بوتين ذكرَ استخدامها في مناسبات عدة

هل تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة النوويّة التكتيكيّة؟

هل تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة النوويّة التكتيكيّة؟


كانت هناك تكهنات لا تحصى بأنْ روسيا قد تلجأ إلى الأسلحة النووية في أوكرانيا. ونظراً لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذكرَ استخدامها في  مناسبات عدة ، فإن هذه المخاوف مُبرَّرَة، حسب المحلل الأمريكي جورج فريدمان، في تحليل له موقع “جيوبولتيكال فيوتشرز».
لا جدال على جدوى الأسلحة النووية الاستراتيجية الكبيرة، ولكن هناك سبل أكثر فعالية لتدمير الأهداف دون سحق منطقة بأسرها
وبالنظر إلى أن ذكر شيء يمكن إما أن يشير إلى النية أو أن يكون خدعةً ببساطة، فهناك داعٍ وجيه للتمحيص والتدقيق. ففي كلتا الحالتين، يؤكد فريدمان ضرورة مناقشة مسألة الأسلحة النووية.

الأسلحة النووية: الاستراتيجية والتكتيكية
وأوضح فريدمان أن “المهمّة الأولى هي تعريف فئتيّ الأسلحة النووية: الإستراتيجية والتكتيكية. وهما يختلفان من حيث الحجم بالطبع، غير أن هذا ليس بالأمر المهم كما يُخيل للبعض. فهناك أسلحة نووية تكتيكية تفوق قوتها القنبلة التي سقطت على هيروشيما. وهناك أسلحة أخرى لا تزيد قوتها التدميرية على دُفعة نيران مدفعية».
والميزة الحقيقية هي المُهمَّة، يقول فريدمان، فالأسلحة الإستراتيجية مُصمَّمَة لتجعل الدولة الخصم عاجزة عن المقاومة أو غير مُستعدة لها، وذلك بتدمير بنيتها التحتية الأساسية، وكبار الشخصيات على الأقل من سكانها. أما الأسلحة النووية التكتيكيّة فمُصمَّمَة لإضافة قوة للمعارك المحدودة في نطاقها التي تندلع لأهداف محدودة.
ووفق التحليل، فإن الهجوم النووي الإستراتيجي على أوكرانيا قد ينطوي على ضربات نووية تطال المدن الرئيسية ومنشآت إنتاجية ووسائل النقل والمواصلات. وغايتها تعجيز أوكرانيا سريعاً وتقييد قدرتها على التحرُّك. وسيكون الهدف من الهجوم النووي التكتيكي تدمير القوات الأوكرانية المنخرطة في المعركة مع القوات الروسية النظامية.

وأوضح التحليل أن الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية على حدٍ سواء تهدف إلى هزيمة العدو، غير أن الأسلحة الاستراتيجية غايتها قهر القوات المحدودة بقدرٍ أكبر، ويعقد مستخدموها الآمال على إرغام العدو على الاستسلام في ساحة معركة محددة.

ومن الممكن أن يتفاوت حجم السلاح النووي الضروري لهذا الغرض، وربما كان أكبر من قنبلة هيروشيما، ورغم ذلك يمكن أن يُعدُّ سلاحاً نوويّاً تكتيكيّاً. ويؤكد فريدمان مجدداً على أن مهمة السلاح لا حجمه هي العامل الفارق. واشار فريدمان إلى أن الولايات المتحدة صنعت أسلحة نووية تكتيكيّة في ستينات القرن العشرين. وكان هدفها إما ردع وإما الحيلولة دون التوغُّل الروسي المُسلح في ألمانيا الغربية. وكانت النظرية أنّ القوات الأمريكية ستنسحب من الجبهة لعدة أميال، وبعد انسحابها ستسحق القوات السوفيتية المتوغلة على نطاق واسع بضربة نووية تكتيكية. وبما أنّ الأسلحة النووية التكتيكيّة يكون غبارها النووي محدوداً، فمن الممكن للدرع الأمريكيّ أن يتقدم عبر الفجوات في ساحة المعركة.

