من المجر إلى سلوفاكيا.. هل تشق الحرب الأوكرانية وحدة القرار الأوروبي؟

من المجر إلى سلوفاكيا.. هل تشق الحرب الأوكرانية وحدة القرار الأوروبي؟


بينما تصر بروكسل على المضي في مواجهة موسكو حتى آخر جولة من الحرب الأوكرانية، تتصاعد أصوات الرفض من داخل البيت الأوروبي ذاته، في مشهد ينذر بتحول الخلافات إلى شقوق عميقة في جدار الاتحاد. 
وبعد المجر، جاءت سلوفاكيا لتعلن صراحة: “لن نشارك في أي خطة أوروبية لتمويل أوكرانيا عسكريًا”، لتطرح تساؤلًا مُقلقًا عن مدى قدرة التكتل على الحفاظ على وحدته في حرب لا يبدو أن لها نهاية قريبة.
وفي 20 أكتوبر- تشرين الأول الماضي صوت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالأغلبية المؤهلة لصالح مقترح التخلي عن واردات الغاز الروسي ابتداءً من عام 2027، رغم اعتراض المجر التي اعتبرت القرار “عقوبة جماعية” بحق شعوب أوروبا. 
وأعلن وزير خارجية المجر، بيتر سيارتو، أن بودابست ستستخدم جميع الوسائل السياسية والقانونية لمنع اعتماد هذا القانون، مؤكدًا أن بلاده لن تسمح بفرض زيادات في أسعار الطاقة على المواطنين المجريين.
وحذر سيارتو من أن التخلي الإجباري عن الغاز الروسي سيُعرض المجر وسلوفاكيا لعقوبات؛ بسبب خرق عقود التوريد طويلة الأمد التي أبرمتها بودابست مع موسكو عام 2021 لمدة 15 عامًا. 

انتحار اقتصادي باسم التضامن  
ووفقًا لمراقبين، لم يكن ذلك التحذير مجرد خطوة سياسية؛ بل تعبير عن رفض مبدئي للضغوط الأوروبية التي تراها المجر “انتحارًا اقتصاديًا باسم التضامن مع كييف».
وفي السياق ذاته، أكد رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، أن بلاده تُجري مشاورات مع روسيا حول الأصول الروسية المجمدة، محذرًا من أن أي إجراءات انتقامية ضد الشركات المجرية ستدفع بودابست لرفض استخدام عائدات تلك الأصول لدعم أوكرانيا. 
ووصف أوربان إحجام الاتحاد عن التفاوض مع موسكو بأنه “خطأ كارثي”، مشيرًا إلى أن الأمريكيين سيتولون التفاوض ويقررون مستقبل أوروبا، بينما “يتظاهر الأوروبيون بأنهم راضون».
ولم تبتعد سلوفاكيا كثيرًا عن الموقف المجري، إذ أعلن رئيس وزرائها، روبرت فيتسو، في 26 أكتوبر-تشرين الأول الماضي أن بلاده لن تشارك في أي برنامج أوروبي لتمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا، مؤكدًا أن الحل لا يكمن في ساحة المعركة، بل في التفاوض المباشر مع موسكو.

انتقادات للعقوبات الأوروبية
وانتقد فيتسو العقوبات الأوروبية على روسيا، مؤكدًا أنها “تضر بأوروبا أكثر مما تؤثر على الكرملين”، وأن بلاده لن تكون شريكة في حرب تهدد استقرار القارة وتستنزف اقتصاداتها. 
وكشفت المؤشرات الأخيرة عن تصدّعٍ متزايد داخل الاتحاد الأوروبي بشأن إدارة الحرب الأوكرانية، خاصة أن قرار حظر الغاز الروسي بحلول 2027 تم تمريره بالأغلبية، رغم اعتراضات المجر وسلوفاكيا، في سابقة تُظهر كيف تستخدم بروكسل آلية “الأغلبية المؤهلة” لتجاوز إرادة الدول المعارضة.
وفي ملف الأصول الروسية المجمدة، أرجأ قادة الاتحاد في قمة أكتوبر- تشرين الأول الماضي اتخاذ قرار بشأن قرض التعويضات البالغ 140 مليار يورو لأوكرانيا، بعد اعتراضات من بلجيكا التي تحتفظ بمعظم أموال البنك المركزي الروسي.
كل هذه التطورات تظهر أن الحرب الأوكرانية لم تعد مجرد مواجهة عسكرية على حدود أوروبا، بل أزمة داخلية تهدد بنسف فكرة “الوحدة الأوروبية” ذاتها.

