعيينه على رأس لجنة مراقبة الانضباط بالحزب.

قضية هو جينتاو
   حدث نشاز في الباليه الدقيق للمؤتمر يوم الأحد 23 أكتوبر. اصطحاب السكرتير الأول للحزب السابق وسلف شي جين بينغ، هو جينتاو إلى خارج قصر الشعب الوطني تحت حراسة مأمور. المشهد دار حول العالم. بعد ساعة، نشرت شينخوا (باللغة الإنجليزية) تغريدة تشير إلى أن هو جينتاو خرج بسبب المرض. منذئذ، كانت الأسئلة: تطهير؟ مرض؟ إذلال غير مبرر لـ “زعيم” فصيل رابطة الشباب السابق؟
   في ضوء الصور التي تم بثها والتعليق عليها على نطاق واسع، من الواضح أن هو جينتاو مدعو لمغادرة القاعة رغما عنه. بعد الحفل الختامي، فقط لي رويهوان (الكادر السابق الوحيد الذي لم يثني على شي خلال حفل الافتتاح) وهو جينتاو أيضًا لم يشاركا في الاجتماعات مع المندوبين. وعلى عكس ما قيل، لم يتم “تطهير” هو جينتاو من الإنترنت الصيني، فقد ظهر في تقرير التلفزيون الصيني في ذلك المساء.   تعليقات وو قوقوانغ، الأستاذ في جامعة فيكتوريا والمستشار السابق لـ تشاو زيانغ، تبدو صحيحة في هذا التسلسل. في مقابلته على البودكاست “بومينغباي”، يسلط الضوء على     هذا المشهد الحزين لرجل عجوز يتعرض للإذلال والتجاهل من قبل الذين سمح لهم بالارتقاء السياسي. لي كه تشيانغ، الذي يُنظر إليه على أنه أحد محمييه، لم ينظر حتى اليه.

تغيير في ميثاق الحزب
   أخيرًا وليس آخرًا، تعديلات ميثاق الحزب. هذه الوثيقة هي في آن واحد الدليل التنظيمي للحزب وبوصلة إيديولوجية. على عكس توقعات المتخصصين، لم ينجح شي جين بينغ (حتى الآن) في الحصول على لقب “الممثل الأعلى للشعب”، وإقرار مساهمته “النظرية” في “فكر شي جين بينغ “. وليس مستحيلا أن يحدث التغيير في الأشهر القادمة، ولكن على المدى القصير، يحتفظ الحزب ببعض المحظورات والمحرمات.
   على الرغم من هذا “الفشل” بالنسبة إلى شي، فإن “تفكيره في الاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد” تلقى ارتقاء نظريًا لافتا. في مقال نشرته صحيفة الشعب اليومية في 22 أكتوبر خصص للدروس الأيديولوجية للمؤتمر، لفتت صياغة جديدة الأنظار. يدعونا هذا التيفا الجديد إلى اعتبار عقيدة شي “كرؤية للعالم” وكـ “منهجية”. هذه هي المرة الأولى التي تتلقى فيها مجموعة مبادئ شي العقائدية هذه الألقاب، وعادة ما تكون مخصصة لفكر ماو، وهذا انتصار صغير لشي.
   فيما يتعلق بالتغييرات في ميثاق الحزب، تم الكشف عن النص في 26 أكتوبر. تمت إضافة “تأكيدين”، إلى جانب “تحيتان” و “الضمائر الأربعة”.
وتهدف هذه الإضافات إلى ترسيخ مكانة شي جين بينغ في قلب الحزب والحزب في قلب النظام. ووفق البيان الصحفي المصاحب للنص، تم تخصيص مكان مهم في مراجعة ميثاق النضال الأيديولوجي وأيضًا الثورة الذاتية-وهو مصطلح يستخدم لوصف عمل التحول الذي يتعين على الكوادر القيام به لتغيير أخلاقيات العمل ورفض الفساد.

خلاصة
   ان المؤتمر العشرين قد أحدث في النهاية تغييرات أكثر مما كان متوقعًا. كانت الدلائل تشير إلى تعزيز شي في السلطة، وهذا الترسيخ فاق التوقعات. تم تدمير شبكة رابطة الشباب، الموروثة من فترة هو جينتاو، بالكامل. الموالون في السلطة، وامام شي جين بينغ الآن فسحة أكبر من المؤتمرات السابقة. من السابق لأوانه أن نسأل إلى أي مدى ستعيد الفصائل تشكيلها داخل الجهاز التنفيذي -على سبيل المثال اتجاهات مختلفة داخل فريق شي؟ وبالمثل، يمكن أن تكون الهيمنة المطلقة لفريق شي مفيدة للمضي قدمًا في الإصلاحات الرئيسية: وهي فائدة إذا كانت الإصلاحات مصممة جيدًا، ولكنها تشكل خطرًا سياسيًا كبيرًا إذا فشلت.  

  بعيدًا عن لعبة الكراسي الموسيقية لكبار قادة الصين وهيمنة شي، فإن السرديّة الوطنية والسياسية الجديدة المتداولة لها نفس القدر من الأهمية. يصفه أحيانًا جيريمي بارمي، عالم الصينيات ومؤسس “الارث الصيني”، بأنه “الموحِّد العظيم”، يقدم شي جين بينغ نفسه بالفعل كشخصية صوفية تقريبًا “حل” المشكلات الموروثة من أسلافه. ووفق السرديّة الرسمية، فقد أنهى الفقر، وأكمل بناء مجتمع يطيب فيه العيش إلى حد ما، وحقق نجاحات كبيرة في مكافحة الفساد أو في سياسة صفر كوفيد. وعلى المستوى النظري، قام بتحديث الفكر الماركسي وبالتالي قدم مساهمة “كبيرة” في الفكر الاشتراكي.

   يعتبر شي جين بينغ خبيرًا جيدا في تاريخ الحزب ويعرف كيفية استخدامه للإعلان عن نواياه وطموحاته. مع كل فترة ولاية جديدة، من المعتاد أن يأخذ السكرتير الأول لجنته الدائمة للدراسة. عام 2012، اصطحب زملاءه إلى معرض بعنوان “على طريق النهضة العظيمة للأمة الصينية. عام 2017، ذهب قادة الصين السبعة إلى شنغهاي، موقع المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الصيني، لتذكّر “المهمة الأصلية”. في 27 أكتوبر، سافر شي ومرؤوسوه إلى يانان، قاعدة الحزب الشيوعي خلال الحرب ضد اليابان. وبشكل أكثر تحديدًا، زار موقع المؤتمر السابع للحزب، حيث انتصر ماو بشكل نهائي على خصومه، وفق المؤرخ جاو هوا. وقال شي “مسلحون بروح يانان ومستعدون للنضال، لنحقق أهداف المؤتمر العشرين”... الرسالة واضحة.

* خريج معهد العلوم السياسية بباريس (العلاقات الدولية). مؤسس مشارك لموقع EastIsRead، وهي بوابة معلومات وأبحاث فرنسية في الصين. يركز بحثه بشكل أساسي على نظام الائتمان الاجتماعي الصيني، وسبق ان عمل في معهد البحوث الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية.