في مرحلة من الزمن وفي رحلة بحثي عن أجناس الثقافة المختلفة وإشباعاً لفضولي، حيث أني في بداياتي أحببت أن أكون قارئاً للوحات التشكيلية ومحللاً لها، وفي إحدى زياراتي لمعرض من المعارض التشكيلية شاهدتُ لوحة مطلية باللون الأسود وفي آخر اللوحة بقعة بيضاء، ووجدت أجنبياً طاعناً في السن وزوجته يتحدثان مع صاحب اللوحة وكأنه عبقري زمانه، فمررت بجوارهم لأسمعه يشرح لهم ويقول إن النفق المظلم آخره مخرج، وهذه الحياة لكل مصيبة فرج، ابتسمت وقلت في خاطري لا أحد يُفسر ويٌنظر مثل الفنانين، الشرح جميل ولكن اللوحة لا تأخذ جهداً ثانية واحدة من الزمن.
إليك الجديد وأنا أقرأ في بعض الصحف العربية وجدت هذا العنوان " لوحة الموزة المعلقة" تُثير الجدل بعد بيعها بـ 6 ملايين دولار، لك أن تتخيل أن تشتري موزاً وتعلقه بلاصق على الجدار وتُصبح لوحة تشكيلية، لو كان مايكل أنجلو على قيد الحياة لتحسر على عصر النهضة، دفعني الفضول للبحث خلف اللوحة لتتضح بأنها لوحة للفنان الإيطالي المُثير للجدل ماوريتسيو كاتيلان (أدري إنك ما قرأت الاسم).
اسم اللوحة “الموزة المعلقة” التي لا تزيد عن موزة حقيقية اشتراها من محل لبيع الفاكهة وتم لصقها بشريط لاصق على الحائط، بيعت بمبلغ 6 ملايين دولار. هذا العمل أثار لديَ موجة من التساؤلات: هل الأجانب لديهم توافه لهذه الدرجة ونحن نضرب بهم المثل في كل شيء؟ هل نحن ظلمنا الرجل وهذا بالنسبة له إبداع حقيقي، عمل لا تتحاوز ميزانيته دولاراً واحداً بِيع بملايين الدولارات، هل الأمر يتعلق بالإبداع الفني الحقيقي أم هو مجرد استفزاز للفت الأنظار وبالتالي تفاهة مواقع التواصل الاجتماعي جعلت منه ترينداً، التريند نعديه والملايين وين نصرفها؟
سيأتيك بعض المنظرين ويدافعون عن التفاهة كفن تجاري باعتباره تجسيدًا لعصر ما بعد الحداثة، حيث يتجاوز الفن الشكل والمادة ليصبح فكرة مجردة. لكن ماذا تعني هذه الفكرة عندما تصل إلى حد التلاعب بالفكر وتسويق التفاهة!
 هذه القصة ذكرتني ببعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي ممن لديهم محتوى فارغ أشبه بالموزة المعلقة، عموماً بعد قراءة هذا الخبر عكفت في المنزل لإنتاج عمل تشكيلي جديد يحمل توقيعي وهي سأعلق فاكهة بو الروان على الجدار على الأقل بيطول أكثر من الموز، الموز يومين وبيخيس، بس الي بيشتري لوحة بو الروان يُحضِر معه شهادة تُثبت مصدر الملايين التي سيدفعها، لأن القيمة المدفوعة على هذه اللوحة تجعلك تشك لربما تكون غسيل أموال أو غسيل روان كله يمشي ، ودمتم ...