مدارس الطيبين- الجزء الثاني
نظراً للطلب المتزايد سواء من القراء عامة أو من أصدقاء المدارس القدامى بأن أستمر بكتابة المزيد من المواقف المتعلقة بمدارس الطيبين، فقررت أن يكون هذا المقال استكمالا لمقال الأسبوع الماضي، فمنذ نشر المقال الأسبوع الماضي وقد وصلتني العديد من الرسائل، فمنهم من يذكر بأنني رجعتهم لأيام الطفولة ومنهم من يكتب لي بعض المواقف التي قد أكون نسيتها والحقيقة أنني لم أنسها، ولكن مساحة المقال لا تسمح لكل المواقف والذكريات الجميلة، وإليكم بعض المشاهد من مواقف مدارس الطيبين ...
المشهد الأول: شخصية المعلم هو الذي يفرضها على الطلاب، وبالأخص في زمننا الماضي حيث كان الضرب مسموحاً، فمن الإزعاج والفوضى التي تحدث بين الحصص إلى السكوت المفاجئ والسبب دخول المعلم صاحب الهيبة والوقار، يقول السلام عليكم، ونبدأ بالتلحين- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته- يُخرج من جيبه منديلاً ويبدأ بمسح طباشير الصبورة ولا يرمي المنديل بل يرجعه في جيبه لمسح صبورة الحصة المقبلة، وبعدها تبدأ نوبة الكحة نظراً لدخول غبار الطباشير في صدره، بعد انتهاء الغبار يبدأ المعلم بشرح الحصة، وإن سقطت إبرة على الأرض لسمعتها من شدة الانتباه والتركيز والصمت، أما المعلم صاحب الشخصية المتواضعة فتجد حصته كأنها حصة فراغ فوضى وإزعاج وتنقلات بين الكراسي والطاولات، وطالب يقف وأنتم بكرامة عند سلة المهملات في زاوية الفصل ليبري قلمه والذي صغر حجمه إلى حد أنه وصل إلى الممحاة فأصبح السن والممحاة بدون جسد القلم بل قد لا يستطيع الكتابة به من صغر حجمه والمضحك المبكي بأنه ليس لديه سوى هذا القلم، والهدف أنه يريد الوقوف مقابل الطلاب ليغمز لهم ويلمز - ألا ترونهم جيلا متحدثا ولا يخجل من مواجهة الجمهور من القلم والبراية - أما الجالسون على المقاعد الأمامية هم المنتبهون فقط، مصطفى ونضال وفادي، وتجدهم متأففين لوجود الفوضى وليضمنوا العلامة الكاملة، يُظهرون أمام المعلم أنهم يريدون التعلم بينما بقية الطلاب في فوضى عارمة ولا يجترئون إلى الحديث لأي طالب فوضوي لإسكاته لأن (الطراق) جاهز، وسيرجع كرسيه ويكمل درسه وخده محمر، والمفارقة إذا فتح الباب بشكل مفاجئ ودون استئذان مدير المدرسة أو الاختصاصي الاجتماعي، ستجد الهدوء المفاجئ والجميع يتسحب إلى كرسيه وكأنه بريء براءة إخوة يوسف، والله المدراء زمان كان عندهم تكنيك خاص يكشفون به لواتة الطلاب.
المشهد الثاني: أما هروب الطيبين والتسلق من الجدار الخلفي للمدرسة -في الفسحة- لتجدهم في الكافتيريا القريبة من المدرسة، فطلاب المرحلة الإعدادية والثانوية كانوا لا يعترفون بالفلافل المدرسية والزعتر، بل يريدون البرجر بالجبن والنقانق واللحم الناشف والعصير والكرك، وبعد الأكل على حسب المزاج إما أن يرجع المدرسة ليكمل الحصص وإما يدور ويمشي في حموة الشمس إلى أن ينتهي وقت الدراسة ليرجع لبيته، لو راجع الصف أحسن له بدال التعب على الأقل بيهف عليه مكيف (الجنرال) صاحب الصوت الشجي إلى وقت جرس الحصة الأخيرة.
المشهد الثالث: من شجاعة الطلاب قديماً بأنهم في الامتحانات لا يتعبون أنفسهم ببراشيم للغش - يعني ما يريد يذاكر ولا يريد يتعب نفسه ويسوي براشيم، على الأقل لو كتب له برشومة ممكن ترسخ معلومة من الكتابة وتعب تصغير الخط، تجده مدخلاً ملزمة كاملة أو كتاباً، وما إن يخرجه حتى يُمسكه المراقب في نفس اللحظة ياله من التقاء للشجاعة والذكاء في نفس الوقت، ويعتمد على المراقب إما أن يطرده من الامتحان أو يعطيه فرصة لإكمال الامتحان بعد انتشال البراشيم منه.
المشهد الرابع: أما امتحان الإنجليزي فهو الامتحان الوحيد الي ما يباله دراسة، الأم تسأل ولدها شو عندك باجر، يقولها إنجليزي ما يباله دراسة على أساس أمه إليزابيث، ليش ما يباله دراسة، يستلم الحبيب ورقة الامتحان فيرى السؤال طبعاً مش فاهم ولا كلمه، ينظر بعينه آخر كلمة في السؤال ويرجع عند التعبير الي فوق السؤال، ويدور وين موجودة نفس الكلمة ويبدأ بإكمال الإجابة من نسخ التعبير إلى نهاية الجملة والمتمثلة عنده بالنقطة، ولما يستلم الشهادة تكون النتيجة 49% وناجح جوازاً، كم أنت عبقري يا وليام شكسبير.
وأخيرا لا نُعمم هذه المواقف، بل كان هنالك المجتهدون والجادون والمتعلمون والمثقفون وهم الأكثرية ولكن دائماً المواقف غير المألوفة ترسخ في الذهن وإن كانت قليلة، ودمتم ودامت ابتسامتكم طلاب مدارس الطيبين.