هدأة النفس

هدأة النفس

 في لحظات معينة من حياتنا، نشعر أن عواصف الشباب قد هدأت، وأن أشياء كثيرة كانت تضج بداخلنا أصبحت بلا صوت. الرغبة في الخروج بلا هدف بهتت ، والبحث عن المتعة في أماكن صاخبة يتراجع ليحل مكانه سكون داخلي عجيب. لم أعد أجد للخروج غير المبرر أي متعة. لم تعد تلك الضوضاء تغريني ولا تلك المظاهر تجذبني. أصبحت خروجاتي محدودة ومقصودة: للعمل، لممارسة الرياضة، أو الملاهي مع أطفالي ،أو لزيارة الأهل. كل شيء بات يحمل معنى أعمق. هل هذا هو منتصف العمر؟ أم أنه النضج؟ ربما هما معًا. منتصف العمر ليس مجرد رقم على بطاقة الهوية، بل مرحلة نبدأ فيها في فهم أنفسنا أكثر. والنضج هو إدراكنا لما نحتاجه فعلاً، وليس ما نظن أننا نحتاجه. حين نفكر مليًا، نرى أن هدأة النفس ليست فقدانًا للبهجة، بل إعادة تعريف لها. هي القدرة على العثور على السعادة في التفاصيل الصغيرة: في لحظة صمت، في كتاب، في ورقة وقلم، في مشروع كتيب، في وجبة مع العائلة. لم نعد بحاجة لأن نثبت لأنفسنا أو للآخرين أننا نعيش؛ نحن نعيش فعلاً، لكن على طريقتنا. ربما كان الشباب اندفاعًا، ورغبة دائمة في الاستكشاف. أما هذه المرحلة فهي احتواء للذات وعودة إلى الأصل. هدأة النفس ليست تراجعًا عن الحياة، بل اختيار للحياة التي نريدها نحن، بعيدًا عن صخب العالم وضغوطه. الخروج أصبح بالنسبة لي رحلة داخلية؛ أخرج من يومي لأعود إلى نفسي، وأجد فيها سلامًا داخليا لا يعوض…. ودمتم .