تصاعد الخلافات الأوروبية
وأكد خبراء أن الحرب الأوكرانية باتت تهدد تماسك الاتحاد الأوروبي، وتكشف عمق التباينات بين دوله، بعد تصاعد مواقف بعض الحكومات الرافضة لاستمرار الدعم العسكري لكييف، وفي مقدمتها المجر وسلوفاكيا، اللتان تعتبران أن العقوبات على موسكو تضر باقتصادات أوروبا أكثر مما تضغط على روسيا. 
وكشف الخبراء، في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن هذه المواقف تُضعف وحدة القرار داخل التكتل، وتفتح الباب أمام تكتلات سياسية جديدة تُعارض النهج التصعيدي لبروكسل.
وأضاف الخبراء أن سياسات الاتحاد الأوروبي باتت تُدار وفق مصالح قوى محددة تضحي بالدول الصغيرة من أجل استمرار الحرب، مشيرين إلى أن بروكسل تمارس ضغوطًا وتهديدات مالية على الحكومات المخالفة لموقفها من موسكو.

وحدة الموقف الأوروبي
وبهذا الصدد، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، بسام البني، إن الحرب الأوكرانية تُفاقم الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وتعمق الخلافات بين دوله، مشيرًا إلى أن التكتل، رغم تمسكه بالعقوبات على روسيا، يشهد بروز دول تُعارض علنًا استمرار الدعم العسكري لكييف، لما له من آثار مدمرة على اقتصاداتها ووحدة موقفها السياسي.
وأكد البني أن مواقف المجر وسلوفاكيا أبرز مثال على هذا التوجه، فالأولى بقيادة فيكتور أوربان تُعرقل قرارات الاتحاد وتصف سياساته بأنها “خطط حرب”، كما تُعارض انضمام كييف للاتحاد وفرض عقوبات جديدة على موسكو، ما دفع بعض العواصم الأوروبية إلى استبعاد بودابست من مناقشات أمنية حساسة.
وأشار إلى أن سلوفاكيا بقيادة روبرت فيتسو ترفض المشاركة في تمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وتنتقد العقوبات المفروضة على روسيا، وهو ما أدى إلى استبعادها من مشروع “جدار مكافحة الطائرات المسيرة” باعتبارها “موالية لروسيا».
وأضاف البني أن الانقسام لا يقتصر على الحكومات، بل يمتد إلى الداخل الأوروبي نفسه، إذ تواجه حكومة أوربان انقسامات داخلية مع حزب “تيسا” المعارض، الذي يدعو للتقارب مع بروكسل، وفي نفس الوقت لا تزال استطلاعات الرأي تظهر تقاربًا في التأييد بين الطرفين.
وتابع: “استمرار هذه الخلافات يضعف تماسك الاتحاد في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، وربما يُجبره مستقبلًا على إعادة صياغة أولوياته تجاه روسيا وأوكرانيا».

استمرار الدعم الأوروبي
من جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، إن دول الاتحاد الأوروبي تواصل تعزيز دعمها العسكري والمالي لأوكرانيا، إذ رفعت صادراتها العسكرية مؤخرًا بشكل واضح.
وتابع حميد، في تصريح لـ”إرم نيوز”: “فرنسا زودت كييف بطائرات ميراج، وإسبانيا وفنلندا تمولان شراء صواريخ باتريوت من أمريكا، وتقدم بريطانيا صواريخ دفاع جوي وتساعد في تصنيع مسيرات اعتراضية».
وأكد أن هذه المساعدات، رغم ضخامتها، لم تُحدث تغييرًا ميدانيًا ملموسًا، لأن الخلل يكمن في طريقة إدارة الحرب والتفكير الاستراتيجي لقيادات الاتحاد الأوروبي.
وأشار حميد إلى أن القوات الروسية تواصل التقدم في دونباس، فيما يعترف مسؤولون أوكرانيون بصعوبة الدفاع عن الأراضي.
ولفت إلى أن سلوفاكيا حافظت على موقفها الداعي للحل الدبلوماسي، معتبرًا أن المواجهة مع موسكو ليست خيارًا ممكنًا لدولة صغيرة قد تُترك دون دعم، كما حدث مع أوكرانيا. 
وأوضح حميد أن الاتحاد لم يكن يومًا موحدًا في مواقفه الدولية، وأن بروكسل تمارس ضغوطًا وتهديدات مالية على الدول المعارضة، 
كما حدث في قضية الأصول الروسية المجمدة بمؤسسة “يوروكلير».
وقال حميد إن الدول الأوروبية الصغيرة تُستخدم كبيادق لخدمة مصالح القوى الكبرى، 
محذرًا من أن دول البلطيق قد تواجه خطر الزوال إن واصلت مواقفها العدائية تجاه موسكو. 
وأشار إلى أن المجر وسلوفاكيا تمثلان بداية تمرد سياسي قد تتبعه دول أخرى مثل رومانيا ومولدوفا مع توسع الروس نحو البحر الأسود.
وبيّن أن الاتحاد الأوروبي يسير نحو تضييق دائرة القرار السياسي بيد قلة من القادة، في مقدمتهم رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، التي تحاول إقصاء الأصوات الموالية لروسيا لتثبيت هوية أوروبية موحدة.