لم تكن الفضائح وحدها هي التي قوضت سمعته
هل هذه هي النهاية لبوريس جونسون؟
بعد الفوز الذي حققه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، في الانتخابات العامة عام 2019، تصدر المشهد السياسي في بلاده، وكثرت المقارنات بينه وبين ونستون تشرشل.
ووصف جونسون بأنه قائد جريء وحاسم، وقادر على الوصول إلى شريحة من الناخبين كانت مغلقة على السياسيين المحافظين. وفي أوائل 2020، أوفى بوعده بـ”إنجاز بريكست”، بعد سنوات من النزاع حول توقيت مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، رأى نيكولاس ديكنسون في مجلة “ذا هيل” الأمريكية، أن جونسون لم يترك سوى القليل من الإرث الإيجابي. والمشروع السياسي الذي كان الأكثر التصاقاً به، وهو بريكست، ينظر إليه الرأي العام على نحو متزايد على أنه كان فشلاً. وتبين أن سلوكه عندما كان في السلطة، لم يكن أخلاقياً، وأنه لم يكن السبب الوحيد في سقوطه، وهاهو يستمر في التسبب بمزيد من المشاكل للمحافظين ولخليفته الأخير ريشي سوناك.
وقال الكاتب إن الجزء الإيجابي الوحيد المتبقي لإرثه، هو دعمه النشيط المبكر لأوكرانيا. وبفعله هذا، إنما كان يعكس فقط التأييد الساحق لدى الرأي العام البريطاني لمثل هذا الدعم، الذي استمر من دون تراجع مع خليفته الأقل تشدداً منه- على غرار قرارات تزويد أوكرانيا بدبابات تشيرمان-2 وصواريخ ستورم شادو بعيدة المدى، قبل أن يبادر حلفاء آخرون إلى خطوات مماثلة.
وبينما يبدي ناشطون محافظون تعاطفاً حياله، فإن جونسون هو الأقل شعبية على مستوى البلاد نتيجة الفضائح التي أدت إلى إخراجه من السلطة. وحزب المحافظين نفسه من غير المرجح أن يحتفظ بغالبيته في الانتخابات المقبلة.
كيف ارتكب جونسون كل هذه الأخطاء؟ يشرح الكاتب أن البداية كانت مع يسمى فضيحة “بارتي غيت”، التي بينت أن جونسون وفريقه كانا ينتهكون قيود الإغلاق بسبب الأزمة الناجمة عن وباء كوفيد-19. لكن “بارتي غيت” لم تكن سوى الحلقة الأخيرة في سلسلة من الفضائح التي شكلت قاسماً مشتركاً بين جونسون وأقرب المقربين إليه.
وأضاف أن الكذب وعدم النزاهة في السياسة هما من الأمور التي قلما يتم التسامح حيالهما. ويظهر المؤيدون غالباً ميلاً إلى التسامح عندما يمكن تبرير الخداع اليومي على أساس الضغط الذي تشكله المصالح الوطنية والمثل العليا. لكن ذلك يصير أكثر صعوبة عندما يكذب السياسيون فقط لخدمة أنفسهم خلال وجودهم في منصبهم. وبينما عزل الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت، فإن رونالد ريغان نجا من فضيحة إيران-كونترا وبقيت رئاسته وسمعته سليمة على نحو مدهش.
ولم تكن الفضائح وحدها التي قوضت سمعة جونسون. كان اتفاق بريكست ملائماً لكنه مليء بالشوائب، الأمر الذي جعل خليفته يعيد التفاوض على اتفاق سبق له التأكيد بأنه بات جاهزاً. كما أن التعامل مع الوباء كان فعالاً في بعض النقاط، بينما شابه الفساد من الداخل. وفي بعض الأحيان، كان النشاط الرئيسي لحكومته يخدم غالباً مصالحه الشخصية والمالية ومصالح حلقته الداخلية.
ولفت الكاتب إلى أن طرده لا من الحكومة فحسب وإنما من البرلمان، يشكل الفصل الأخير من حياته السياسية. تعاني بريطانيا من وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد جونسون. لكن تبقى أسئلة عميقة حول كيف حدث ذلك في المقام الأول. وهذه الأسئلة ليست موجهة فقط إلى حزب المحافظين، الذي يتحمل طبعاً معظم اللوم المباشر، وإنما إلى كل الذين كانوا مستعدين للتغاضي عن الأخلاقيات الشخصية باسم الوصول إلى السلطة ولمحبذي أسلوب تشرشل البهيج عوض الجوهر المتقن.
كما أن ثمة حاجة إلى طرح أسئلة أعمق حول ثقافة سياسية تستند إلى أن انعدام الثقة بالطبقة السياسية ككل، يمكن أن يترجم بشخصيات شعبوية من شأنها في نهاية المطاف تعميق المشاكل التي يتعاملون معها عوض حلها. وعلى رغم ذلك، فإن المملكة المتحدة يمكن أن تجد بعض العزاء- بأنها أنهت على الأقل في الوقت الحاضر- مهنة سياسي تكشف أنه لم يتغير.