ووفق التحليل، تستطيع المدفعية المُحتشدة على المسافة عينها أن تُحقق الغاية نفسها. غير أنّ المشكلة التي كان من المزمع أن يحلها السلاح النووي التكتيكيّ هي انعدام الدقة الحتميّة للأسلحة التقليدية. فالمدفعية كان عليها أن تعرف الموقع المحدد لهدفها عند إطلاق نيرانها، ثم تتمكن من إصابته. وهذا أمر شاق بما فيه الكفاية، غير أن الوقت الفاصل بين إطلاق النيران وإصابة الهدف عَقَّدَ المهمة، إذ إن الهدف يمكن أن يتجنب الضربة ببساطة في سياق المناورات التقليدية. فضلاً عن ذلك، فنيران المدفعية السوفيتية المضادة من الأرجح أن تنطلق، مما يقتضي إعادة انتشار سريعة ويجعل ضربة المدفعية الثانية مُستحيلة.

تغلّبت الأسلحة النووية التكتيكية على هذه المشكلة إذ إن لها نطاق تدمير أوسع، ولو أنه ليس أكبر من اللازم، وإلا عرَّضت منصة الإطلاق نفسها إلى الخطر. وتشمل أوجه القصور الأخرى الأثر الذي يصيب بالعمى للانفجار النووي على الجانبين، ونطاق الإشعاع (المحدود)، والهجوم الجوي الانتقامي إذ ستأتي مقاتلات العدو لتدمير منصة إطلاق الأسلحة النووية. وإذ تحلُّ الأسلحة النووية التكتيكيّة مشكلةً، فهي ترسم معالم هدف للسوفييت.

«عاصفة الصحراء»
لقد جعل تطوير الذخائر الموجَّهة الفائقة الدقة (PGMs) السلاح النووي التكتيكيّ أقل نفعاً. فخلال عملية عاصفة الصحراء، استطاع صاروخ جوّال من نوع توماهوك أُطلقَ من إحدى السفن الأمريكية أن يضرب الطابق الثالث في بناية في بغداد، والبناية الثانية من جهة اليمين. (حدث ذلك بالفعل). وجاء التوجيه الأولي من نظام تحديد المواقع على الأرض، ثمّ من نظام مُطابقة كفاف التضاريس. وكان من الممكن إدخال صورة للأرض ونقطة النهاية داخل كمبيوتر الصاروخ، وكذلك التعليمات التوجيهيّة، مما سمح له بالحد من مشكلات الدقّة التي كانت الأسلحة النووية التكتيكية تحاول حلها دون أن تُشكِّل بلا أي داعٍ تهديداً لقواتها. وكانت الذخائر الموجَّهة الفائقة الدقة، سواء دانات المدفعية أو الصواريخ الأطول مدى، تعني أنه يمكن إطلاق النيران بحسب الحاجة دون شن هجوم إشباعيّ مُكثف. والنطاق الذي يمكن أن تغطيه كان يعني أن آلية الإطلاق لن تكون عُرضة للخطر بالضرورة بعد إطلاق النيران.

وفي أوكرانيا، يستخدم طرفا الحرب الذخائر الموجَّهة الفائقة الدقة على اختلاف أنواعها. ففي بداية الحرب، دُمِّرَت دبابات روسية بصواريخ مضادة للدبابات. وكان الأوكرانيون أكثر انتشاراً على نطاق واسع، وكان للسلاح النووي التكتيكي أدنى أثر عليهم بسبب انتشارهم. وبما أنّ هذا الوضع يتغير الآن، فإن استخدام الأسلحة النووية التكتيكيّة مُمكن، غير أن الروس لديهم سبل أخرى لتحقيق نتائج مماثلة.

وقال فريدمان: “أشعر في هذه المرحلة وكأنني استرخيت وتعلّمت أن أحب الأسلحة النووية. وأنا بريء من هذه التهمة. غير أنّ الحاجة إلى سلاح قتل على مستوى المنطقة جعلت السلاح النووي التكتيكيّ، بما يرتبط به من أضرار ثانوية ناجمة عنه، أقل جاذبية. ففي كثير من الحروب التي اندلعت منذ استحداث السلاح النووي التكتيكيّ، لم يُستخدم هذا السلاح قط. ولا يُعزى ذلك إلى مشاعر الناس تجاهه وإنما لمدى نفعه وجدواه».

وأوضح فريدمان أن لا مساس بجدوى الأسلحة النووية الاستراتيجية الكبيرة، ولكن هناك سبل أكثر فعالية لتدمير الأهداف دون سحق المنطقة بأسرها. “وبالطبع لدينا أيضًا الأثر النفسي لاستخدام تلك الأسلحة. لكنّ الاستخدام التكتيكي للأسلحة النووية دائماً ما كانت له تكلفة سياسية، وأثارَ أسئلةً عن الأسلوب الذي يمكن أن تستجيب به الولايات المتحدة، ودائماً ما يكون عصيّاً على التنبؤ».