هل يؤثر مصرع رئيسي على الشراكة بين روسيا وإيران؟

هل يؤثر مصرع رئيسي على الشراكة بين روسيا وإيران؟


استبعد نيكيتا سماجين، الخبير المختص بالشأن الإيراني في مجلس الشؤون الخارجية الروسي، أن يغير حادث وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اتجاه السياسة الإيرانية في السنوات المقبلة، بما في ذلك العلاقة بين روسيا وإيران.
وقال في مقاله بصحيفة «موسكو تايمز» الروسية إن الرئيس ثاني أقوى شخص في النظام الإيراني (بعد المرشد الأعلى)، وإيران ليست ديكتاتورية شخصية. فالسياسة الداخلية والخارجية على حد سواء ترسمها مجموعة من المؤسسات والأفراد، كما أن طبيعة العلاقة بين روسيا وإيران تجعل من الصعب جداً حتى على كبار المسؤولين تغيير مسارها.

أشد المؤيدين لروسيا
ولفت الكاتب النظر إلى أن رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، الذي لقي حتفه أيضاً في الحادث، كانا من أشد المؤيدين للارتقاء بعلاقات إيران بروسيا. فقد كانت تلك إحدى أولويات رئيسي منذ بداية ولايته، إذ اختار موسكو ضمن أولى رحلاته الخارجية في عام 2022.
وفي حين أن تلك الزيارة لم تُسفر عن أي اتفاقات جوهرية، فقد حدثت انفراجة تاريخية في العلاقات بين البلدين في عهد رئيسي.
 وشمل ذلك اتفاقاً بقيمة 40 مليار دولار لشركة الغاز العملاقة المملوكة للدولة «غازبروم» للاستثمار في قطاع النفط والغاز الإيراني، واتفاقاً آخر لروسيا لبناء خط سكة حديد رشت-أستارا الذي سيُتمِّم ممر النقل بين الشمال والجنوب الرابط بين روسيا والخليج العربي، واتفاقاً ثالثاً لإنشاء منطقة تجارة حرة كاملة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا.

التعاون العسكري
ومع ذلك، كان الابتكار الأكبر في العلاقة بين البلدين التعاون العسكري. ففي أعقاب الغزو الشامل لأوكرانيا، بدأت إيران بتصدير الأسلحة إلى روسيا للمرة الأولى في تاريحها، في حين درَّب الإيرانيون الجنود الروس على أساليب الحرب الحديثة. وفي المقابل، حصلت إيران على طائرات تدريب عسكرية، ويبدو أنها ستحصل قريباً على مجموعة من مقاتلات سو-35. غير أن كل هذا لم يكن ثمرة اهتمام الرئيس الإيراني بروسيا.
 فالهجوم الروسي على أوكرانيا، وعزلة موسكو التي أعقبت ذلك، هما اللذان عزَّزا التقارب الإيراني الروسي. أي أن التقارب بين البلدين يعكس الواقع الجيوسياسي الجديد، الذي سيظل على حاله، أياً كان الرئيس الجديد لإيران. 
وبالطبع، يقول الكاتب، ليس هناك ما يضمن أن تظل العلاقة بين البلدين قوية متينة تحت مظلة الرئيس الجديد. ورغم العناوين الرئيسة التي تتحدث عن ازدهار التعاون الروسي الإيراني، فالواقع أقل إثارة للإعجاب.
 
