هل يقترب البلدان من حافة الحرب الشاملة ؟
مخاوف من تفاقم الصراع بين أنقرة وأثينا
تشتد الخصومة بين تركيا واليونان مع شروع زعماء البلدين في حرب تصريحات سياسية تثير قلقاً واسعاً من تجدد الصراع التاريخي بين الجارين المتشاحنين. ومن شأن الملفات الحساسة، كتسليح اليونان لجزر في بحر إيجه وأبرزها “كريت”، واعتراض الطائرات التركية، ونشر صواريخ إس 300، كذلك تداخل الحدود البحرية، والخلافات القديمة على قبرص المقسمة، وغاز المتوسط أن تقرب البلدين من حافة الحرب الشاملة.
أمس الأول، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتهاماته لليونان باحتلال جزر منزوعة السلاح في بحر إيجه، وقال إن تركيا مستعدة “لفعل ما يلزم” عندما يحين الوقت المناسب. واتهمت أنقرة أثينا في الآونة الأخيرة بتسليح جزر بحر إيجه منزوعة السلاح، وهو أمر تنفيه أثينا. ولم يسبق لأردوغان أن اتهم اليونان باحتلال الجزر.
وقال أردوغان، متحدثاً من سامسون في شمال البلاد، “احتلالكم للجزر لا يقيدنا. عندما يحين الوقت والساعة (المناسبين) سنفعل ما يلزم».
وردت اليونان على تصريحات أردوغان، بالقول إنها لن تحذو حذو تركيا في “انزلاقها اليومي الشائن” في تصريحات وتهديدات، وقالت وزارة الخارجية اليونانية، “سنبلغ حلفاءنا وشركاءنا بمحتوى التصريحات الاستفزازية... لنوضح من الذي يضع الديناميت في تماسك تحالفنا خلال فترة خطيرة».
حافة الحرب
ومن الأسباب التي قد تدفع الجارين إلى حافة الحرب، زعم تركيا بأن اليونان تنتهك الاتفاقيات الدولية، ومنها “لوزان” (1923)، و”باريس” (1947)، التي تمنع تسليح 24 جزيرة في بحر إيجه، في مقدمتها جزيرة كريت.
وتقول أنقرة، إن جزر بحر إيجه منحت لليونان بموجب المعاهدتين المذكورتين بالأعلى بشرط عدم تسليحها. وقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مراراً، إن تركيا ستبدأ في التشكيك في السيادة اليونانية على الجزر إذا استمرت أثينا في تسليحها. ورداً على ذلك قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، إن موقف تركيا من التشكيك في سيادة اليونان على الجزر “سخيف».
أيضاً كان لاتهام أنقرة لليونان بالتشويش على أجهزة إنذار النظام الصاروخي في طائرة “إف-16” التركية، من خلال منظومة صواريخ “إس-300” اليونانية دور في تأجيج الخلافات بين البلدين.
تستفز صواريخ “إس-300” اليونانية تركيا بشدة، وتعتبر أنقرة أن جارتها أثينا اخترقت الاتفاق مع روسيا، والذي ينص على أن تبقى تلك الصواريخ الدفاعية مجمدة. لكن تركيا تقول إن الصواريخ الدفاعية هي تعمل وتحديداً ضد تركيا.
تشكل الخلافات على المياه الاقتصادية واحدة من التحديات بين البلدين، فتركيا ترسل باستمرار سفن تنقيب إلى مناطق تعتبرها اليونان تابعة لها، وترد أثينا على تلك الاستفزاز بمناورات بحرية واستعراضات عسكرية.
ويؤرق تحليق الطيران الحربي التركي المستمر فوق الجزر اليونانية أثينا، ودفعها لمرات عديدة إلى اتهام أنقرة بمواصلة حرب الاستفزازت والتعدي على سيادتها.
كما يعد التقارب الواضح بين واشنطن وأثينا سبباً لاستفزاز تركيا، ويقول الكاتب محمد برلاس لصحيفة “الصباح”، “واشنطن تدفع أثينا نحو مزيد من الغطرسة، رغم أنها كبيرة حلفائنا في الأطلسي. ولكنها لم تكتف بذلك، بل حولت اليونان إلى مستودع للأسلحة الأمريكية».
سبب وجيه
ومن المعروف أن التوترات بين اليونان وتركيا تتصاعد منذ عدة عقود، إلا أنها تفاقمت مؤخراً بسبب اكتشاف حقول واسعة من الغاز في شرق البحر المتوسط، وهو ما أدى إلى تفاقم مشكلة المناطق البحرية المتداخلة. وفي الأشهر الأخيرة، أضاف الغزو الروسي لأوكرانيا وتدافع أوروبا لتأمين بدائل لواردات الطاقة من موسكو رغبة ملحة للاستفادة من احتياطيات الغاز البحرية الكبيرة في المنطقة، بحسب ما ذكرته الباحثة في جمعية هنري جاكسون والمحاضرة في جامعة كامبريدج البريطانية الدكتورة بورجو أوزتشيليك، في تصريح لمجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية الشهر الماضي.
دوامة خطيرة
ويمكن بسهولة حدوث مواجهة عسكرية بين الجانبين بسبب كل تلك الخلافات، ورغم آلية فض الاشتباك الخاصة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) بين الدولتين العضوين في الحلف. ويرى جورج تزوجوبولوس، الباحث المتخصص في الجغرافيا السياسية الإقليمية للطاقة، أن العلاقات اليونانية التركية دخلت دوامة خطيرة في العامين الماضيين. ورغم أنه أمر مرجح الحدوث على الفور، من الممكن وقوع أي حادث عسكري في أي وقت في شرق المتوسط، وربما يعتمد التصعيد بدرجة كبيرة على قدرة الولايات المتحدة على حماية الجبهة الجنوبية الشرقية للناتو.