خالد بن محمد بن زايد يشهد جانباً من منافسات الألعاب الرقمية الهجينة في «دورة ألعاب المستقبل 2025»
هؤلاء علموني المسرح
في معهد الفنون المسرحية بالقاهرة، لم نكن نتعامل مع أسماء عابرة، بل مع أجيال صنعت المسرح العربي، ثم جلست أمامنا دون ادعاء وكبر ومغالاة، كنت محظوظاً بأنني تتلمذت على يد عدد من الفنانين الحقيقيين القدامى ممن توفاهم الله برحمته الواسعة.
جلال الشرقاوي ومسرح الحياة، الشرقاوي كان مسرحه يمُس الواقع، مدرسته لم تكن قائمة على الهروب إلى الرمز الغامض، بل على المواجهة المباشرة بلغة يفهمها الجمهور وعمق لا يفرط في الفكرة، المسرح عند الشرقاوي مشتبك مع القضايا اليومية: الفقر، القهر، التناقض الاجتماعي، والوعي الزائف. آمن بأن المسرح يجب أن يكون منحازاً للإنسان، علمنا بأن المسرح لا يُصنع لإرضاء النخبة ولا لإضحاك الجمهور فقط، بل لجعله يٌفكر ويختلف وينزعج وتنهال دموعه من شر البلية.
سعد أردش تأثر بالمسرح الملحمي ورائده بريخت الألماني ليس كتقليد وإنما كأداة تفكير، فالمسرح لا يُخدر المتفرج، بل يوقظه، أن يفكر المتفرج في أسباب الحدث لا في النتيجة والدموع، كسر الإيهام عنده ليس لعبة إخراجية، بل موقفاً إنسانياً، مسرح أردش مسرح العقل الحي، يؤمن أن الخشبة مساحة وعي ولا ملجأ للهروب.
علي فوزي، ومنى صادق علمونا أن الإلقاء ليس رفع صوت، بل وضوح فكر وإحساس المعنى، مخارج الحروف ليس تمريناً ميكانيكياً، بل احترام الكلمة واحترام أذن المتلقي، في دروسهما كان الحرف يٌنطق كاملاً دون قسوة والجملة تٌقال في ميزانها الطبيعي، لا تُسحق بالعاطفة ولا تٌجرد من روحها، علمونا كيف يٌقال الشعر نثراً وكيف يعود النثر شعراً حين يُقال بصدق، كيف تسير الكلمة على الخشبة دون تكلف، كان الإلقاء انضباطا داخلياً وسيادة للمعنى وتوازناً دقيقاً بين العقل والإحساس والكلمة.
سناء شافع علمنا أن الأداء لا يُصطنع وأن الممثل الصادق لا يرفع صوته ليقنعك، بل يخفضه أحياناً ليجعلك تصدقه وتصغي له، علمنا أن الصمت لغة وإيقاع قد يكون أصدق من الكلمة في موضعه.
عبد الرحمن عرنوس، فتح لنا باباً مختلفاً لفهم التمثيل، باباً من الداخل لا من الخارج، في منهج السيكودراما كان عرنوس يجعل الممثل يتعرف فيها على نفسه، كما لم يٌشاهد نفسه من قبل، كان منهجه تطهير من الشوائب ومن الضغوط ومن صعوبات الحياة، تبكي لترتاح، لتكون ورقة ناصعة البياض، مستعدة لتجسيد أي شخصية مهما كان صعوبتها. علمنا أن أجمل لحظة ليس تلك التي تُؤدى، بل التي تُعاش.
ولا ننسى أساتذتنا رحمهم الله سامي صلاح وهاني مطاوع وعبد اللطيف الشيتي مما كان لهم الأثر الكبير في صقل شخصياتنا المسرحية ممن عاصروهم من طلبة معهد الفنون المسرحية.
رحمهم الله، فقد كانوا معلمين بحق، وتركوا فينا أثراً يكفي ليبقى المسرح حياً ما حيينا... ودمتم بخير،،،