الاقتصاد.. المعضلة الكبرى
وأوضح الكاتب أن المشكلة الاقتصادية تظل هي المعضلة الكبرى. ففي عام 2022، ارتفعَ حجم التبادل التجاري بين إيران وروسيا بنسبة 20% ليصل إلى رقم قياسي بلغ 4.9 مليارات دولار. ربما كان من المتوقع أن يشهد العام التالي استمراراً لهذا التغير الإيجابي (خاصة بعد الادعاءات بأن البلدين أصبح لديهما الآن نظام مدفوعات موحَّد). لكن النتيجة كانت نقيض ذلك. ففي عام 2023، تراجع حجم التبادل التجاري بنسبة 20% تقريباً إلى 4 مليارات دولار.
وليس هناك ما يثير الدهشة تحديداً في هذه التقلبات إذا نظرنا إلى هيكل الصادرات الروسية إلى إيران، الذي تهيمن عليه الحبوب (80%). ويعكس الانخفاض في عام 2023 تراجع كمية الحبوب الروسية التي كانت إيران تشتريها.
ورغم العلاقات الوثيقة بين البلدين، فإن السلع والخدمات الروسية الجديدة تكاد لا تخترق السوق الإيرانية. إن المشاكل التي تعوق الأعمال التجارية الروسية مألوفة، إذ تتمثل في عدم وجود آلية فعالة لتسوية المدفوعات ومشكلات تعتري الخدمات اللوجستية. 
قد يكون النظامان المصرفيان الإيراني والروسي متكاملين على الورق، ولكن لا يوجد حتى الآن منظومة سداد صالحة للاستعمال، والخيارات الموجودة تفرض عمولات باهظة للغاية. وتجري حاليّاً معالجة المشاكل المتعلقة بالخدمات اللوجستية، ولو ببطء شديد.
وعندما يتعلق الأمر بالصادرات الإيرانية إلى روسيا، فالوضع أفضل قليلاً. ففي عام 2023، ارتفعت قيمة الصادرات بنسبة 16% لتصل إلى 1.29 مليار دولار. كما أن هيكل الصادرات الإيرانية آخذ في التغير. فنسبة السلع الزراعية آخذة في الانخفاض، في حين أن نصفها تقريباً أمسى الآن سلعاً صناعية (كالمواد الكيميائية ومواد البناء وقطع الغيار). وبتعبير آخر، تصل سلع إيرانية جديدة حالياً إلى السوق الروسية، ويصبح الميزان التجاري تدريجياً أكثر عدلاً بالتزامن مع زيادة الصادرات الإيرانية.
وفي حين أن الاتفاقات الحكومية الدولية الكبرى بين روسيا وإيران غالباً ما تتم في طي الكتمان، فهي عموماً أقل أهمية بكثير من الناحية العملية. على سبيل المثال، لم تشهد استثمارات شركة غازبروم التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في إيران أي تقدم كبير على أرض الواقع حتى الآن. وبالمثل، لم تبدأ بعد أعمال بناء خط سكة حديد رشت-أستارا.
والاستثناء الوحيد هو قطاع الدفاع. فإيران تزود روسيا بأعداد هائلة من الطائرات المسيرة وغيرها من المعدات الأخرى، بما في ذلك القذائف والرصاص والدروع الواقية والأسلحة المضادة للدبابات. وبلغ الأمر بروسيا أن أنشأت منشأة خاصة بها لتوطين إنتاج الطائرات الإيرانية المسيرة.

وصحيح أن الحجم الدقيق للأسلحة والمعدات التي تشتريها موسكو مجهول، بما أن المعلومات التجارية الصادرة عن البلدين لا تشمل السلع العسكرية، لكنها قد تتراوح ما بين بضعة ملايين وبضعة مليارات من الدولارات.
وتؤيد إيران أيضاً دوراً مهماً آخر لموسكو، إذ تمنح إيران روسيا الشرعية والمكانة اللتين تحتاج إليهما. قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كان يحضر المؤتمرات الدولية والفعاليات المثيلة في روسيا ضيوف من جميع أنحاء العالم.
ومع تقلص قائمة الحضور الآن، أصبح الإيرانيون ضيوفاً مكرمين في هذه المحافل. وتوقِّع الجامعات الروسية اتفاقيات مع نظيراتها الإيرانية، في حين تتوجه وفود من المسؤولين ورجال الأعمال الروس بانتظام إلى طهران. وإلى جانب الصين، يستخدم المسؤولون الروس إيران دليلاً على أنهم ليسوا معزولين عن الساحة العالمية.
واقع موضوعي
وأياً مَن كان سيحل محل رئيسي، يستبعد الكاتب أن تتغير سياسة طهران المعادية للغرب في أي وقت قريب، وهذا يعني أن روسيا وإيران ستستمران في التعاون معاً.
ووفق الكاتب، يستند دفء العلاقات الروسية الإيرانية إلى واقع موضوعي. فقد جمعت بين البلدين صدمة خيبة الأمل في الغرب، والتماهي بوصفهما دولتين رجعيتين تستندان إلى أسس حضارية. فتعاونهما أمر حتمي. وحتى الوفاة غير المتوقعة للرئيس الإيراني ما هي سوى حدث عارض لن يؤثر أبداً في مصير العلاقة بين البلدين.